الشهر الماضي، حثّ مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها جميع النساء الحوامل أو المرضعات أو اللواتي يفكرن في الإنجاب على تلقّي لقاحات كوفيد-19. وفقاً للمركز، فالتوصيات المحدّثة استندت إلى تحليل جديد تابَع الحالة الصحية لآلاف النساء الحوامل اللواتي تلقّين اللقاح.
النساء الحوامل هنّ عرضة بشكلٍ خاص للإصابة بفيروس كورونا، وقد أبرز الانتشار المستمر والشرس لسلالة «دلتا» شديدة العدوى مدى أهمية تلقّي اللقاحات. خلال الأشهر الأولى من طرح اللقاح في الولايات المتحدة، ظل بعض الأشخاص الذين لم يتلقّوه قلقين حول المخاوف من أن اللقاحات قد تؤدي إلى العقم.
اقرأ أيضاً: النساء الحوامل أكثر عرضةً لخطر الوفاة بفيروس كورونا
يقول «مارك إنسيربي»؛ رئيس قسم طب الأم والجنين في مركز «كيك ميديسن» التابع لجامعة كاليفورنيا الجنوبية في لوس أنجلوس: «هذا سبب كبير لتردد الكثيرين في تلقي اللقاح إذا كانوا يفكرون في الإنجاب». لحسن الحظ، فكما يؤكد إنسيربي؛ لم يجد الباحثون والأطباء أي دليل على أن اللقاحات تؤثر على قدرة النساء على الإنجاب أو التمتّع بحمل صحي.
يقول «ريتشارد بيجي»؛ رئيس مستشفى «يو بي أم سي ماغي-ويمنز» في بيتسبرغ: «يوجد الآن قدر لا بأس به من البيانات التي تُظهر أن هذه الادعاءات هي في الحقيقة مجرد خرافات»، ويضيف: «خلاصة القول هي أنه لا يوجد أي ارتباط على الإطلاق بين تلقّي اللقاحات - سواء كان ارتباطاً نظرياً في هذه المرحلة أم ارتباطاً تجريبياً، وأي تأثير على الخصوبة».
اقرأ أيضاً: ما تود معرفته عن متغيّر «دلتا بلس» وهل يمكن أن يفلت من اللقاحات؟
مصادر الادعاءات الخاطئة حول لقاحات كوفيد-19 والعقم
تَعزّز الاعتقاد الخاطئ الذي ينص على أن لقاحات كوفيد-19 تضر بخصوبة النساء من قبل عدة مصادر. عندما كان معظم الأميركيين يتلقون اللقاحات في الربيع، أبلغت بعض النساء عن أنهن عانين من عدم انتظام في دوراتهن الشهرية وعن أنهن عانين من التعب بشكل مميز أثناء الدورة الشهرية بعد أخذ اللقاحات. كان الباحثون يدرسون إمكانية أن تؤدي اللقاحات إلى اضطرابات مؤقتة في الدورة الشهرية؛ لكن هذه التغيّرات التي أُبلغ عنها -إن وُجدت- ستكون قصيرة الأمد ولن تؤثر على الخصوبة.
من المحتمل أن يكون جزء آخر من المعلومات الخاطئة مرتبطاً برسالة أرسلها اثنان من المدافعين عن مكافحة اللقاحات إلى وكالة الأدوية الأوروبية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. تزعم ادعاءاتهم الخاطئة أن اللقاحات ستجعل الجسم يولد أجساماً مضادةً تهاجم عن طريق الخطأ بروتيناً مشيمياً يسمى «سينسيتين-1»، بسبب تشابهه مع بروتين سبايك الذي يوجد على الطبقة الخارجية من فيروس كورونا. مع ذلك، فوفقاً لما قاله «جِل فوستر»؛ أخصائي أمراض الأطفال المعدية في جامعة مينيسوتا في مينيابوليس لشركة ’ويب أم دي» في يناير/كانون الثاني، فإن البروتينين لا يشتركان إلا في أجزاء صغيرة من الشيفرة الوراثية. شبّه فوستر البروتينين برقميّ هاتف يتصادف أن يحتوي كلاهما على الرقم 7. حتى لو كان سيسيتين-1 مشابهاً حقاً لبروتين سبايك، فيُفترض أن يكون ضعيفاً في وجه الأجسام المضادة التي ينتجها الأشخاص الذين لم يتلقّوا اللقاح والذين أُصيبوا بمرض كوفيد-19. يقول إنسيربي: «قد تعتقد أن [هذه] الأجسام المضادة قد تسبب أيضاً مشاكل في الخصوبة؛ ولكن نحن لم نلحظ ذلك».
بالإضافة إلى ذلك؛ في التجارب التي عرّض فيها العلماء .
في تقرير مركز السيطرة على الأمراض الخاص بشهر أغسطس/آب 2021، قام المركز بتحليل البيانات من سجل الحمل ولقاحات كوفيد-19 الخاص بتطبيق «في-سيف»؛ وهو سجل يشمل المشاركات اللواتي تلقّين اللقاح قبل فترة وجيزة من الحمل أو أثناء الحمل. لم يجد المركز أية زيادة في خطر الإجهاض عند ما يقرب من 2500 امرأة حامل تلقّين لقاح الحمض النووي الريبوزي المرسال (لقاح الـ «أم آر أن أيه» اختصاراً) قبل 20 أسبوعاً من الحمل.
في الشهر الماضي، أصدرت الكلية الأميركية لأطباء النساء وأطباء التوليد وجمعية طب الأم والجنين وغيرها من المنظّمات الطبيّة البارزة بياناً مشتركاً يشجع بشدة الحوامل، وكذلك النساء اللواتي كنّ حوامل مؤخراً أو اللواتي يخططن للإنجاب على تلقّي اللقاحات. أفاد البيان أن لقاحات كوفيد-19 ليس لها تأثير على الخصوبة.
يقول إنسيربي: «لقد درس الخبراء معدلات الخصوبة، ونظروا في معدلات الحمل، وبحثوا في المشكلات المتعلقة بالمضاعفات أو النتائج السلبية للحمل وتلقّي اللقاحات، وعلى الأقل حتى الآن، لم يجدوا أي شيء مقلق».
في الوقت نفسه؛ يعمل بيجي وزملاؤه حالياً على دراسة «لتجميع المزيد من البيانات» من خلال تتبع النساء اللواتي تلقين اللقاح أثناء الحمل وبعده، ويأمل الفريق في الحصول على النتائج الأولية بحلول نهاية العام.
يقول بيجي: «لكن البيانات المتاحة في هذه المرحلة مطمئنة للغاية»، ويضيف: «لهذا السبب؛ تشجَّع كل من الكلية الأمريكية لأطباء النساء وأطباء التوليد ومركز السيطرة على الأمراض على التوصية بثقة على [تلقّي اللقاح أثناء] الحمل».
هناك اعتبار آخر حاسم وهو أن النساء الحوامل، أو اللواتي كنّ حواملَ مؤخراً، يواجهن خطراً متزايداً للإصابة بحالة شديدة من المرض أو الموت إذا أُصبن بكوفيد-19. وفقاً لمركز السيطرة على الأمراض، فإن النساء الحوامل المصابات بكوفيد-19 هنّ أكثر عرضةً للولادة المبكّرة.
وفقاً لإنسيربي، فنظراً لأن سلالة دلتا انتشرت كثيراً على مدار الأشهر القليلة الماضية: «النساء الحوامل يُصَبن بها بأعداد أكبر، كما أنهنّ يُصَبن بحالات أشد من المرض». بالنسبة للحوامل اللواتي لم يتلقَّين اللقاح؛ يقول إنسيربي: «من المهم حقاً أن يلتزمن بالتباعد الاجتماعي، وارتداء الكمّامات، وتطبيق كل تلك السلوكيات الأخرى التي نعرف أنها تساعد في التخفيف من انتشار العدوى».
بالإضافة إلى وقاية الحوامل من الإصابة بحالة شديدة من المرض، فقد تكون للقاحات كوفيد-19 فائدة أخرى. وجد الباحثون أجساماً مضادةً للمرض في دم الحبال السرية للحوامل اللواتي تلقّين لقاح الـ إم آر إن إيه.
قال الباحثون من مركز السيطرة على الأمراض: «هذا يعني أن تلقّي اللقاح ضد فيروس كورونا أثناء الحمل قد يساعد في وقاية الأطفال من المرض»، وأضافوا: «هناك حاجة إلى تجميع المزيد من البيانات لتحديد الطريقة التي يمكن لهذه الأجسام المضادة؛ والتي تشبه تلك التي يتم إنتاجها نتيجة تلقي لقاحات أخرى، أن توفر الوقاية للجنين».
ليس من المستغرَب تماماً أن الأسطورة القائلة بأن لقاحات كوفيد-19 تضر بالخصوبة قد انتشرت. يقول بيجي: «إن الإنجاب مسألة حساسة جداً لكثير من الناس»، ويضيف: «إذا كنت تريد زرع الشك، فاختر أمراً يشعر الناس بالحساسية تجاهه».
وفقاً لبيجي، فقد يشعر بعض الناس بالقلق أيضاً لأن موضوع صحة المرأة لم يؤخذ على محمل الجد غالباً عبر التاريخ؛ إذ يقول: «أعتقد أن المشكلة أكثر عمقاً مما تبدو عليه في ظاهرها».
وفقاً لإنسيربي؛ أعرب آخرون عن مخاوفهم من عدم وجود ما يكفي من البيانات عن الآثار طويلة الأمد للقاحات. من الطبيعي أن يستمر الباحثون في مراقبة أمان وفعالية اللقاحات بعد الموافقة عليها. مع ذلك؛ يقول إنسيربي: «لا يوجد حقاً سبب معقول لتوقع أنه ستكون هناك نتائج عكسية للقاحات تظهر بعد سنوات».
من ناحية أخرى؛ يشكل فيروس كورونا خطراً مباشراً. في الأسبوع الماضي، وصل عدد الأشخاص الذين دخلوا إلى المستشفى في الولايات المتحدة نتيجة لكوفيد-19 إلى 100,000 مريض يومياً كوسطيّ لأول مرة منذ يناير/ كانون الثاني الماضي؛ مما تسبب في نفاد أسرّة وحدات العناية المشددة في العديد من المشافي.
في غضون ذلك؛ بدأت وتيرة توزيع اللقاحات في التسارع في الولايات المتحدة - حسبما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» هذا الأسبوع. تجاوز عدد الأشخاص الذين تلقّوا اللقاح لأول مرة في شهر أغسطس/آب نظيره في شهر يوليو/تموز بملايين.
يقول بيجي: «أعتقد أن سلالة دلتا قد أعادت تعزيز رغبة الناس» في الحصول على اللقاح، ويضيف: «لقد لاحظت ذلك أيضاً ... بالنسبة للنساء الحوامل».
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً