منذ ظهور فيروس كورونا لأول مرة، بدت تأثيراته واضحة على الدماغ، وتمثلت في فقدان حاستي الشم والتذوق، وأيضاً ارتبطت الإصابة عند البعض بالارتباك، وعانى آخرون من السكتات الدماغية. حتى الآن لم يستطع الباحثون تقديم إجابات مؤكدة حول سبب تضرر الدماغ عند الإصابة بكوفيد-19، لكنهم وضعوا عدة نظريات، أثبتت الدراسات صحة بعض منها.
أعراض كوفيد-19 التي تشير إلى حدوث أذية دماغية
قبل الشروع بتفاصيل النظريات التي تفسر تأثير فيروس كورونا على الدماغ، يجب أن نحدد أعراض الإصابة بكوفيد-19 والتي تدل على حدوث إصابة دماغية، وهي أعراض ظهرت لدى 80% من المصابين.
ظهرت هذه الأعراض على معظم المصابين بالفيروس في جميع أنحاء العالم، وأكثرها شيوعاً فقدان حاستي الشم والتذوق، والارتباك وفقدان الوعي والصداع والتغييرات في السلوك وقلة التركيز، وصولاً إلى أخطرها وهي السكتات الدماغية. يعاني بعض المرضى أيضاً من مشكلات في الأعصاب الطرفية، يمكن أن تؤدي إلى الشلل والفشل التنفسي.
اقرأ أيضاً: كيف تسبب الإصابة بفيروس كورونا التهاب القلب؟
كيف يؤثر فيروس كورونا على الدماغ؟
وضع (روبرت ستيفنز) طبيب الرعاية الحرجة وأخصائي العلاج العصبي، والمدير المساعد لمركز جونز هوبكنز للطب الدقيق، 4 فرضيات، تفسر كل منها الطريقة التي يؤثر فيروس كورونا من خلالها على الدماغ:
عدوى شديدة
تقول الفرضية الأولى إنه قد يكون للفيروس القدرة على دخول الدماغ، والتسبب بعدوى شديدة ومفاجئة. وجد الباحثون في بعض الحالات المادة الوراثية للفيروس في السائل الدماغي الشوكي، ووجدت في حالات أخرى جزيئات فيروسية في خلايا الدماغ.
كيف وصل الفيروس إلى الدماغ؟ يُعتَقد أنه يصل عبر مجرى الدم أو النهايات العصبية، أو أنه دخل من خلال البصلة الشمية، التي تقع فوق الأنف مباشرة وتنقل المعلومات حول الرائحة إلى الدماغ، لذلك يكون فقدان حاسة الشم من الأعراض الأولى للإصابة.
استجابة التهابية
الفرضية الثانية هي أنه عندما يحاول الجهاز المناعي محاربة الفيروس، يُنتج استجابة التهابية غير قادرة على التكيف قد تسبب تلفاً شديداً في الأنسجة والأعضاء، مسببةً ضرراً ربما أكبر من الذي يسببه الفيروس نفسه.
تصنع أجهزة المناعة لدى بعض الأشخاص عن غير قصد أجساماً مضادة ذاتية يمكن أن تمر عبر الحاجز الدموي الدماغي، وتساهم في الاضطرابات العصبية التي تتراوح من ضعف الذاكرة إلى الذهان، وهذا ما قد يحدث عند الإصابة بكوفيد-19.
التغيرات الفيزيولوجية
تقول الفرضية الثالثة إن جميع التغيرات الفيزيولوجية التي تحدث في الجسم بسبب الإصابة بكوفيد19، والتي تتراوح من الحمى الشديدة إلى مستويات الأكسجين المنخفضة إلى فشل العديد من الأعضاء، تساهم في اختلال وظائف الدماغ، وحدوث الهذيان أو الدخول في الغيبوبة التي تظهر عند العديد من المرضى الذين يُصابون بعدوى كوفيد-19 الحادة.
تخثر الدم
ترتبط الفرضية الرابعة بحدوث السكتة الدماغية، بسبب التغيرات التي يحدثها فيروس كورونا في نظام تخثر الدم لدى المرضى المصابين بهذا المرض، إذ يصبح غير طبيعي أبداً، ويزداد احتمال حدوث جلطات لدى هؤلاء المرضى أكثر من غيرهم. يمكن أن تتكون الجلطات في الأوردة العميقة داخل الجسم أو في الرئتين، حيث يمكن أن تقطع تدفق الدم. ويمكن أن تحدث السكتة الدماغية إذا كانت الجلطة الدموية تسد أو تضيّق الشرايين المؤدية إلى الدماغ.
اقرأ أيضاً: هل يؤثر فيروس كورونا على الذاكرة والدماغ؟
كيف تفسر الدراسات العلمية تأثير فيروس كورونا على الدماغ؟
منذ بدء جائحة كوفيد-19، بدأت الدراسات العلمية الرامية لفهم تأثيرات هذا الفيروس على الجسم عامةً، وسنتناول الآن بعضاً من تلك الدراسات التي تفسر تأثيراته على الدماغ، فقد أصبحت الطريقة التي يضر بها فيروس كورونا الدماغ أكثر وضوحاً. وبات واضحاً أن هجوم الفيروس على الدماغ يمكن أن يكون متعدد الجوانب، فقد يهاجم خلايا دماغية معينة بشكل مباشر، أو يقلل من تدفق الدم إلى أنسجة المخ، أو يؤدي إلى إنتاج جزيئات مناعية يمكن أن تضر خلايا الدماغ، ما يُثبت أن بعض الفرضيات السابقة صحيحة.
الدخول إلى الدماغ
عند دراسة صور لأدمغة المرضى قبل الإصابة بكوفيد-19 وبعدها، وُجِد فقدان للمادة الرمادية في عدة مناطق من القشرة الدماغية. وفي دراسة من جامعة كاليفورنيا الأميركية، وجد الباحثون أن الفيروس يصيب الخلايا النجمية، وهي خلايا وفيرة في الدماغ ولها وظائف عديدة منها توفير العناصر الغذائية اللازمة للخلايا العصبية. وأكدت ذلك دراسة أخرى من جامعة كامبيناس في البرازيل، درس فيها الباحثون الخلايا الدماغية المتضررة جراء الإصابة بكوفيد-19، ووجدوا أن 66% من الخلايا المتضررة هي من نوع الخلايا النجمية.
وفي دراسة أخرى منشورة في دورية نيتشر العلمية، وجد الباحثون أن التعبير الجيني قد تأثر في بعض الخلايا النجمية، فلم تتمكن من العمل بشكل صحيح، على الرغم من عدم وجود أي أثر لفيروس كورونا في الدماغ. تفسّر إصابة الخلايا النجمية حدوث الأعراض العصبية مثل التعب والاكتئاب وضبابية الدماغ، والتي تتضمن الارتباك والنسيان.
منع تدفق الدم
أثبتت دراسة منشورة في دورية نيتشر أيضاً أن فيروس كورونا يمكن أن يؤثر على الدماغ عن طريق تقليل تدفق الدم إليه، ما يضعف وظيفة الخلايا العصبية ويقتلها في النهاية، حيث يصيب الفيروس الخلايا الموجودة في الشعيرات الدموية في جميع أنحاء الجسم، بما في ذلك الدماغ.
خلل في الجهاز المناعي
أشارت الدراسات أيضاً إلى أن بعض الأعراض والأضرار العصبية ناتجة عن المبالغة في رد فعل الجهاز المناعي في الجسم، بل وحتى الإخفاق بعد مواجهة فيروس كورونا، فقد تمكّن باحثون من عزل الأجسام المضادة لفيروس كورونا من أجسام بعض المرضى، ووجدوا أنها يمكن أن ترتبط بأنسجة المخ، ما يشير إلى أنها قد تتلفها.