أصبح مرض "كوفيد-19" تهديداً عالمياً حيث أثر على أكثر من 173 مليون شخص كما تسبب في وفاة ما يقارب 4 ملايين شخص خلال العامين الفائتين، ويستمر لهذه اللحظة في التأثير على جميع جوانب الحياة في جميع أنحاء العالم.
مع انتشار مضاعفات الإصابة بمرض "كوفيد-19" الوخيمة، كالمتلازمة التنفسية الحادة، ونظراً لعدم وجود علاج فعّال، بات تطبيق التدابير الوقائية لتقليل انتشار الفيروس الأمل الأكبر في احتواء هذا الوباء، ولذلك اعتباراً من 18 فبراير/شباط 2021 تم طرح ما لا يقل عن سبعة لقاحات مختلفة في معظم بلدان العالم، كما يخضع 102 لقاحاً آخر للتجارب السريرية، إذ يلعب اللقاح دوراً حيوياً في تقليل انتشار العدوى بين السكان حتّى غير الملقحين منهم، من خلال تطبيق ما يُسمى "مناعة القطيع".
قبول المجتمعات العربية للقاح كوفيد-19
فرض تطور تفكير الإنسان وغنى معارفه الإدراكية شيئاً من التردد بما يخص كل جديد، حيث لا تزال غريزة البقاء تتحكم في استجابته عند وقوع أي تهديد، وهذا ما يحصل في المجتمعات العربية والغربية منذ إعلان وجود لقاحات فعالة ضد وباء كوفيد-19.
نشرت دورية سعودية دراسة حول قبول الشعوب العربية لأخذ اللقاحات وترأست هذه الدراسة الصيدلانية رنا أبو فرحة خريجة جامعة عمّان الأردنية، شملت الدراسة كلاً من الأردن والسعودية ولبنان والعراق. شارك 2925 شخصاً في استبيان الدراسة وتبين أن 25% من الأشخاص فقط كانوا مستعدين لأخذ اللقاح، إذ أبدى العراقيون القبول الأكبر بين كل أفراد العينة المدروسة حيث وافق 13% منهم على أخذ اللقاح، في الوقت الذي كان فيه الأردنيون الأقل قبولاً، إذ لم يوافق سوى 17% من مجمل الأردنيين المشاركين في الدراسة على أخذ لقاحات كوفيد-19.
اقرأ أيضاً: ما زلت متردداً بشأن لقاحات كوفيد-19؟ اقرأ هذا إذاً
المجتمع السوري في وجه حرب أخرى
لقد أدت عشر سنوات من الحرب في سوريا إلى إثقال كاهل السكان وخلق العديد من الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية.
غالبية العائلات السورية لا تستطيع تحمل العواقب الاقتصادية للإغلاق في البلاد وتطبيق الحظر، ولأن التعامل مع الإصابة بالفيروس مكلفٌ بسبب الارتفاع الهائل في تكاليف معدات الحماية الشخصية وأسعار الإمدادات الطبية، تم تسليط الضوء على الأهمية القصوى لتوافر اللقاح لأنه قد يمثل الطريقة الفعالة الوحيدة للحد من انتشار مرض "كوفيد-19" في هذا البلد الذي يعاني من الحرب المطولة.
حتى تاريخ كتابة هذه المقالة، تم تسجيل 55,577 حالة مؤكدة مخبرياً و3,127 وفاة جراء الإصابة بمرض "كوفيد-19" من قبل وزارة الصحة السورية، وعلى الرغم من أن هذه الأرقام تُقدر بكونها منخفضة نسبياً مقارنة بباقي الدول، إلّا أن السبب في هذا غالباً هو محدودية إجراء الاختبارات وتكلفتها المرتفعة نسبياً، لذلك سلطت هذه الدراسة المحلية، التي قام بها مجموعة من الأطباء والطلاب السوريين بقيادة الطبيب تميم السُليمان وهو أخصائي أمراض دم في جامعة السوربون الفرنسية، والطبيب موسى شيباني خريج كلية الطب في جامعة دمشق، للبحث في مدى تقبل الناس في سوريا للقاح كورونا وما هي العوامل التي تؤثر على قرارهم، وقياس مدى استعداد السكان السوريين لتلقي اللقاح والإبلاغ عن معتقداتهم حوله ودراسة المتغيرات التي تؤثر على قرارهم.
اقرأ أيضاً: ما هي أحدث توصيات الوقاية من كوفيد-19؟
إجراء الدراسة في سوريا
أجريت هذه الدراسة في سوريا خلال الفترة من 3 يناير/كانون الثاني إلى 17 مارس/آذار لعام 2021 حيث أعلنت وزارة الصحة السورية عن بدء إعطاء اللقاح للعاملين في الخطوط الأمامية والرعاية الصحية وإنشاء منصة صحية مخصصة للجمهور للتسجيل في التطعيم في 5 مايو/أيار 2021.
تم توزيع استبيان بين المواطنين على شكلين: المرحلة الأولى تضمنت توزيع الاستبيان على منصات التواصل الاجتماعي، وفي المرحلة الثانية تم تسليم نسخة ورقية من الاستبيان للمرضى ومرافقيهم والعاملين في المستشفيات العامة. تم إجراء مسح يستهدف عموم السكان في جميع المدن الرئيسية في سوريا (دمشق، ريف دمشق، حلب، درعا، دير الزور، حماة، الحسكة، القامشلي، حمص، إدلب، اللاذقية، القنيطرة، الرقة، السويداء، طرطوس).
تكوّن الاستبيان من ثلاثة أقسام، اختص القسم الأول بجمع المعلومات حول الخصائص الاجتماعية والديموغرافية، أما القسم الثاني فكان يدور حول المعتقدات والآراء حول وباء "كوفيد-19" والتطعيم ضده، وضمّ القسم الأخير مجموعة من الأسئلة حول الاستعداد لأخذ اللقاح للبحث في مدى الاستعداد للتطعيم وأسباب رفض أخذ اللقاح في حال عدم الموافقة عليه.
شارك 7531 شخصاً في الاستبيان ممن تراوحت أعمارهم بين 18-65 سنة وكان 3505 منهم من الذكور و4026 من الإناث، وقد كان العاملون في الرعاية الصحية المصدر الرئيسي للمعلومات وتلاهم مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي.
اقرأ أيضاً: أين نحن الآن من مراحل جائحة كوفيد-19 الخمس؟
ما الذي أظهرته نتائج البحث عن تقبل السوريين للقاح؟
نصت النتائج المبدئية على أن 2790 من المشاركين كانوا على استعداد لأخذ اللقاح بينما كان 2334 غير متأكدين من ذلك. تباينت النتائج بشكل كبير تبعاً للجنس والمستوى الاقتصادي والمستوى التعليمي والأصل الجغرافي.
ومع إظهار هذه الدراسة نتائج مهمة للغاية بما يتعلق بمعدل قبول المشاركين لحملات التطعيم الذي يكاد أن يكون بحده الأدنى بالمقارنة مع باقي الدول، توجب على منظمات الصحة بذل أقصى الجهود لتصحيح المعلومات الخاطئة حول اللقاح والإجابة عن جميع الأسئلة المتعلقة به، وخاصةً مع النظام الصحي الذي دمرته الحرب لمدة 10 سنوات.
كان الخوف من وقوع الآثار الجانبية المحتملة هو السبب الرئيسي للإحجام عن أخذ اللقاح، تلاه عدم الثقة في تركيبة اللقاح حيث اعتقد ثلث المشاركين حسب تعبيرهم أن "كوفيد-19" يشكل خطراً كبيراً عليهم شخصياً.
وافق 36.8% من المشاركين على أن اللقاح هو مجرد وسيلة لشركات التصنيع لكسب المال، وصرح 73.2% منهم بأن رفضهم يعود للقلق من التعرض لأعراض جانبية من التطعيم، كان نصف المشاركين غير واثقين من أن اللقاح سيقيهم من المرض، و66.2% اعتقدوا أنه ليس لديهم معلومات كافية عن هذا اللقاح لاتخاذ قرار مستنير بشأن التطعيم أم لا.
اقرأ أيضاً: كيف سيؤثر إيقاف جونسون أند جونسون لإنتاج لقاحات كوفيد-19 على توافر اللقاحات عالميّاً؟
أظهرت النتائج وجود فارق ملحوظ في القبول بين صفوف الذكور والإناث حيث كان الذكور أكثر تقبلاً لأخذ اللقاح، كما تباينت النتائج حسب العمر إذ دعم المشاركون ممن تراوحت أعمارهم بين 45 و65 عاماً فكرة التطعيم أكثر من غيرهم، وبشكل عام كان الأفراد المتزوجين والمشاركين من المحافظات الشرقية، كالحسكة ودير الزور، أكثر تقبلاً لفكرة اللقاح.
لوحظ وجود اعتقاد شائع بين معظم المشاركين وهو أنهم لا يشعرون أنهم في دائرة خطر الإصابة بمرض "كوفيد-19" مقارنةً بغيرهم في المجتمع، كان هذا الاعتقاد مثيراً للاهتمام ويُعزى ذلك إلى حقيقة أن سوريا ذات مجتمع شاب نسبياً، حيث يميل الشباب إلى الاعتقاد بأنهم أقل عرضة للإصابة بالأمراض. تم الإبلاغ عن ملاحظة مماثلة في المملكة المتحدة وفرنسا ولبنان.
كان أحد الأسباب الأكثر شيوعاً لعدم أخذ اللقاح هو عدم الثقة في تركيبة اللقاح، ربما بسبب التقنيات التي تم إدخالها حديثاً في تركيب اللقاحات حيث إنها المرة الأولى التي يتم استخدام الحمض النووي "الرنا المرسال" الخاص بالفيروس لتركيب اللقاح، كما أن السرعة اللافتة في تطوير لقاح "كوفيد-19" زادت احتمالية عدم قبول الشارع له، إذ قال 42% من المشاركين إنهم غير مقتنعين بسرعة تطوير اللقاح.
اعتبر 34.9% أنفسهم على دراية كافية بمرض "كوفيد-19" لاتخاذ قرار مستنير بشأن التطعيم، لكن النقطة المهمة أن البعض يعتمدون على مصادر معلومات غير موثوقة، حيث يحصل نصف المشاركين تقريباً على معلوماتهم من وسائل التواصل الاجتماعي التي قد تكون مضللة للغاية لا سيما في البلدان ذات الدخل المنخفض.
اقرأ أيضاً: ما هو الوقت المناسب لتلقي جرعة معززة من لقاحات كوفيد-19 بعد الشفاء من المرض؟
بينت النتائج وجود مستويات "مثيرة للقلق" بما يتعلق بقبول اللقاح بين السوريين، وهذا الأمر ناجم عن وجود فجوة معرفية فيما يتعلق بالعديد من جوانب اللقاح والمرض، وهنا تأتي أهمية وجود حملات وطنية تهدف إلى زيادة وعي السكان حول عملية التطوير وتوضيح حقيقة الآثار الجانبية وصياغة مفهوم التطعيم بطريقة تجعل الناس أكثر ثقة في اللقاح وإدراكهم لأهميته في السيطرة على هذا الوباء.