ماذا عن مستقبل فيروس كورونا؛ الذي فتك لحد الآن بحياة أكثر من مليوني شخص في جميع أنحاء العالم؟ هل سيتمّ القضاء عليه من خلال حملة تلقيح عالمية، مثله مثل الجدري؟ هل ستستطيع السلالات والطفرات الجديدة مراوغة اللقاحات وتفاديها؟ أم أن الفيروس سيبقى لفترة طويلة، ويتحول إلى مصدر إزعاج خفيف، مثله مثل نزلات البرد؟
وجهة شبه مؤكدة سيصل إليها الفيروس.. لكن متى؟
من المؤكد أن فيروس كورونا سينضم في نهاية المطاف إلى قائمة العديد من الأمراض المعدية الأخرى التي تعلمت البشرية التعايش معها، ذلك بحسب توقع الدكتور «جاكوب جون»، الذي يدرس الفيروسات وكان في على رأس جهود الهند لمعالجة شلل الأطفال وفيروس نقص المناعة البشرية «الإيدز». ولكن لا أحد يعرف متى وكيف على وجه اليقين.
يتطور الفيروس بسرعة، وتظهر أنواع جديدة في بلدان مختلفة. وتمّ إثبات خطورة هذه المتغيرات الجديدة عندما وجدت شركة «نوڤاڤاكس» أن لقاح الشركة لا يعمل بشكل جيد ضد السلالات المتحوّرة التي انتشرت في بريطانيا وجنوب أفريقيا. ويقول الخبراء إنه كلما زاد انتشار الفيروس، زاد احتمال أن تصبح السلالة الجديدة قادرةً على التملّص من الاختبارات والعلاجات واللقاحات الحالية.
في الوقت الحالي، يتفق العلماء على الأولوية العاجلة؛ وهي تلقيح أكبر عدد ممكن من الأشخاص في أسرع وقت ممكن. بينما الخطوة التي تليها أقل تأكيداً وتعتمد إلى حد كبير على قوة المناعة التي توفرها اللقاحات والالتهابات الطبيعية ومدة استمرارها.
لا يوجد بيانات كافية حتى الآن فيما يتعلق باحتمالية تعرّض الناس بشكل متكرر للعدوى المتكررة. لكن يتفق العديد من الباحثين على أن فرص إعطاء اللقاحات مناعة مدى الحياة تُعتبر ضئيلة.
نتعلّم من الماضي لنقرأ الحاضر ونتنبّأ بالمستقبل
إذا كان يجب على البشر أن يتعلموا كيف يتعايشون مع فيروس كورونا، فإن طبيعة هذا التعايش لا تعتمد فقط على مدة استمرار المناعة، ولكن أيضاً على كيفية تطور الفيروس. إذ أنه من الممكن أن يتطور بشكلٍ كبير كل عام ويتطلب حقناً لشكل سنوي، مثل الإنفلونزا، أو أن يعاود الظهور كل بضع سنوات.
جذب هذا السؤال حول مستقبلنا مع الفيروس جيني لافين، عالمة الفيروسات في جامعة إيموري الأميركية، والتي شاركت في تأليف ورقةٍ بحثيةٍ حديثة نُشرت في دورية «ساينس»، عرضت سيناريو متفائل نسبياً؛ إذ أنه بعد تعرّض معظم الأشخاص للفيروس، إما من خلال التطعيم أو العدوى السابقة، سيستمر العامل الممرض فيه في الانتشار، ولكنه في الغالب سيسبب مرضاً خفيفاً فقط، مثل الزكام الروتيني.
في حين أن المناعة المكتسبة من فيروسات كورونا الأخرى؛ مثل تلك التي تسبب نزلات البرد أو السارس أو متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، تتضاءل بمرور الوقت، فإن الأعراض عند الإصابة مرة أخرى تميل إلى أن تكون أكثر اعتدالاً من الإصابة بالمرض للمرة الأولى، ذلك بحسب الباحثين الورقة البحثية ذاتها.
يستند التنبؤ الوارد في الورقة البحثية إلى تحليل كيفية تصرف الفيروسات التاجية الأخرى بمرور الوقت، ويُفترض أن فيروس «SARS-CoV-2» المسبّب في جائحة كورونا الحالية سيستمر في التطور، ولكن ليس بسرعة أو بشكل جذري. ولم يتّضح بعد كيف ستشكل الطفرات المستقبلية في فيروس «SARS-CoV-2» مسار المرض الحالي.
يمكن أن تقدم جائحة الإنفلونزا الإسبانية عام 1918 أدلةً حول مسار فيروس كورونا. كان العامل المُمرض فيها هو فيروس «H1N1» الذي يحمل جيناتٍ نشأت في الطيور، وليس فيروساً تاجياً. ولم تكن هناك لقاحات متوفرة في ذلك الوقت. وتقدّر المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها أن ثلث سكان العالم حينها أُصيبوا. لكن في النهاية، بعد وفاة المصابين أو تطوير مناعتهم، توقف الفيروس عن الانتشار بسرعة. وتحوّر لاحقاً إلى شكلٍ أقل ضراوة، والذي يقول الخبراء إنه لا زال يستمر في الانتشار بشكلٍ موسمي دون أن يُلاحظ أو يشكّل أية خطورة.
تبقى جميع الاحتمالات مفتوحة
مع ظهور متغيرات جديدة، بعضها أكثر انتشاراً، وبعضها أكثر ضراوة، وبعضها ربما أقل استجابةً للقاحات، يدرك العلماء أنه رغم معرفتهم الكبيرة بشأن الفيروس حتى الآن، إلا أنه لا زال أمامهم الكثير ليتعلّموه بشأن مستقبله. فلقد ظهر منذ قرابة العام فقط، لذلك لا يوجد بيانات كافية توضح سلوكه على مدى خمس أو عشر سنوات.
من بين أكثر من 12 مليار جرعة لقاح لفيروس كورونا سيتمّ تصنيعها في عام 2021، اشترت الدول الغنية حوالي 9 مليارات منها، ولدى العديد خيارات لشراء المزيد. ويمثل التفاوت هذا تهديداً بحد ذاته، لأنه سيؤدي إلى اضطرار البلدان الفقيرة إلى الانتظار لفترةٍ أطول للحصول على اللقاح، وخلال هذه الفترة سيستمر المرض في الانتشار وقتل الناس.
لا شكّ أن كون اللقاحات تبدو أقل فعاليةً ضد السلالات الجديدة أمرٌ مثيرٌ للقلق، ولكن بما أن اللقاحات توفر بعض الحماية، فلا يزال من الممكن استخدامها لإبطاء انتشار الفيروس أو إيقافه.
قد يتناقض مستقبل فيروس كورونا مع الأمراض المعدية الأخرى التي تم التغلّب عليها إلى حد كبير باللقاحات التي توفر مناعة مدى الحياة، مثل الحصبة. إذ ينخفض انتشار الحصبة بعد تلقيح العديد من الأشخاص. لكن ديناميكيات الانتقال والمناعة تتغير بمرور الوقت مع الولادات الجديدة، لذلك يميل تفشّي المرض عادةً إلى الظهور في دورات.
وعلى عكس الحصبة أيضاً، لا تظهر دائماً على الأطفال المصابين بفيروس كورونا أعراضاً واضحة، ويمكنهم نقل المرض إلى البالغين وتعريضهم للخطر. وهذا يعني أن الدول لا يمكنها أن تتخلى عن حذرها. كما أنّ المجهول الآخر هو التأثير طويل المدى لفيروس كورونا على المرضى الذين ينجون منه ولكنه يرهقهم بالمرض لعدة أشهر.
إذ أن التقدير الكمي لهذا الضرر هو المفتاح لفهم العواقب الكاملة للمرض. أي معرفة كم عدد الأشخاص الذين لا يستطيعون القيام بالأعمال اليدوية أو أن المرض أرهقهم لدرجة أنهم لا يستطيعون التركيز، إذ أنه لم يكن هناك الكثير من الأمراض التي أصابت الناس على نطاقٍ مثل هذا وبأعراضٍ متنوعة كهذا.