أعلن علماءٌ في معهد بيتر دوهرتي للعدوى والمناعة في ملبورن؛ بأستراليا، في 29 يناير/كانون الثاني المنصرم أنهم تمكنوا من تطوير فيروس كورونا من عينة مريض في المختبر. وتُعدّ هذه هي المرة الأولى التي يُنمّى فيها فيروس كورونا الجديد مختبرياً خارج الصين.
تلك أخبار جيدة، لأنها ستسمح للباحثين بتطوير اختبارات تشخيصية جديدة للفيروس بسرعة، والتي ستكون ضرورية إذا أراد العلماء أن التمكّن من تتبع انتشاره في الصين وباقي أنحاء العالم. لا يزال هناك الكثير الذي يجهله العلماء حول هذا الفيروس سريع الانتشار.
يقول كاتب المقال أنه باحثٌ في العلوم البيولوجية البيطرية، ويدرس آلية عمل فيروسات الجهاز التنفسي، مثل الأنفلونزا، والتي تتسبب بأمراض الرئة لدى الحيوانات والبشر. وكباحثٍ في هذا المجال، أرى هذا التطور علامة مشجعة.
سوقٌ ذو امتداد عالمي
يبدو أن الفيروس نشأ في سوقٍ للمأكولات الحيوانية والبحرية في مدينة ووهان بوسط الصين في مقاطعة هوبي في نهاية عام 2019.
أغلب الحالات اقتصرت على المنطقة المحيطة بمقاطعة هوبي الصينية. قد يكون هذا بفضل إجراءات الحجر الصحي السريعة، التي ربما تكون صارمةً بعض الشيء، والتي فرضتها الحكومة الصينية. في الوقت نفسه، يقول بعض النقاد إن المسؤولين الصينيين لم يتصرفوا بسرعة كافية، مما سمح لخمسة ملايين شخص بمغادرة المدينة قبل إعلانها مدينةً موبوءة.
ومع ذلك، يجب علينا جميعاً علماءَ وغير العلماء، أن نكون واقعيين عند الكلام عن الفيروس الجديد. يبلغ عدد سكان مدينة ووهان وحدها 11 مليون نسمة. في ضوء ذلك، فإن تأكيد 20 ألف إصابة بالفيروس ليس بالرقم الكبير بعد كلّ شيء؟ في الواقع، تكمن المشكلة الآن في أن أننا لا نعلم ما إذا كانت هذه الحالات يمكن أن تكون مجرّد بدايةٍ لتفشي جائحةٍ وبائيةٍ كبيرة على نطاقٍ واسع.
من الممكن أن يعاني البعض أو حتى الكثير من المصابين بالفيروس من أعراضٍ خفيفةٍ فقط، وبالتالي لا يتم اختبار وجود الفيروس لديهم. علاوةً على ذلك، يبدو أن هذا الفيروس التاجي أقل فتكاً من فيروس السارس الذي انتشر في أوائل العقد الأول من القرن العشرين. ومع ذلك، فإن حالات الإصابة بفيروس كورونا الجديد في الصين تجاوزت بالفعل عدد حالات الإصابة بالسارس والتي بلغت 5327 حالة في حينها.
في الوقت الحالي، يتطلب تأكيد الإصابة بالعدوى إجراء اختباراتٍ تستند إلى سلسلة تفاعل البلمرة، والتي تستغرق وقتاً طويلاً للكشف على جينات الفيروس، بالإضافة إلى أن هذه الإختبارات لا يمكن إجراؤها إلا في عدد قليل من المختبرات، حيث تسمح تقنية الكشف هذه للباحثين في المختبر بعمل ملايين النسخ من جزءٍ معين من الحمض النووي، لكنها بطيئةٌ جداً.
ستساعد التقنية المُتطورة التي اُكتشفت في أستراليا على تطوير اختبارات تشخيصية جديدة وسريعة تعتمد على الأجسام المضادة للعدوى بحيث يمكن استخدامها في العيادة وليس في المختبر فقط. سيتيح هذا للأطباء تحديد المرضى المصابين بشكل أسرع ونشر تدابير مناسبة لمكافحة العدوى حسب الحاجة.
وهذا من شأنه أن يسمح للعلماء بالحصول على صورةٍ أوضح بكثير عن مدى سهولة انتقال هذا الفيروس من شخصٍ لآخر، ومعرفة عدد المصابين بهذا الفيروس الذين يمكن أن تتطوّر أعراض المرض لديهم لتصبح شديدةً، وفيما إذا كان هناك أي مجموعات مُعرضةٌ بشكل خاص دون غيرها لاحتمال تطوّر المرض ليصبح مميتاً. هذه المعلومات ضرورية إذا كنا نرغب في الاستجابة لتفشي المرض بعقلانية.
إن القدرة على إنماء فيروس ووهان التاجي مختبرياً ستجعل من السهل تطوير لقاحٍ له. يتطلب تطوير اللقاح وتصنيعه كمياتٍ كبيرة من البروتينات الفيروسية التي يمكن أن تكون بمثابة مولدات المضادات التي تعمل على تحفيزِ الاستجابة المناعية لدى الناس. ولا يمكن القيام بذلك عملياً إلا من خلال إكثار كمياتٍ كبيرةٍ من الفيروس على الخلايا في المختبر أو في منشآت تصنيع اللقاحات. حالياً، توجد العديد من اللقاحات فعلياً والتي تكافح العديد من عائلة الفيروسات التاجية، بما فيها فيروس السارس ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية الوخيمة، حيث تمنح هذه اللقاحات البشر مناعةً جيدة. مرةً أخرى، تلك أخبارٌ جيدة.
لكن تطوير اللقاح وتصنيعه واختباره يستغرق بعض الوقت. من الناحية النظرية، قد تتوفر الجرعات الأولى، في أفضل الحالات، من اللقاح الجديد في أواخر الربيع. ومع ذلك، قد يستغرق تصنيع كمياتٍ كافية من اللقاح سنةً كاملة، لذلك لن يكون منطقياً الاعتقاد أنّ بإمكاننا السيطرة على الفيروس على المدى القصير.
ما الذي يمكن فعله للبقاء في أمان؟
أولاً، لا داعي للذعر. فلا يوجد حتى الآن سبب يدعو للاعتقاد بأن فيروس كورونا سيكون له تأثيرٌ مدمّر على البشرية. ثانياً، اغسل يديك كثيراً لأن القيام بذلك يزيل الفيروس عن يديك. فنظراً لأن الناس غالباً ما يميلون للمس أيديهم بوجوههم، فإن الفيروس الذي يبقى على أيديهم يمكن أن يدخل الجسم عن طريق الفم أو الأنف، حيث أنّ الأشخاص الذين يحملون الفيروس يمكن لهم أن ينشروه من خلال لمس الشخص السليم ـو من خلال نشره على الأسطح المختلفة مثل مقابض الأبواب. ثالثاً، إذا أُصبت بالفيروس، ابقى في المنزل لتتجنّب نشره للآخرين. أخيراً، احصل على لقاح الانفلونزا الآن، ففيروس الانفلونزا يشكّل تهديداً كبيراً على صحّة الأمريكيين أكبر بكثير من هذا الفيروس البعيد.
تم نشر المقال في موقع ذا كونفيرسيشن