لماذا يختلف الجهاز المناعي لدى الأطفال عن نظيره لدى البالغين؟

5 دقائق
الجهاز المناعي لدى الأطفال
حقوق الصورة: سي دي سي فوتوز/ أنسبلاش

بعد مرور ما يقرب من عام على تصريح استخدام أول اللقاحات لمرض كوفيد-19، أصبحت الولايات المتحدة على وشك توسيع نطاق الأهلية لتلقّي اللقاحات لتشمل آخر مجموعة من الأميركيين غير الملقّحين: الأطفال الصغار.

من المحتمل أن تتم الموافقة على منح لقاح شركة «فايزر» للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و 11 عاماً من قبل مركز السيطرة على الأمراض الأميركي في هذا الأسبوع، واستناداً إلى الأنماط السابقة، من المرجّح أن تتم الموافقة على منح لقاح شركة «موديرنا» لنفس الفئة العمرية بعد بضعة أسابيع، كما يبدو أنه ستتم الموافقة على منح اللقاحات للأطفال حديثي المشي والأطفال الصغار جداً في الفترة المقبلة.

أخبر المتحدث باسم شركة فايزر موقع «بوبساي» عبر البريد الإلكتروني أن بيانات الشركة الخاصة بالأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و5 سنوات قد تُنشر قبل نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول من هذا العام. لكن لماذا تأخرت الموافقات على منح اللقاحات الأطفال عن تلك الخاصة بالبالغين؟

تتعلق الإجابة جزئياً بالجهاز المناعي لدى الأطفال، وجزئياً بالمتطلبات المتعلقة بإجراء تجربة للقاحات على الأطفال.

يعمل الجهاز المناعي عند الأطفال في مرحلة ما قبل المراهقة، وخاصة الأطفال حديثي المشي، بشكل مختلف عن الجهاز المناعي عند البالغين. تقول «جينيفيف فودا»، والتي تبحث في مجال لقاحات الأطفال في جامعة دوك: «الأطفال ليسوا بالغين صغار الحجم فقط»، وتضيف: «أي أننا لا يمكننا ببساطة أن نطبّق عليهم ما نطبّقه على البالغين».

لكن ما الذي يجعلنا واثقين من ذلك؟ لم يعاني الأطفال بأغلبهم من العواقب الأسوأ لمرض كوفيد-19، وهو أمر يعتقد العديد من الباحثين أنه قد يتعلّق باستجابتهم المناعية.

بماذا يختلف الجهاز المناعي لدى الأطفال عن نظيره لدى البالغين؟

طُرحت فرضيّتين لتفسير ذلك، لكنهما في أغلبهما تخمينيتين. تنص الأولى على أن أجهزة المناعة لدى الأطفال مضبوطة بشكل مختلف عن نظائرها عند البالغين. بينما يعتمد البالغون بشكل أكبر على المناعة التكيّفية - أي الأجسام المضادة والخلايا التائية المتخصصة باستهداف الفيروس - يبدو أن الأطفال يعتمدون على المناعة الفطرية، والتي تشمل خلايا الجهاز التنفسي نفسه.

قد يجعل ذلك الأجهزة المناعية للأطفال أكفأ في التعامل مع فيروس جديد من البداية، وهو أمر يمكن أن يكون حاسماً إذ يبدو أن بعض أسوأ عواقب كوفيد-19 لدى البالغين ترتبط برد الفعل المناعي الفطري المتأخر لدى البالغين على فيروس كورونا، والاستجابة المناعية الجامحة التي يقوم بها الجسم بهدف إنقاذ نفسه. بعبارة أخرى، قد يصاب البالغون بالمرض لأن جهاز المناعة لديهم يحاول التغلّب على فيروس اخترق الجسم، في حين أن الأطفال قادرون على احتواء الفيروس قبل أن يخترق الجسم.

مع ذلك، تقول فودا أن الأجسام المضادة والاستجابات التكيفية الأخرى التي يحفّزها اللقاح هي داعمة لا أكثر. سواء كان لدى البالغين والأطفال استجابة مختلفة للفيروس قبل تلقّي اللقاح، «يبدو أن الاستجابة الضرورية لدى الأطفال تشابه نظيرتها عند البالغين، وبالتالي لا يوجد سبب يدفعنا لاعتقاد أن اللقاح لن يكون وقائياً للأطفال».

اقرأ أيضاً: الكشف عن كيفية تفوُّق فيروس كورونا على جهاز المناعة

رغم قدرة أجهزتهم المناعية، إلّا أنّ ذلك لا ينفي أهمية اللقاحات لهم

كما أشار مستشارو إدارة الغذاء والدواء الأميركية في 26 أكتوبر/تشرين الأول، فإن أكثر من نصف حالات دخول الأطفال إلى المستشفيات الناجمة عن كوفيد-19 قد تضمنت أطفالاً يعانون من حالات مرضية سابقة. يوصلنا ذلك إلى الفرضية الأخرى التي تحاول تفسير ما الذي يجعل الأطفال أقل عرضة للوفاة بسبب كوفيد-19، والتي تنص على أن الأطفال لم يكن لديهم الوقت الكافي لتطوير حالات مرضيّة أخرى.

ليس الهدف من هذا التقليل من شأن حالات الاستشفاء سابقة الذكر، ولكن التأكيد على حقيقة أن اللقاحات تلعب دوراً مختلفاً قليلاً عند الأطفال مقارنة بالبالغين، إذ من المرجح أنها تعزز مناعة الأفراد الضعفاء. وهذا أحد الأسباب التي جعلت مستشاري إدارة الغذاء والدواء الأميركية يبدون بعض التحفظات بشأن التوصية بمنح اللقاحات لجميع الأطفال، والتي جعلتهم يأخذون بعين الاعتبار قصرها على الأطفال الذين يعانون من ظروف صحية خطيرة فقط.

نظراً لأن مخاطر كوفيد-19 على الأطفال أقل، فقد تم النظر إلى منحهم اللقاحات من منظور مختلف. كان ذلك واضحاً في الاجتماع الاستشاري لإدارة الغذاء والدواء الأسبوع الماضي، حيث ركز المستشارون بشكل رئيسي على سلامة اللقاحات بالنسبة للأطفال. كانت نظرة المستشارين أنّه إذا كان خطر الإصابة بحالة مرضية شديدة من كوفيد-19 عند الأطفال ضئيلاً، فقد تفوق مخاطر التلقيح النادرة فوائده.

اقرأ أيضاً: ماذا يحدث في جهاز المناعة عند تلقّي لقاحات مختلفة لنفس المرض؟

الجرعات المُوصى بها من لقاحات كوفيد-19 للأطفال

جرعات الأطفال أصغر من جرعات البالغين. منحت شركة موديرنا نصف جرعة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و 11 عاماً، وربع جرعة للأطفال الأصغر سناً، بينما تستخدم شركة فايزر جرعة يبلغ حجمها ثلث حجم جرعة البالغين للأطفال من سن 5 إلى 11 عاماً، وعُشر تلك الجرعة للأطفال الأصغر سناً. وفقاً لـ «دانييل شيا»، والذي يقود جناحاً محلياً في التجربة التي تجريها شركة موديرنا على الأطفال في مركز «بينينغتون» للأبحاث الطبية الحيوية في جامعة ولاية لويزيانا، فإن هذه نتيجة اختبار الجرعات في المرحلة الثانية من التجارب.

يشرح شيا قائلاً: «لقد أجرى الباحثون هذه الدراسات لمعرفة معدل تركيب الأجسام المضادة الذي سينتج عن تناول جرعات معينة». الهدف هو إيجاد جرعة تحفّز تركيب مستويات مماثلة من الأجسام المضادة لدى الأطفال كما في البالغين، مع تقليل الآثار الجانبية. (حتى الآن، يقول شيا أنه لم يلاحظ أي آثار جانبية مختلفة عن تلك التي تظهر عند البالغين: وجع الذراع، آلام في الجسم، وحمى خفيفة).

معرفة مقدار الجرعات هو أحد الأسباب الذي جعلت تطوير لقاح للأطفال يستغرق وقتاً أطول. ولكن هناك أيضاً حقيقة أن إجراء الاختبارات على الأطفال هو أمر أصعب. قد يكون لدى الآباء مخاوف بشأن الآثار الجانبية، أو قد لا يتمكنون من توصيل أطفالهم إلى مراكز الاختبارات في الأوقات بين العمل والمدرسة. بسبب ذلك، فإن تجارب الأطفال تكون أضيق بكثير. شملت التجربة التي أجرتها شركة موديرنا حوالي 7000 طفل، مقارنة بـ 30 ألف مشارك في تجربتها الخاصة بالبالغين.

اقرأ أيضاً: خيارات متعددة: أيّ لقاحات كورونا هو الأفضل؟

بعيداً عن استجابة الجهاء المناعي لدى الأطفال: اختلاف طريقة إجراء التجارب

هذا لا يبطئ العملية بالضرورة. تختلف تجارب الأطفال قليلاً عن تجارب البالغين من حيث أن الباحثين لا يحاولون إيجاد العدد الفعلي من الإصابات بين المشاركين بالضرورة. وذلك لأن تجارب البالغين ساعدت سلفاً في تحديد مدى فعالية اللقاح. بدلاً من ذلك، تهدف التجارب التي تُجرى على الأطفال إلى كشف أي مشكلات تتعلق بالسلامة (وليس بالضرورة أن تكون كل هذه المشكلات متعلقة باللقاح، إذ تشير تجربة فايزر إلى أنّ أحد الأطفال تناول فلساً بعد تلقّي اللقاح) وإشارات تبين أن الجهاز المناعي قد تحفّز.

تقول «سالي بيرمار»، باحثة في أمراض الأطفال المعدية في كلية «ويل كورنيل ميديسن»: «الشيء الجيد هو أنه بمجرد أننا قد رصدنا سلفاً استجابة مناعية مؤكدة معروفة بأنها وقائية [عند البالغين]، وأن يكون مستوى ما من تلك الاستجابة المناعية معروف بكونه وقائياً، فإن كل تجربة تالية يمكنها بالفعل استخدام تلك النتائج كمعيار»، وتضيف: «والقدرة على الحصول على هذا المعيار هو في الواقع الهدف المقدس لعملية تطوير اللقاحات، وذلك لأنه بعد ذلك، لا يجب بالضرورة أن تكون التجارب التي تُجرى واسعة، ويصبح الباحثون قادرين على إنجازها بسرعة».

قد يرجع التأخير الأكبر إلى بنية التجارب التي تُجرى على الأطفال. يقول شيا: «بالنسبة للتجارب السريرية، فإن المفهوم العام هو أنه يجب اختبار اللقاحات على البالغين أولاً، وخصوصاً تلك اللقاحات الجديدة». ذلك طبعاً باستثناء الحالات التي يصيب فيها المرض الأطفال فقط. يقول شيا إنّ الباحثين لا يبدأون في البحث في مقادير الجرعات حتى تنتهي تجارب البالغين بأمان، لذلك قد تبدو العملية بطيئة، لكن هذا يعني أنه لم يتم تخطّي أية خطوات.

لكن بيرمار تعتقد أنه يمكن تغيير بنية تلك التجارب، إذ تقول: «لقد شعرت بحزنٍ شديد نتيجة لطول المدة التي استغرقها إيصال هذا اللقاح للأطفال».

نشرت بيرمار وفريق من باحثي اللقاحات الآخرين توصيات لتسريع العملية في المستقبل، ومنها بدء إجراء التجارب على فئات عمرية متعددة في نفس الوقت، بدلاً من إجرائها تباعاً. تتساءل بيرمار أنه ماذا لو كان المرض الناشئ التالي هو عكس كوفيد، أي أن يكون الأطفال أكثر عرضة للخطر بسببه؟ «وماذا لو ظللنا مضطرين إلى الانتظار كل هذا الوقت؟»، «هذا سيتسبب بعدد كبير من الوفيات وحالات المرض لدى الأطفال، والتي يمكن تجنّبها إذا فكرنا بعناية أكبر في سير عملية عملية التجارب السريرية».

المحتوى محمي