كأم لثلاثة أطفال تبلغ من العمر 44 عاماً، لم تستطع «ستيسي» تحمل المزيد من نوبات الشقيقة. ونظراً لأن الصداع هو أحد الآثار الجانبية المحتملة للقاحات كوفيد-19، فقد كانت مترددة في تلقّي اللقاح.
الأعراض الجانبية للقاحات كوفيد-19: أبرز المبررات لعدم تلقي اللقاح
تقول ستيسي: «كنت أولاً خائفة من الأعراض الجانبية،»، وتضيف: «كنت قلقة من أن يفاقم اللقاح نوبات الصداع لدي».
ستيسي ليست الوحيدة. إذ نشرت جامعة «كارنيغي ميلون» في مارس/آذار 2021 دراسة استقصائية بيّنت أن 70% من المشاركين كانوا يشعرون بالقلق من الأعراض الجانبية للقاحات كوفيد-19. هذه المخاوف هي السبب الرئيسي الذي يبرر به الكثيرون امتناعهم عن تلقّي اللقاحات.
لكن تَبَنّي طريقة جديدة للتفكير في الآثار الجانبية للقاحات يمكن أن يساعد في إقناع المترددين بتلقّيها، وربما، كما يعتقد بعض الباحثين، أنه يجعل اللقاحات أكثر فعالية أيضاً.
يشرح العديد من الأطباء أنّ الآثار الجانبية للقاحات كوفيد-19، والتي تظهر عند 10-20% من المرضى، هي شيء جيد، وذلك لأنها تقدّم دليلاً على أن الجهاز المناعي يعمل بشكل جيد. حتى منظمة الصحة العالمية تصرّح إن مثل هذه الأعراض هي «علامة على أن جسمك يبني قدرته على الوقاية».
تغيير وجهة النظر في الآثار الجانبية
أظهرت «لورين هاو»، عالمة النفس الاجتماعي في جامعة «زورِخ»، فعالية هذا التحول في وجهة النظر في دورية «الحساسية وعلم المناعة السريري» (The Journal of Allergy and Clinical Immunology) في عام 2019. قدّمت هاو وزملاؤها لـ 50 طفلاً مصاباً بالحساسية الشديدة من الفول السوداني علاجاً للتخلّص من حساسية أجسامهم من المواد المسببة للحساسية عن طريق التعرض البطيء. دُرّب نصف الأطفال على التفكير في الآثار الجانبية على أنها شيء إيجابي، أي أنها علامة على أن العلاج كان ناجحاً. بينما تلقى النصف الآخر تحذيرات نموذجية تصف الآثار الجانبية بأنها جوانب سلبية مؤسفة.
كانت «لوسي ليغمان» وابنها «جون» من أفراد مجموعة «الإشارات الإيجابية». تقول ليغمان: «هذه الدراسة غيرت حياتنا حقاً». عندما زاد جون ببطء من تناول الفول السوداني، تعلم أن يفسر آلام المعدة والحكة على أنها إشارة تبين أن جسده أصبح أقوى. عندما أكمل العلاج، قالت والدته: «لقد ارتحنا جميعاً من هم كبير».
اكتشفت هاو أن الأطفال الذين يتّبعون طريقة تفكير «الإشارات الإيجابية» عانوا من القلق بنسبة أقل، كما أن زياراتهم غير الضرورية لأطبائهم قد قلت، وكانوا أقل عرضة للانسحاب من المدرسة مبكراً، وأبلغوا عموماً عن انخفاض الآثار الجانبية مقارنة بالأطفال في المجموعة المعيارية (وهي مجموعة المشاركين التي لا تتلقى العلاج قيد الدراسة).
اقرأ أيضاً: هذه آثاره الجانبية: لقاح كورونا لا يعمل مع عمليات التجميل
لا تستغرب: الجسد يستجيب لما تفكر فيه!
قد تؤدي توقعات المرضى من العلاج إلى تعديل استجابة أجسامهم له. كانت نسبة الأجسام المضادة الخاصة بالفول السوداني لدى الأشخاص في مجموعة الإشارات الإيجابية عند نهاية الدراسة أعلى من نظيرتها عند بداية الدراسة، مما يشير إلى أن عملية التخلّص من الحساسية نفسها كانت أكثر نجاحاً.
في حين أن الآليات الدقيقة لا تزال غير واضحة، تشتبه هاو في أن انخفاض نسب القلق كان السر لتحسين النتائج الصحية. وجد الباحثون أن المشاعر السلبية والتجارب المجهدة يمكن أن تؤدي إلى خلل في نظام المناعة، مما يجعل الجسم أقل تكيفاً مع التحديات الجديدة. إن مجرد تغيير الطريقة التي ينظر بها المرضى للآثار الجانبية قد يقلل مستويات التوتر ويحسن وظيفة المناعة.
قالت «أليا كروم»، أستاذة علم النفس في جامعة ستانفورد والباحثة الرئيسية في دراسة العلاج المناعي خلال عرض تقديمي في مركز الشيخوخة والاستقلاب والعواطف في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو في أبريل 2021: «إنه ليس سحراً»، وأضافت: «كما أنه ليس مفاجئاً أن الجسد يستجيب لما تفكر فيه». تفيد كروم بأن التوقعات قد تساعد الجسم على تخصيص الموارد بشكل أكثر كفاءة، أي أنه عندما يعتقد المرضى أن العلاج فعال، فقد يصبح فعالاً أكثر.
يمكن أن ينطبق هذا المبدأ على علاجات أخرى غير العلاجات المناعية، ومنها اللقاحات. تعمل اللقاحات على تنشيط جهاز المناعة لمساعدته على تذكّر الفيروس ومحاربته في المستقبل. تشير العديد من الآثار الجانبية المزعجة للقاحات كوفيد-19، مثل الحمى والإعياء، إلى أن جهاز المناعة في الجسم يعمل بنشاط على بناء قدرة وقائية ضد الفيروس.
على الرغم من عدم وجود أي دليل مباشر حتى الآن يبيّن أن امتلاك عقلية أكثر إيجابية بشأن الآثار الجانبية يمكن أن يجعل اللقاح أكثر فعالية، إلا أنه من المرجح أن يلحظ المرضى على الأقل بعض الفوائد الأخرى التي رُصدت خلال دراسة هاو، مثل انخفاض نسب القلق، وانخفاض عدد استشارات الطبيب غير الضرورية، وشعور عام بأن الآثار الجانبية أقل حدة.
عدم ظهور الأعراض الجانبية للعلاج لا يعني عدم فعاليته
من ناحية أخرى، هناك خطر محتمل من تصوير الآثار الجانبية كعلامات إيجابية: قد يكون الأمر محبطاً للمرضى الذين لا يعانون منها. بينما لم تلحظ هاو أي دليل على ذلك في دراستها، إلا أن هذا العيب المحتمل يبيّن ضرورة التأكيد على فعالية العلاج حتى في حال عدم ظهور الآثار الجانبية.
تقول هاو: «العقلية أمر مؤثّر حقاً في المواقف التي يكون فيها العالم غامضاً بعض الشيء». حسب هاو، يمكن للأطباء مساعدة مرضاهم في التغلب على الخوف من اللقاحات من خلال توضيح قيمة الآثار الجانبية، وهو نهج فعال بشكل خاص بالنسبة للأشخاص الذين يميلون إلى عدم الثقة في الأدوية. لكن من المهم أيضاً نشر رسالة مفادها أن الأشخاص الذين لا يعانون من آثار جانبية يتمتّعون أيضاً بالوقاية.
تلقّت ستيسي لقاح كوفيد-19 في يناير/كانون الثاني 2021 بعد أن أصيبت أختها بالمرض. قالت ستيسي: «أقنعتني أختي بأن الإصابة بالمرض أسوأ بكثير من المعاناة من نوبات الشقيقة لأسبوع».