إذا تلقّيت لقاحات مرض كوفيد-19، فربما تعتقد أنك لم تعد بحاجة للقلق بشأن الإصابة بفيروس كورونا؛ ولكن إلى جانب العدد المتزايد من الحالات الجديدة للإصابة بالمرض على مستوى العالم، والمخاوف المتزايدة بشأن السلالات شديدة العدوى مثل سلالة «دلتا»، يتم التبليغ عن تقارير تفيد بأن هناك أشخاص تلقّوا اللقاح وأصيبوا بالمرض مع ذلك.
أعضاء فريق «نيويورك يانكيز» لكرة القدم الأميركية ولاعبة الجمباز الأولمبية الأميركية «كارا إيكر»، ووزير الصحة البريطاني «ساجيد جافيد» هم بعض من تم تشخيصهم بحالة تسمّى «العدوات الاختراقية».
على الرغم من أن المصطلح قد يبدو مخيفاً، فإن الخلاصة هي أن لقاحات كوفيد-19 الحالية لا تزال فعالة جداً في الوقاية من الإصابات التي تترافق مع الأعراض، وأن هذه العدوات الاختراقية هي حالات نادرة؛ ولكن ما مدى شيوعها وخطورتها؟ إليك دليل يحتوي على المعلومات التي يجب عليك معرفتها.
1. ما هي العدوات الاختراقية؟
لا يوجد لقاح فعال بنسبة 100%. كان لقاح شلل الأطفال الذي طوّره الدكتور «جوناس سالك» فعالاً بنسبة 80-90% في الوقاية من مرض الشلل. حتى بالنسبة لأفضل لقاح ضد مرض الحصبة، فالفعالية كانت تساوي 94% بين السكان الذين تلقوا اللقاح خلال حالات التفشّي الواسع.
في المقابل؛ وجدت التجارب السريرية أن لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال (إم آر إن إيه) الخاصة بشركة فايزر وموديرنا لها فعالية تساوي 94-95% في الوقاية من الإصابة بمرض كوفيد-19 المترافق مع الأعراض، وهي نسب أعلى بكثير مما كان متوقّعاً في البداية.
تذكير سريع: أن تكون فعالية اللقاح تساوي 95% لا يعني أن اللقاح يقي 95% من البشر بينما يبقى الـ 5% الباقون عرضةً للإصابة بالفيروس. فعالية اللقاح هي مقياس للمخاطر النسبية؛ أي يجب مقارنة مجموعة من الأشخاص الذين تلقّوا اللقاح بمجموعة أخرى من الذين لم يفعلوا ذلك في نفس الظروف من ناحية التعرض للفيروس. تخيّل دراسة مدتها 3 أشهر أصيب خلالها 100 من بين 10,000 شخص لم يتلقّوا اللقاح بمرض كوفيد-19. من المفترض أن تتوقع أن يمرض 5 أشخاص من الذين تلقّوا اللقاح خلال نفس الوقت، وهذا العدد يساوي 5% من الـ 100 شخص الذين لم يتلقّوا اللقاح والذين أصيبوا بالمرض، ولا يساوي 5% من العدد الكلي (10,000 شخص)
عندما يُصاب الأشخاص بالعدوى بعد تلقّي اللقاح، يُطلق العلماء على هذه الحالات اسم العدوات «الاختراقية»، وذلك لأن الفيروس اخترق الحدود الواقية التي توفّرها اللقاحات.
2. ما مدى شيوع الإصابة بمرض كوفيد-19 بين الأشخاص الذين تلقّوا اللقاح؟
العدوات الاختراقية أكثر انتشاراً قليلاً مما كان متوقعاً في السابق، وربما أنها تزداد بسبب الانتشار الواسع والمتزايد لسلالة دلتا؛ لكن إصابة الأشخاص الذين تلقّوا اللقاح لا تزال حالة نادرةً جداً، وعادةً ما تسبب أعراضاً خفيفة أو لا تسبب أية أعراض على الإطلاق.
على سبيل المثال؛ أبلغت 46 ولاية وإقليماً أميركياً بشكلٍ طوعي عن 10262 حالة من العدوى الاختراقية إلى وكالة مركز السيطرة على الأمراض الأميركية بين 1 يناير/ كانون الثاني و 30 أبريل/ نيسان من عام 2021. في المقابل؛ سُجلت 11.8 مليون حالة إصابة بفيروس كوفيد-19 خلال نفس الفترة.
اعتباراً من 1 مايو/ أيار 2021، توقف مركز السيطرة على الأمراض عن مراقبة العدوات الاختراقية ما لم تسفر عن الدخول إلى المستشفى أو الوفاة. حتى تاريخ 19 يوليو/تموز 2021، كان هناك 5914 مريضاً مصاباً بعدوى اختراقية من الذين تم إدخالهم إلى المستشفى أو الذين توفّوا في الولايات المتحدة، وهذا من بين أكثر من 159 مليون شخص تلقّوا اللقاح بالكامل على مستوى البلاد.
شملت إحدى الدراسات التي أُجريت بين 15 ديسمبر/ كانون الأول 2020 و 31 مارس/ آذار 2021 258716 مشارك من المحاربين القدامى الذين تلقوا جرعتين من لقاح فايزر أو موديرنا، وبيّنت هذه الدراسة أن 410 منهم أُصيبوا بعدوى اختراقية. يقابل هذا العدد نسبة 0.16% من المشاركين. بالمثل؛ بلّغت دراسة أُجريت في مدينة نيويورك عن 86 حالة إصابة اختراقية بفيروس كورونا بين 1 فبراير/ شباط و 30 أبريل/ نيسان 2021، وذلك من بين 126367 شخصاً تلقّوا اللقاح (معظمهم تلقّوا لقاحات الـ إم آر إن إيه). يقابل هذا العدد نسبة 1.2% من إجمالي حالات الإصابة بالمرض، و0.07% من عدد السكان الذين تلقّوا اللقاح.
اقرأ أيضاً: كل ما تود معرفته عن جرعات لقاحات كورونا المُعزِّزة
3. ما مدى خطورة العدوى الاختراقية؟
يُعرِّف مركز السيطرة على الأمراض العدوى الاختراقية على أنها عدوى يمكن أن تكشف فيها مسحة من الأنف عن الحمض النووي الريبي أو البروتين الخاص بفيروس كورونا بعد أكثر من 14 يوماً من تلقّي الشخص للجرعات الكاملة الموصى بها من إحدى لقاحات مرض كوفيد-19 المصرح بها من قِبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية.
لاحظ أن العدوى الاختراقية لا تعني بالضرورة أن الشخص يشعر بالمرض، وفي الواقع؛ لم تترافق 27% من حالات عدوى الاختراق التي تم الإبلاغ عنها لمركز السيطرة على الأمراض مع أية أعراض. نُقل 10% فقط من المصابين بهذه العدوى إلى المستشفى (بعضهم لأسباب أخرى غير كوفيد-19)، كما توفي 2% منهم. للمقارنة؛ خلال ربيع عام 2020 عندما لم تكن اللقاحات متاحةً بعد، كانت أكثر من 6% من الإصابات المؤكدة قاتلة.
في دراسة أُجريت في منشآت العلاج العسكرية الأميركية، لم تتسبب أي من العدوات الاختراقية بالدخول إلى المستشفى. في دراسة أخرى، كانت نسب الفيروس لدى الأشخاص الذين تلقّوا جرعةً واحدةً من لقاح فايزر؛ والذين ثبتت إصابتهم بالمرض أقل بمقدار 0.25% مقارنةً بأولئك الذين لم يتلقّوا اللقاح والذين ثبتت إصابتهم بالمرض.
4. ما العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بعدوى اختراقية؟
على مستوى الولايات المتحدة، أكثر من 5% وسطياً من اختبارات كوفيد-19 كانت إيجابية. في ولايات مثل ألاباما وميسيسيبي وأوكلاهوما، يتجاوز معدل الاختبارات الإيجابية 30%. كلما زاد انتشار فيروس كورونا في المجتمع، ستزيد فرص انتشار العدوات الاختراقية.
يكون احتمال الإصابة بعدوى اختراقية أكبر في حالات الاحتكاك القريب - كما هو الحال في مساحات العمل المكتظّة أو الحفلات أو المطعم أو الملاعب. تزداد احتمالية الإصابة بالعدوى الاختراقية بين العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين يكونون على احتكاك متكرر بالمرضى المصابين.
لأسباب غير واضحة؛ بيّنت بيانات مركز السيطرة على الأمراض على مستوى البلاد أن النساء يمثّلن 63% من حالات العدوات الاختراقية. بيّنت بعض الدراسات الأضيق أن النساء يمثلن غالبية حالات العدوات الاختراقية أيضاً.
اقرأ أيضاً: أفضل الطرق للتحدّث إلى شخص متردد بأخذ لقاح كوفيد-19
تحفّز اللقاحات استجابةً مناعيةً أقل فعاليةً عند كبار السن، وتزداد فرص الإصابة بالعدوى الاختراقية مع ازدياد العمر. من بين حالات العدوى الاختراقية التي تتبّعها مركز السيطرة على الأمراض، حدثت 75% منها في المرضى الذين يبلغون من العمر 65 عاماً أو أكثر.
إن نقص المناعة أو الإصابة بحالات مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض القلب وأمراض الكلى والرئة المزمنة والسرطان تزيد من فرص الإصابة بالعدوى الاختراقية، ويمكن أن تؤدي إلى الإصابة بمرض كوفيد-19 الشديد. مثلاً؛ في إحدى الدراسات، كان المرضى الذين خضعوا لعمليات زراعة الأعضاء والذين تلقّوا اللقاح أكثر عرضةً بـ 82 مرة للإصابة بالعدوى الاختراقية، كما أنهم كانوا أكثر عرضةً بـ 485 مرة للدخول إلى المستشفى والوفاة بعد الإصابة بالعدوى - وذلك مقارنةً بالأشخاص الذين تلقّوا اللقاح.
5. ما علاقة السلالات مثل دلتا بالعدوات الاختراقية؟
طوّر الباحثون اللقاحات الجديدة لمقاومة السلالات الأولى من فيروس كورونا. منذ ذلك الحين، ظهرت سلالات جديدة، والكثير منها أكثر كفاءةً في مقاومة الأجسام المضادة التي تحفّز اللقاحات المصرح بها حالياً إنتاجها. في حين أن اللقاحات الحالية لا تزال تُعتبر فعالةً للغاية ضد هذه السلالات من ناحية خطر دخول المرضى إلى المستشفى؛ إلا أن فعاليّتها ضد السلالات الجديدة أقل.
وفقاً لوكالة الصحة العامة الإنجليزية، إن تلقّي جرعتين من لقاحات الـ أم آر أن أيه فعال بنسبة 79% فقط في الوقاية من مرض كوفيد-19 المترافق مع الأعراض والناتج عن سلالة دلتا؛ وذلك مقارنةً بفعالية بلغت 89% في حالة سلالة ألفا المبكّرة. بلغت فعالية تلقّي جرعة واحدة 35% فقط ضد سلالة دلتا.
حوالي 12.5% من 229218 حالة إصابة بسلالة دلتا في جميع أنحاء إنغلترا حتى تاريخ 19 يوليو/ تموز كانت بين الأشخاص الذين تلقّوا اللقاح.
أبلغت «إسرائيل» مثلاً؛ وهي دولة فيها نسب التلقيح مرتفعة، أن تلقّي لقاح فايزر قد يكون فعالاً بنسبة 39-40.5% فقط في الوقاية من عدوى سلالة دلتا بغض النظر عن شدّة المرض، وهو انخفاض كبير عن التقديرات السابقة التي بلغت 90%. تشير النتائج التي توصلت إليها إلى أن فعالية لقاحات كوفيد-19 في الوقاية من العدوى وحالات الإصابة المترافقة مع الأعراض تنخفض في غضون 6 أشهر؛ لكن الخبر السار هو أن هذا اللقاح لا يزال فعالاً للغاية في الوقاية من الدخول إلى المستشفى (بنسبة 88%)، والوقاية من حالات المرض الشديد (بنسبة 91.4%) الناجمة عن سلالة دلتا السائدة الآن.
6. ما مدى جودة اللقاحات حالياً؟
اعتباراً من نهاية يوليو/ تموز 2021، تلقّى 49.1% من سكان الولايات المتحدة، أو ما يزيد قليلاً عن 163 مليون شخص، اللقاحات بشكل كامل. تلقى ما يقرب من 90% من الأمريكيين فوق سن 65 عاماً جرعةً واحدةً على الأقل من اللقاح.
تشير النماذج التي وضعها العلماء إلى أن اللقاحات أنقذت ما يقرب من 279000 شخص في الولايات المتحدة، وتسببت في الوقاية من ما يصل إلى 1.25 مليون حالة دخول إلى المستشفى بحلول نهاية يونيو/ حزيران 2021. بالمثل؛ تسببت اللقاحات في إنغلترا في الوقاية من حوالي 30300 حالة وفاة و 46300 حالة دخول إلى المستشفى و 8.15 مليون إصابة. في إسرائيل، يُعتقد أن معدلات التلقيح المرتفعة تسببت في انخفاض بنسبة 77% في الإصابات، وانخفاض بنسبة 68% في حالات الدخول إلى المستشفى منذ ذروة الجائحة.
في جميع أنحاء الولايات المتحدة، كانت 150 حالة وفاة فقط من بين أكثر من 18000 حالة وفاة ناتجة عن مرض كوفيد-19 في شهر مايو/ أيار من الأشخاص الذين تلقّوا اللقاح. هذا يعني أن جميع الوفيات تقريباً في الولايات المتحدة كانت بين أولئك الذين لم يتلقّوا اللقاح.
كما قال «أنتوني فاوتشي»؛ أصبحت الولايات المتحدة «مثل دولتين إلى حد ما»؛ إذ أن الأمريكيين انقسموا إلى ملقّحين وغير ملقحين. أولئك الذين لم يتلقّوا اللقاح بالكامل يظلون معرضين لخطر الإصابة بفيروس كورونا الذي قتل حتى الآن أكثر من 600000 شخص في الولايات المتحدة.
اقرأ أيضاً: 7 إجابات عن أشهر الأسئلة حول تطعيم الأطفال ضد كورونا