مع رفع القيود المفروضة على السفر الدولي خلال الأشهر القليلة الماضية، بدأ زوار الولايات المتحدة الذين تلقّوا اللقاحات خارج البلاد بتلقّي لقاحات أخرى من شركات تصنيع مختلفة. كان البعض يأمل في الحصول على وقاية أقوى من سلالة دلتا شديدة العدوى لفيروس كورونا، بينما انتقل آخرون للعمل أو المدرسة وكانوا حريصين على تلبية متطلبات اللقاحات المعتمدة من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية.
سعى عدد قليل من الأميركيين للحصول على جرعات إضافية من اللقاحات أيضاً، ومنها تلك التي تنتجها جهات تصنيع مختلفة. خارج الولايات المتحدة، تمضي حفنة من الدول قدماً في توزيع الجرعات الثانية أو الثالثة من لقاحات من شركات مختلفة. الآن، أعلنت إدارة الغذاء والدواء الأميركية أنه بالإضافة إلى التصريح بتلقّي الجرعات المعززة لكل من لقاح شركة موديرنا وجونسون آند جونسون (تمت الموافقة على توزيع جرعات معززة من لقاح شركة فايزر الشهر الماضي)، تقول الإدارة أنه من المقبول الآن تناول أكثر من جرعة من لقاحات معززة مختلفة.
لمَ يتم المزج بين جرعات اللقاحات؟
إلى جانب إضافة جرعة معززة للحصول على وقاية شاملة أكثر كفاءة ضد كوفيد-19، قد تكون هناك أسباب مقنعة أخرى للمزج بين جرعات اللقاحات ، وذلك وفقاً لبعض الخبراء. مع تصريحها هذا الأسبوع، والذي أيد المزج بين اللقاحات، استشهدت إدارة الغذاء والدواء بدراسة مولتها وكالة المعاهد الوطنية للصحة، والتي وجدت أن المزج بين اللقاحات هو أمر آمن وقد يوفر وقاية أفضل. يستكشف العلماء حالياً كيف تختلف الاستجابة المناعية عند الأشخاص الذين يتلقون نوعاً واحداً مقابل نوعين من اللقاحات. مع ذلك، يمكن لهذه الممارسة أن تساعد في توسيع إمدادات اللقاح المحدودة وقد توفر في بعض الظروف وقاية مناعية فائقة.
تقول «ديبرا فولر»، أخصائية اللقاحات في كلية الطب في جامعة واشنطن في سياتل: «الحقيقة هي أنه عندما يتم منح الكثير من الأشخاص عدداً من أنواع اللقاحات المختلفة، فمن المرجح أن يحدث هذا المزج بشكل تلقائي»، وتضيف: «من المرجح أن تكون هذه الممارسة آمنة، وقد يكون من المفيد حتى الخلط بين هذه اللقاحات».
هل اتّبعت ممارسة المزج بين اللقاحات من قبل؟
نعم، ولكن لم تطبّق دائماً بشكل متعمّد.
تقول فولر إن الناس يتلقون أحياناً جرعات من كلٍّ من الشكلين (القابل للحقن والفموي) من لقاح شلل الأطفال، واللذين يحتويان على الترتيب على نسخ «ميتة» أو ضعيفة من الفيروس. في الولايات المتحدة، من الشائع أيضاً أن يحصل الأشخاص على أشكال مختلفة من لقاح الإنفلونزا الموسمية من عام إلى آخر.
وفقاً لـ «كيرستن إي. لايك»، مديرة مشروع وحدة لقاح ومحاربة الملاريا في مركز تطوير اللقاحات والصحة العالمية في كلية الطب في جامعة ميريلاند في بالتيمور، فإن المزج المتعمّد بين أنواع اللقاحات المختلفة التي طُوّرت لنفس المرض هو مجال مثير للبحث.
تقول لايك، والتي شاركت مؤخراً في كتابة افتتاحية في دورية «نيتشر ميديسن» حول المزج بين لقاحات كوفيد-19: «إنه نهج مجرب وحقيقي نطبّقه خلال اختبار اللقاحات دائماً، ولكن لم نصل بعد إلى مرحلة يُرخّص فيها مزيج لقاحيّ معين».
سبق للعلماء الذين يدرسون اللقاحات وعلم المناعة أن بحثوا في هذه التقنية، والتي يُطلق عليها المصطلح التقني «التعزيز الرئيسي غير المتجانس»، للتعامل مع الإيبولا والسل والأمراض المعدية الأخرى. درست العديد من فرق الباحثين، ومنها فولر وزملاؤها، آثار المزج المتعمد لأنواع مختلفة من لقاحات فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب المرشحة لعقود. وُجد أن أحد الأمزجة، والذي لم يدرسه فريق فولر، ساعد في تخفيض معدل الإصابة بنسبة 31% في التجارب السريرية. اعتبر العلماء حتى هذه الدرجة المتواضعة من الوقاية ضد مثل هذا الفيروس الماكر إنجازاً هاماً.
تقول فولر إن الدراسات السابقة حتى الآن حول المزج بين اللقاحات التي طورت للوقاية من الأمراض المعدية الأخرى لم تكشف عن أي مشكلات تتعلق بالسلامة. مع ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث لتأكيد صحة ذلك بالنسبة للقاحات كوفيد-19.
اقرأ أيضاً: خيارات متعددة: أيّ لقاحات كورونا هو الأفضل؟
ماذا يحدث للجهاز المناعي عندما تُمزج لقاحات مختلفة لمرض واحد؟
لقاحات كوفيد-19 التي تُستخدم حالياً تعتمد على عدة آليات لتحفيز الجهاز المناعي.
اللقاحات التي طورتها شركات «موديرنا» و «فايزر» و «بايو إن تك» هي لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال (أو « إم آر إن إيه» اختصاراً)، والتي تحتوي على قطع من المادة الوراثية التي تحتوي شيفرات لتركيب بروتين سبايك الذي يوجد على سطح فيروس كورونا. تُعرف اللقاحات الأخرى، ومنها اللقاحات التي طورتها شركة «جونسون آند جونسون» وجامعة أكسفورد وأسترازينيكا، باسم لقاحات ناقلات الفيروس. في هذه اللقاحات، تم تعديل نوع مختلف من الفيروسات وراثياً ليصبح قادراً على نقل مورّثات فيروس كورونا. تحتوي أنواع أخرى من اللقاحات قيد الاستخدام خارج الولايات المتحدة على أجزاء من بروتين سبايك أو نسخ معطلة من الفيروس.
وفقاً لفولر، إن المزج بين نوعين مختلفين من اللقاحات سيكون على الأرجح أكثر فاعلية من مزج لقاحين مختلفين يستخدمان نفس الاستراتيجية الأساسية. تقول فولر: «نعتقد أن بعض اللقاحات أفضل من غيرها في تحفيز أقسام معينة من الجهاز المناعي»، وتضيف: «وعندما تمزج بينها، فستبدأ بالعمل معاً وتحفيز جميع دفاعاتنا».
وفقاً للايك، على سبيل المثال، يبدو أن الفيروسات الغديّة (وهي الفيروسات الناقلة التي توجد في لقاح جونسون آند جونسون وأسترازينيكا)، فعالة بشكل خاص في تحفيز الخلايا التائية، وهي خلايا الدم البيضاء التي تلعب أدواراً مختلفة منها تدمير الخلايا المصابة وتنسيق الاستجابة المناعية. في الوقت نفسه، فإن لقاحات الـ إم آر إن إيه فعالة بشكل خاص في تحفيز تركيب الأجسام المضادة التي تستهدف الفيروس.
تقول لايك: «إذا قمت بمزج اللقاحين، فهل يمكنك الحصول على أفضل ما بهما والحصول على استجابة أجسام مضادة جيدة إلى جانب استجابة الخلايا التائية القوية حقاً؟»، وتضيف: «وأيضاً، كيف سيؤثر ذلك على فعالية اللقاح؟».
من الممكن أن يكون هذا النهج مفيداً بشكل خاص للأشخاص الذين يعانون من نقص المناعة. تقول لايك: «نحن نعلم أن تلقّي جرعة معززة ثالثة من لقاح الـ إم آر إن إيه يبدو أنه يفيد نسبة كبيرة من الأشخاص الذين لم تستجب أجهزتهم المناعية لتلقّي اللقاحات في المرة الأولى»، وتضيف: «لكن سؤال 'هل منحهم جرعة من لقاح مثل لقاح جونسون آند جونسون سيكون محفزاً أفضل للمناعة' هو سؤال مثير للاهتمام».
تقول فولر إن هناك أيضاً سبباً آخر يجعل المزج بين من اللقاحات مفيداً. بعد أن يتلقى الشخص لقاح ناقل فيروسي، مثل لقاح جونسون آند جونسون، يبدأ جسمه في تركيب أجسام مضادة ليس فقط ضد بروتين سبايك الخاص بفيروس كورونا، ولكن أيضاً ضد الفيروس الذي يحمل قطع المادة الوراثية لفيروس كورونا، أي الفيروس الناقل نفسه.
تقول فولر: «إذا واصلت السلطات حملات اللقاحات المعززة ... في نهاية المطاف، سيطور الناس مناعة ضد الفيروس الناقل، ولن يعمل هذا اللقاح بشكل جيد»، وتضيف: «لقاح الـ إم آر إن إيه لا يحفّز تلك المناعة الموجودة مسبقاً، كما أنه يسمح لك بالاستمرار في الحصول على جرعات معززة محدثة إذا لزم الأمر لمكافحة ظهور سلالات جديدة».
قد يحدث نوع آخر من المزج عند الأشخاص الذين أصيبوا بكوفيد-19 قبل تلقّي اللقاح. وفقاً لما كتبه «شين كروتي»، باحث في معهد «لا خويا» لعلم المناعة في كاليفورنيا في دورية «ساينس» في يونيو/حزيران، تشير العديد من الدراسات إلى أن اللقاحات يمكن أن تعزز الاستجابة المناعية لدى الناجين، والذين لديهم سلفاً مستوى معين من المناعة نتيجة تعرّضهم للفيروس، وربما تقدم أيضاً نوعاً قوياً بشكل خاص من «المناعة الهجينة».
تأمل لايك وزملاؤها في الحصول على بعض الإجابات حول سلامة مزج لقاحات كوفيد-19 وكيف يؤثر ذلك على جهاز المناعة. إنهم يتعاونون مع وكالة المعاهد الوطنية للصحة للتحقيق في ما يحدث عندما يتلقى الأشخاص الذين تلقّوا أحد اللقاحات الثلاثة بموجب تصريح الاستخدام الطارئ في الولايات المتحدة جرعات معززة من لقاح مختلف.
تقول لايك: «نأمل في أن نحصل على بعض البيانات بحلول نهاية أغسطس/آب أو أوائل سبتمبر/أيلول». مع ذلك، فقد حذرت لايك من أن دراستهم لن تكون قادرة على أن تشمل عدداً من المشاركين قريب من عدد المسجلّين في التجارب السريرية الأولى. تقول لايك: «لن نكون قادرين على القول بثقة إن المزج يمنح وقاية بنسبة 97% من المرض على مستوى السكان».
اقرأ أيضاً: لقاح أسترازينيكا ضد كورونا: بين جلطات الدم وإجراءات إيقاف التوريد
ما الذي نعرفه الآن عن مزج لقاحات كوفيد-19؟
في مارس/آذار، أوقفت بعض الدول الأوروبية استخدام لقاح أسترازينيكا بعد أن رُبط استخدامه بظهور حالات نادرة من تخثر الدم. هذا يعني أن العديد من الأشخاص الذين تلقوا جرعة أولى من هذا اللقاح قد تلقّوا جرعات ثانية من لقاحات أخرى، مما أثار الاهتمام بتأثير مزج اللقاحات.
قدم عدد من التقارير نتائج مشجعة في الأشهر الأخيرة. أفاد علماء من تجربة «كومبيفاك إس» التي أجريت في إسبانيا في مايو/أيار أن الأشخاص الذين يتلقون جرعة من لقاح فايزر بعد تلقّي جرعة أولى من لقاح أسترازينيكا ينتجون أجساماً مضادة أكثر من أولئك الذين تلقّوا جرعة واحدة من لقاح أسترازينيكا.
تشير نتائج دراسة «كوم-كوف» التي أجريت في المملكة المتحدة إلى أن مزج لقاحي أسترازينيكا وفايزر قد يؤدي إلى توليد استجابة مناعية أقوى من تلقّي جرعتين من لقاح أسترازينيكا. بالإضافة إلى ذلك، وجد الباحثون أن المشاركين الذين تلقوا جرعتين من لقاح فايزر أنتجوا أعلى مستوى من الأجسام المضادة، بينما أولئك الذين تلقوا جرعة من لقاح أسترازينيكا متبوعة بجرعة من لقاح فايزر تمتّعوا بأقوى استجابة للخلايا التائية. لكن لا يزال من غير الواضح حالياً ما الذي سيحقق أفضل فعالية. لاحظ باحثون من ألمانيا تأثيرات مماثلة عندما قاموا بمزج لقاح أسترازينيكا مع لقاحي فايزر وموديرنا.
في ربيع هذا العام، تمت إضافة لقاح «نوفا فاكس» الذي يعتمد على البروتينات (والذي لا يزال قيد الاختبار) ولقاح موديرنا إلى دراسة كوم-كوف. في الوقت نفسه، يتتبع الباحثون في الفلبين آثار المزج بين لقاح «كورونا فاك»، وهو لقاح تم تطويره في الصين يستخدم نسخاً معطلةً من فيروس كورونا، مع 6 لقاحات أخرى. يخضع أيضاً للاختبار مزج لقاح «سبوتنك في» الروسي وحيد الجرعة (والذي صُمم في الأصل ليستخدم فيروساً غدياً ناقلاً مختلفاً في الجرعات الأولى والثانية) مع لقاح أسترازينيكا.
حتى الآن، لم تجد هذه الدراسات الضيقة أية آثار جانبية خطيرة مرتبطة بمزج اللقاحات، على الرغم من أن الباحثين في دراسة كوم-كوف لاحظوا زيادة الأعراض مثل القشعريرة والصداع لدى الأشخاص الذين تلقوا لقاحات مختلفة
اقرأ أيضاً: ماذا يحدث في جهاز المناعة عند تلقّي لقاحات مختلفة لنفس المرض؟
هل تتّبع أية دول أخرى إلى جانب الولايات المتحدة نهج مزج اللقاحات؟
تفكر عدة بلدان أخرى في مزج لقاحات كوفيد-19 أو قررت بالفعل تطبيق هذا النهج، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، حيث أعلنت إدارة الغذاء والدواء مؤخراً أن أولئك المؤهلين للحصول على جرعة معززة يمكنهم الحصول على أي من اللقاحات الثلاثة المتاحة حالياً.
تستخدم العديد من البلدان لقاحات أُنتجت بواسطة جهات تصنيع مختلفة في الجرعات الأولى والثانية في نظامها العلاجي، ومنها الدنمارك وإيطاليا وكندا وفيتنام وكوريا الجنوبية. تقدم بلدان أخرى جرعة إضافية من لقاح فايزر أو موديرنا للأشخاص الذين تلقّوا لقاحات أخرى بالكامل، ومن بينها كمبوديا وألمانيا وتركيا وإندونيسيا.
تقول لايك: «في جميع أنحاء العالم، هناك مشكلة كبيرة تتعلق بعدم توفر اللقاحات. يجب علينا أن نقوم بعمل أفضل بالتأكيد إذا أردنا تجفيف تلك المستنقعات التي يستطيع فيها الفيروس الانتشار والتكاثر وتشكيل السلالات التي تتسبب في حالات مرضية شديدة»، وتضيف: «لذا إذا تمكنا من توسيع نطاق اللقاحات المتاحات لدينا بأي شكل من الأشكال، أو إيجاد الطريقة المثلى لمنح الجرعات المعززة، فهذه ستكون معلومات مفيدة حقاً».
تعتبر اللقاحات المتوفرة حالياً في الولايات المتحدة فعالة للغاية في وقاية الأشخاص من الإصابة بحالات مرضية شديدة أو من الموت بسبب سلالة دلتا. مع ذلك، ووفقاً لفولر، قد يتضح أن المزج بين لقاحات كوفيد-19 سيكون «الطريق الأنسب لتحفيز المناعة على المدى الطويل لمكافحة حتى السلالات المستقبلية».
مع ذلك، فحتى نعرف أجوبة هذه الأسئلة، هناك مصدر قلق أكثر إلحاحاً يتمثّل في توصيل اللقاحات إلى الأشخاص الذين لم يتلقّوها بعد.
تقول لايك: «يمكننا التحدث عن الجرعات المعززة كما نريد»، وتضيف: «ولكن إذا لم يحصل نصف السكان حتى على الجرعات الأساسية، فنحن بحاجة حقاً إلى القيام بعمل أفضل لإقناع الناس بمدى أمانها».