تخزين المواد استعداداً لأي كارثة هو «خيار عقلاني»

3 دقائق
سوبر ماركت, طوارئ
أرفف المحلات التجارية في مونتجمري، نيويورك، الولايات المتحدة الأميركية، وقد أُفرغت من المياه المعبأة عشيّة إعصار ساندي — مصدر الصورة: دانيال كيس/ ويكيبيديا

تشير التقارير الآتية من ووهان وهونج كونج في الصين، وسنغافورة، وميلانو في إيطاليا إلى أن الناس قد أفرغوا رفوف المتاجر الكبرى في مدنٍ رئيسية عبر العالم، تحسباً من انتشار فيروس كورونا المستجد. يُطلق على هذا السلوك في علم الاقتصاد «شراء الهلع أو الذعر». ومع ذلك، لا يبدو أنّ ما يحدث له علاقةٌ بالذعر، بل هو استجابة منطقية تماماً لمستجدات الموقف الحالي.

الاستجابة للكوارث

تُعتبر ظاهرة الذعر أحد السلوكيات البشرية التي أسيء فهمها وتفسيرها إلى حدٍّ كبير، حيث يعتمد الفهم الشائع والتقليدي لهذه الظاهرة على العديد من الأساطير والمفاهيم الخاطئة، بدلاً من اعتماده على الحقائق العلمية.

فإذا فهمنا حالة الذعر كحالةٍ من الخوف الذي لا يمكن السيطرة عليها، والتي تحفّز السلوك غير العقلاني، فإن الطريقة التي يستجيب بها الناس عادة في مواجهة الكوارث هي شيء مختلفٌ تماماً. ربّما يكون الاعتقادٌ السائد أنه في حالة الكوارث تنهار ضوابط المجتمع، وتسود الفوضى ويتصرّف الناس بلا ضوابط أو منطقية. لكّن الواقع مختلفٌ تماماً.

ترفض معظم الأبحاث مفهوم «متلازمة الكارثة» التي تُوصف بأنها حالةٌ من الصدمة والذهول أو حدوث ذعرٍ جماعي. بينما في الواقع يتمسّك الناس عادةً أثناء الكوارث الحقيقية بمبادئ السلوك المقبول المُتعارف عليه؛ مثل الأخلاق والولاء، واحترام القانون والعادات.

التخطيط المُسبق

إذا كان ما نشهده ليس ذُعراً، فما هو إذاً؟ على النقيض من معظم الحيوانات، يمكن للإنسان التنبؤ بالتهديدات المستقبلية والمبادرة للاستعداد لها. ففي حالةٍ مثل حالة تفشّي وباء كورونا، أحد العوامل المهمّة التي تساعد الناس على التنبؤ بالكوارث مثلاً؛ هي سرعة انتشار المعلومات حول العالم وسهولة الوصول إليها.

فقد رأينا في الإعلام الشوارع خاليةً في ووهان وغيرها من المدن، حيث لا يستطيع الناس أو ربّما لا يرغبون في الخروج خوفاً من الإصابة بالفيروس. لذلك، من الطبيعي أن تكون ردّة فعلنا هي الاستعداد لمواجهة التهديد المحتمل المتمثّل في اضطراب مشابه في مجتمعاتنا.

في الواقع، تخزين المواد الغذائية واللوازم الأخرى يساعد الناس على الشعور بأن لديهم مستوىً ما من السيطرة على الأمور. وهذا تفكيرٌ منطقي؛ إذا وصل الفيروس إلى منطقتك، فأنت ترغب بتقليل اتصالك مع الآخرين مع ضمان أنّك تستطيع البقاء على قيد الحياة خلال هذه الفترة.

كلما زاد التهديد المُتصور، كلما كان رد الفعل أقوى. في هذه المرحل، يعتقد الأخصائيون أن فترة حضانة فيروس كورونا المستجد تصل إلى 14 يوماً، لذلك يريد الناس الاستعداد لمدة 14 يوماً على الأقلّ من العزل الطوعي.

استجابة منطقية

التحضير لفترة من العزلة ليس نتيجة خوفٍ شديد أو غير عقلاني، بل هو تعبير عن آليات البقاء الراسخة لدينا. تاريخياً، كان علينا أن نحمي أنفسنا من الظروف الصعبة التي قد نواجهها مثل الشتاء القاسي، أو دمار المحاصيل، أو انتشار الأمراض المعدية وغيرها، وذلك دون مساعدة من المؤسسات والتقنيات الاجتماعية الحديثة التي نشهدها هذه الأيام.

في الواقع؛ تخزين اللوازم هو استجابة صحيحة ومقبولة، إنها تشير إلى أن الناس يتصرفون بلا حول ولا قوة أمام تهديدٍ خارجي، ولكن بدلاً من ذلك يفكرون للأمام، ويخططون للموقف المُحتمل حدوثه.

ورغم أنّ جزءاً من من هذه الإستجابة يعود إلى الرغبة في الاعتماد على الذات، قد تكون استجابتنا ناتجة عن سلوك «القطيع» إلى حدٍّ ما أيضاً. يدفعنا سلوك القطيع إلى تقليد ما يفعله الآخرون، وقد تكون هذه السلوكيات نوعاً من التفّاعل المشروط مع الآخرين (مثل التثاؤب).

السلوك الحذر بدلاً من المخاطرة

يحيط بالكوارث الكثير من عدم اليقين، مما يعني أنّ جميح القرارات التي نتخّذها تعتمد على التهديدات المحتملة، وليس على الكارثة الفعلية نفسها. وبسب عدم اليقين هذا، يميل الناس إلى المبالغة في ردّ فعلهم. عموماً، نحن نكره المخاطر ونميل للاستعداد لأسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تواجهنا.

عندما يتعلق الأمر بتخزين كمياتٍ كبيرة من المواد خلال الكارثة المرتقبة، ففي الحقيقة نحن لا نعرف كم سنحتاج تماماً لأننا لا نعرف كم من الوقت ستستمر الكارثة، أو تلك الأحداث المرتقبة. لذلك نميل إلى الحذر بدلاً من المخاطرة، وبالتالي شراء كمياتٍ كبيرة من البضائع. وهذه هي الاستجابة الطبيعية بالنسبة لشخصٍ عقلاني يواجه حالةً من عدم اليقين في المستقبل، ويسعى إلى ضمان سلامة عائلته وبقائها.

أهمية العواطف

قد يبدو شراء كمياتٍ كبيرة من المواد -وإفراغ رفوف المتاجر- بمثابة استجابةٍ عاطفية غير منطقية. لكّن العواطف في مثل هذه الحالة عقلانية؛ فهي تساعدنا في تحديد كيفية تركيز انتباهنا على الأشياء الضرورية لبقائنا.

تمنحنا العواطف القدرة على الإهتمام بمواجهة المشاكل لفترةٍ أطول، والإهتمام أكثر وإظهار قدرٍ أكبر من المرونة في مثل هذه الظروف. إنها عنصر غريزي في السلوك البشري، وغالباً ما نفشل في تفسيرها عندما نحاول فهم تصرفات الناس.

يمكن أن يكون للتغيرات في السلوك الفردي آثار سلبية واسعة النطاق. على سبيل المثال، ستقوم المتاجر عادة بتنظيم سلسلة التوريد والبضائع على أساس متوسط مستويات الاستهلاك. إلا أنّ هذه الأنظمة لا يمكنها التعامل بكفاءة مع التقلبّات الكبيرة، عندما يرتفع الطلب بشكلٍ كبير. لذلك عندما يرتفع الطلب -كما حدث في أجزاءٍ من الصين وإيطاليا وأماكن أخرى- تكون النتيجة: رفوف محلات فارغة.

هل يجب أن أبدأ بتخزين المواد؟

بشكلٍ عام، هناك أماكن في العالم ليست مستعدة جيداً للكوارث، مثل بقية الدول والتي تمتلك معدّات ولوازم الطوارئ بشكلٍ روتيني في منازلهم، بسبب تكرار حدوث الكوارث الطبيعية لديهم. ومع ذلك، يجب أن نكون قد حذّرنا الجميع لذلك بشكلٍ جيد، خاصة في أستراليا بعد موسم الحرائق هذا الصيف، والفيضانات، وانتشار الأمراض الأخيرة.

إذا كنت في مكان لا يوجد فيه احتمال لوقوع كارثة، فأنت لست مضطراً لشراء كمياتٍ كبيرة من المعلّبات الجاهزة، ولكن يمكنك تفقّد قائمة المواد الضرورية التي ينبغي تخزينها لضمان بقائك، ومن ثمّ عمل قائمةٍ للأشياء التي تحتاجها وشرائها بالتدريج. وبهذه الطريقة، يمكن أن نمنح المتاجر الوقت لإعادة ملئ الرفوف بالبضائع، ولن نرى الرفوف فارغةً مجدداً.

تم نشر المقال في موقع ذا كونفيرسيشن

المحتوى محمي