يحتفل البالغون ممن تلقوا التطعيم بالكامل بحريّتهم الجديدة ويخلعون الكمامات بعد فترةٍ طويلة من الالتزام بارتدائها؛ ولكن بالنسبة لآباء الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 12 عاماً، فقد تكون الفرحة قصيرة الأمد، فبالنظر إلى أن الأطفال في هذا العمر غير قادرين على الحصول على اللقاحات بعد؛ يوصي مركز السيطرة على الأمراض أنه من الأفضل حماية الأطفال بارتداء الكمامات في الأماكن العامة، وعند مقابلة الأشخاص الذين لا يعيشون معهم.
لا بد أن الآباء يتساءلون الآن: هل يجب أن يرتدي أطفالنا الكمامات في الملاعب والحفلات والاجتماعات، وتعليمهم بأن صحتهم هي الاعتبار الأول؟ أم نترك الأطفال يتصرفون على طبيعتهم ونخبرهم أنه لا بأس بنزع الكمامة؟ ماذا لو تواصل الأطفال مع أشخاصٍ غير محصنين ومعرضين بشكلٍ كبير للإصابة بأمراض خطيرة؟ في الواقع؛ يجب على الآباء طرح هذه الأسئلة ومواجهتها مع دخولنا في فصل الصيف.
بصفتي أستاذةً في الأخلاق وخبيرةً في أخلاقيات علم الأحياء؛ أقوم بتحليل المعضلات الأخلاقية، وقد بحثت كثيراً مؤخراً في المعضلات الأخلاقية التي أثارتها جائحة كوفيد-19. وقد كتبت أيضاً في مجال الأخلاق والأسرة -والذي قلّما تم التطرّق إليه- عن واجب الآباء تجاه أبنائهم، وواجب الأبناء تجاه آبائهم، وواجب الزوجين تجاه بعضهما البعض. هناك بعض الأدوات في مجموعة أدوات الأخلاقيات التي طورتها؛ والتي قد تساعد في حل معضلة الكمامة بالنسبة للأطفال.
حماية الأطفال بأي ثمن
هناك وجهة نظر أخلاقية ترى أن الناس ليسوا مجبرين على بذل المزيد من أجل أفراد أسرهم وحسب؛ ولكن لديهم واجب أخلاقي خاص لفعل المزيد أيضاً، وينشأ هذا الواجب الخاص من علاقات الحب والمودة التي تنشأ بين أفراد الأسرة.
قد يتطلب الواجب الخاص في بعض الحالات قيام الفرد بكل شيءٍ ممكن للحفاظ على سلامة وأمان أحد أفراد أسرته أو أحبائه. وبهذا المنطق؛ يمكن للمرء أن يرى أن على الوالد فرض القواعد التي يراها مناسبة عندما يتعلق الأمر بارتداء الكمامة.
ومع ذلك، فإن إحدى المشاكل المحتملة مع هذه العقلية هي أنها تتعارض مع الخيارات الأخرى التي يختارها الناس لأطفالهم؛ مثل السماح للأطفال بشكلٍ روتيني بالقيام بأشياء محفوفة بالمخاطر؛ مثل تسلق الأشجار، أو التزلج على المنحدرات. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الحفاظ على سلامة الأطفال أمر معقد في الواقع، فمن المفترض أن تشمل أيضاً حماية صحتهم العقلية ونموهم الاجتماعي؛ ولكن قضاء الصيف مع ارتداء الكمامة قد يحبط هذه الجهود.
السماح للأطفال بالتصرف على طبيعتهم
هناك منطق آخر يقول بأن هناك مبرر لخلع الكمامة للسماح للأطفال بالتصرف كأطفال؛ ربما دعم الفيلسوف السويسري «جان جاك روسو» هذا الرأي عندما رأى أن الطفولة لها قيمة في حد ذاتها، وأن أفضل طريقة لتنشئة الأطفال هي السماح لهم بالنمو بشكلٍ طبيعي.
في الواقع؛ يحمل الآباء في أغلب الأحيان معهم تحيّزاتهم خلال تربية أطفالهم؛ والتي تظهر جليةً عندما يتم تعميم المخاوف الأخلاقية- مثل السلامة- التي تكون بارزةً في مرحلة من مراحل الحياة، ويفترض أنها مركزية لجميع مراحل الحياة. بالرغم من أن الأطفال يجب أن يبقوا آمنين طبعاً لإعدادهم لمرحلة البلوغ، فإن الاستعداد لمرحلة البلوغ لا ينبغي أن يزيح جميع القيم الأخرى، أو يمنع الأطفال من الاستمتاع بطفولتهم.
النقطة المهمة هنا هي أن الطفولة هي تجربة فريدة من نوعها، فعلى سبيل المثال؛ تختلف صداقات الطفولة عن صداقات البالغين؛ حيث يتطلب اللعب في مرحلة الطفولة أن يكون الطفل قادراً على الخوض في عوالم وهمية، والاستمتاع بعوالم مختلفة جذرياً.
في الواقع؛ لا يمكن للأطفال تعويض افتقادهم للطفولة الصحية، فعلى سبيل المثال؛ وجود الكثير من الأصدقاء في مرحلة البلوغ لا يعوّض الافتقار إلى الأصدقاء في مرحلة الطفولة، وكذلك اللعب كشخصٍ بالغ لا يشبه اللعب كطفل.
يعتمد مدى تأثير ارتداء الأطفال للكمامة على متعة الطفولة على عددٍ من العوامل؛ مثل عمر الطفل (قد يواجه الطفل البالغ من العمر عامين صعوباتٍ أكبر من الطفل البالغ من العمر 10 سنوات)، ومستوى النشاط (قد يكون ارتداء القناع أثناء لعب الدمى أسهل من لعب كرة السلة)، ومدى النفور من ارتداء الكمامة؛ والذي يعتمد على شخصية الطفل أو ما إذا كان أصدقاؤه يرتدون الكمامة أم لا.
المسؤولية المدنية
السبب الآخر لارتداء الأطفال الكمامة هو منعهم من نقل فيروس كورونا للآخرين؛ وخاصةً إذا كان هناك شخص في محيط الطفل لديه احتمال كبير بالإصابة بالفيروس والوفاة؛ يجب أخذ ذلك بعين الاعتبار وإيلائه أهمية قصوى.
على سبيل المثال؛ إذا كان صديق الطفل الذي يبلغ من العمر 5 سنوات مصاباً بمتلازمة داون، أو إذا كان صديقه المقرب مصاباً بالربو، أو كان هناك أحد أفراد عائلته قد تلقى التطعيم لكنه يتناول أدوية مثبطة للمناعة؛ يجب على الطفل حينئذٍ ارتداء الكمامة. في مثل هذه المواقف؛ من المهم أن يدرك الوالدان بأن الطفل لا يرغب بارتداء الكمامة؛ ولكن وضع صحة الآخرين وسلامتهم في المقام الأول في بعض الأحيان هو الأكثر أهميةً.
ارتداء الكمامة لإظهار التضامن مع الطفل
إذا اخترت أن يرتدي طفلك الكمامة، فيمكنك سؤاله هل ارتدائك للكمامة سيساعده أم لا. ارتداءك للكمامة يمكن أن يكون شكلاً من أشكال التضامن مع طفلك وتقديره، لأن ارتداء الكمامات يمكن أن يمثل تحدياً كبيراً لبعض الأطفال. هذه الخطوة قد تعكّر الجو العام عندما يقرر الآباء خلع الكمامات بعد حصولهم على اللقاح؛ لكن لا بأس، فيمكن للآباء الاحتفال في وقتٍ لاحق بعد أن يتلقّى أطفالهم اللقاح، بحيث يمكنهم جميعاً الاحتفال.
رغم أن هذه القرارات قد تكون صعبةً على الآباء وأطفالهم؛ إلا أن هناك أخباراً سارةً تفيد بأنه أصبح بإمكان الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 2-11 عاماً تلقي التطعيم في سبتمبر/ أيلول المقبل.
الخلاصة
قدّم الآباء ومقدمو الرعاية الكثير من التضحيّات طوال فترة الجائحة للحفاظ على سلامة الأطفال، وفي فترة الصيف؛ التي عادةً ما تكون الوقت المثالي للهو واللعب والابتعاد عن الهموم، تلوح في الأفق فترة الراحة التي طال انتظارها.
يمكن لبعض العائلات التي لديها أطفال صغار خلع الكمامات في الأماكن التي لا تتطلّب ارتداءَها في الهواء الطلق، بينما قد يكون على بعض العائلات الانتظار لبعض الوقت كي لا تضيع جهودهم في الحفاظ على سلامة أطفالهم ومن حولهم.
أياً كان ما يقرره الآباء، فيجب عليهم توصيل رسالتهم بطريقة تُظهر الحب والدعم لأطفالهم.
اقرأ أيضاً: 7 إجابات عن أشهر الأسئلة حول تطعيم الأطفال ضد كورونا
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً