«سبوتنيك 5» هذا هو اسم اللقاح الروسي ضد مرض كوفيد-19 الذي يسببه فيروس كورونا؛ واختير هذا الاسم غير الطبي بعناية، اختير على اسم أول قمر صناعي في العالم يحط في الفضاء، «سبوتنيك 1» القمر الروسي الذي حلق عام 1957، وكان سبقاً لا ينسى لروسيا ضد الولايات المتحدة الأميركية في إطار الحرب الباردة، والآن تعيد روسيا الأذهان إلى سبقها القديم، في إشارة إلى أنها تتبنى سبقاً جديداً، لكن هذه المرة في جائحة يعاني منها العالم، ولكن هُنا الأمر يختلف.
السباق إلى اللقاح
ما يعرفه العالم الآن أن السباق مختلف، وأن الوصول الأول إلى اللقاح ليس هو النجاح، بل فعالية اللقاح وسلامته هو المطلوب، ورغم أن هناك أكثر من 200 لقاحاً يطور حول العالم ضد فيروس كورونا، لكن لم يُعلن عن نجاح أحدهم إلا اللقاح الروسي الذي أعلن عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ أمس الثلاثاء، مؤكداً أن اللقاح حصل على موافقة من الجهات التنظيمية في بلده، وبعد أن اجتاز كافة الاختبارات المطلوبة، مضيفاً أن ابنته أعطيت اللقاح بالفعل. ومن المقرر إجراء عمليات تطعيم شاملة للشعب الروسي في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
هناك أنواع عديدة من اللقاحات؛ يعمل كل نوع على تنشيط الجهاز المناعي لمحاربة نوع معين من الأمراض التي تسببها الميكروبات أو الفيروسات، وتشمل هذه الأنواع: اللقاحات الحية المضعّفة؛ وتستخدم عينات من الميكروب المسبب للمرض بعد إضعافها وخمولها؛ يساعد على الوقاية منها، ويسبب هذا النوع ردة فعل مناعية قوية. واللقاحات غير النشطة؛ وتستخدم عينات ميتة من الميكروب المسبب للمرض، وعادة اللقاحات غير النشطة لا توفر المناعة القوية كاللقاحات الحية المضعفة؛ لذلك قد تحتاج إلى عدة جرعات أو جرعات تنشيطية مع مرور الوقت
هناك أيضاً اللقاحات الفرعية أو المترافقة؛ وتستخدم أجزاء معينة من الميكروب كالبروتين، وهو الأمر الذي يسبب ردة فعل مناعية قوية جداً، ونظراً لأنها تستهدف أجزاء رئيسة من الميكروب. واللقاحات السمّية؛ وتستخدم الجزء الضار الذي صنعه الميكروب المسبب للمرض، ليتمكن الجهاز المناعي من محاربته بدلاً من الميكروب.
لقاح الفيروس الغدي
مع التطور الحديث ظهرت تقنيات جديدة لإنشاء أنواع مختلفة من اللقاحات، مثل اللقاحات المعتمدة على نواقل الفيروسات، ولقاحات الحمض النووي. اللقاح الروسي الذي طوره معهد «جاماليا» في موسكو، ويوفر «مناعة مستدامة» ضد فيروس كورونا؛ وفقاً للرئيس الروسي؛ ينتمي إلى ناقلات الفيروس الغدي.
الفيروسات الغدية واحدة من أكثر فيروسات الحمض النووي تنوعاً وراثياً، وهي ناقلات جيدة لتوصيل الجينات أو مستضدات اللقاح إلى الأنسجة المضيفة المستهدفة، واختبرت في العديد من دراسات اللقاح والعلاج الجيني، وتقدم النواقل القائمة على الفيروس الغدي العديد من المزايا مقارنة بالنواقل الفيروسية الأخرى مثل النطاق الواسع لتورم الأنسجة، والجينوم المميز جيداً ، وسهولة التلاعب الجيني بما في ذلك قبول إدخال كبير من التعديل الجيني على الحمض النووي الخاص بها، والأهم قدرتها على تحفيز الخلايا التائية القوية الخاصة بالجينات المعدلة وراثياً، مما يخلق استجابات الأجسام المضادة الطبيعية، ومع ذلك أبلغت العديد من الدراسات عن عيوب استخدام الفيروسات الغدية في اللقاحات.
استخدمت ناقلات الفيروس الغدي في صنع لقاح لفيروس نقص المناعة البشرية، وفي إحدى التجارب السريرية الأكثر شهرة؛ اكتشف أن اللقاح يبدو أنه يزيد من خطر الإصابة بعدوى فيروس نقص المناعة البشرية في بعض الأفراد المصابين بالفيروس، واختبرت استراتيجيات محسنة أخرى لكن لا يزال هناك حاجة إلى مزيد من تحسين لقاح فيروس نقص المناعة البشرية المستند إلى ناقلات الفيروس الغدي، ومع ذلك نجحت ناقلات الفيروس الغدي في محاربة فيروس الأنفلونزا في تجارب الفئران والشمبانزي، وإجمالاً لا تزال ناقلات الفيروس الغدي تختبر على نطاق واسع في التجارب السريرية.
مرحباً سبوتنيك 5
اعتمد الباحثون الروس في صناعة لقاح سبوتنيك 5 إلى استخراج جزءاً من الحمض النووي لفيروس كورونا، والذي يرمز إلى المعلومات حول بنية بروتين إس، وهو الذي يشكل «التاج» قي الفيروس والمسؤول عن غزو الخلايا البشرية، ثم أدخلوه في ناقل مألوف للفيروسات الغدية ومن ثم إلى الخلية البشرية، والأكثر من ذلك أن الروس اعتمدوا على ناقلين اثنين للفيروس الغدي في لقاح واحد وهي المرة الأولى في العالم التي يستخدم فيها لقاح ذو ناقلين.
توصل العلماء الروس إلى استخدام نوعين مختلفين من ناقلات الفيروسات الغدية «rAd26» و «rAd5» في جرعتين للقاح، مما يعزز تأثير اللقاح، ستضم الجرعة الأولى من اللقاح عمل الناقل الأول «rAd26» على تحفيز جسم الإنسان على إنتاج بروتين سبايك «إس» واستجابة لذلك سيبدأ تكوين المناعة، ثم في الجرعة الثانية من اللقاح والتي تضم الناقل الثاني «rAd5» وتأخذ بعد 21 يوماً من الجرعة الأولى؛ سيبدأ الناقل الثاني في تحفيز الاستجابة المناعية للجسم؛ ليؤمن بدوره مناعة طويلة الأمد.
وفقاً لموقع اللقاح فإن هناك 20 دولة على الأقل أعربت عن اهتمامها بالحصول على اللقاح، بما في ذلك دول من الشرق الأوسط، وإندونيسيا، والفلبين، والبرازيل، والمكسيك، والهند، وأكد الباحثون الروس أنهم سيتولون نشر أجزاء من البحث وبيانات عن اللقاح في الدوريات العلمية.
التجارب السريرية
أكد معهد «جاماليا» أن اللقاح مر بجميع مراحل التجارب قبل السريرية مع تجارب على أنواع مختلفة من الحيوانات، بما في ذلك الرئيسيات. اكتملت المرحلة الأولى والثانية من التجارب السريرية للقاح في 1 أغسطس/آب الجاري، وأكد المعهد أن جميع المتطوعين يشعرون بصحة جيدة، ولم يلاحظ أي آثار جانبية غير متوقعة أو غير مرغوب فيها.
أكد المعهد أيضاً أن اللقاح صنع أجسام مضادة قوية واستجابة مناعية خلوية، ولم يصاب أحد المشاركين في التجارب السريرية الحالية بفيروس كورونا بعد إعطائه اللقاح، وأضاف المعهد أن اللقاح مرتفع الفعالية وتم التأكد من ذلك من خلال اختبارات عالية الدقة للأجسام المضادة في مصل دم المتطوعين؛ بما في ذلك تحليل للأجسام المضادة التي تحيد فيروس كورونا، وكذلك قدرة الخلايا المناعية للمتطوعين على التنشيط استجابةً للوقاية من فيروس كورونا، مما يشير إلى تكوين كل من الجسم المضاد والاستجابة للقاح المناعي الخلوي.
ستبدأ المرحلة الثالثة من التجارب السريرية التي تضم أكثر من ألفين شخص في روسيا وعدد من دول الشرق الأوسط، ودول أمريكا اللاتينية اليوم الأربعاء، ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج الضخم للقاح في سبتمبر/أيلول المقبل.
المجتمع العلمي يرفض
ثار المجتمع العلمي فور إعلان روسيا عن لقاح سبوتنيك 5، وأدان العلماء في جميع أنحاء العالم القرار باعتباره متسرعاً بشكل خطير. يرى العلماء أن روسيا لم تكمل تجارب كبيرة لاختبار سلامة وفعالية اللقاح، وإن طرح لقاح لم يفحص بشكل كافٍ قد يعرض الأشخاص الذين يتلقونه للخطر. وربما يعيق الجهود العالمية لتطوير لقاحات عالية الجودة لفيروس كورونا.
نقلت دورية نيتشر العلمية بعض مخاوف العلماء، يقول بيتر هوتز، عالم اللقاحات في كلية بايلور للطب الأمريكية: «إذا صنعوا اللقاح بشكل خاطئ، فقد يقوض هذا المشروع العالمي بأكمله»، ويضيف فرانسوا بالو، عالم الوراثة في يونيفرسيتي كوليدج لندن: «هذا قرار متهور وأحمق، التطعيم الجماعي بلقاح لم يختبر بشكل صحيح هو أمر غير أخلاقي». وأضاف بالو في بيان وزع: «إن أي مشكلة في حملة التطعيم الروسية ستكون كارثية سواء من خلال آثارها السلبية على الصحة، ولكن أيضاً لأنها ستزيد من تراجع قبول اللقاحات بين السكان».
مخاوف وتكهنات العلماء
تعود مخاوف العلماء إلى أن لقاح سبوتنيك 5 منح إلى 76 متطوعاً فقط كجزء من تجربتين في المراحل المبكرة، ولكن لم يتم نشر أي نتائج من تلك التجارب أو غيرها من الدراسات قبل السريرية، ولا يُعرف سوى القليل عن اللقاح التجريبي. ومن المعروف أن 38 من المشاركين الذين تلقوا جرعة واحدة أو جرعتين من اللقاح قد أنتجوا أجساماً مضادة لبروتين فيروس كورونا، بما في ذلك الأجسام المضادة القوية المعادلة التي تعطل الجزيئات الفيروسية، وهذه النتائج مشابهة لنتائج تجارب المرحلة المبكرة للقاحات أخرى مرشحة. وكانت الآثار الجانبية متشابهة أيضاً، مثل الحمى والصداع وتهيج الجلد في موقع الحقن.
يتوقع هوتز أن لقاح سبوتنيك 5 سيثير استجابة مناعية مناسبة ضد كورونا. يقول: «إن العمل الفني لتطوير لقاح كوفيد-19 ليس معقدًا للغاية.. الجزء الصعب هو إنتاج هذه اللقاحات تحت مظلات عالية الجودة؛ ثم التأكد من أن اللقاحات آمنة وتعمل بالفعل على الحماية من كوفيد-19 في التجارب السريرية الكبيرة للمرحلة الثالثة».
يخشى العلماء أن ينتهي باللقاح مثل ما حدث في عام 2007؛ حين أوقف الباحثون تجربة لقاح فيروس نقص المناعة البشرية التي استخدمت ناقل الفيروس الغدي؛ بعد أن اكتشفوا أنه يزيد من احتمالية انتقاله، ورغم أن ناقلات الفيروس الغدية التي يعتمد عليها اللقاح الروسي مستخدمة بالفعل في تجارب أخرى لفيروس كورونا، لكن يرى العلماء أن الوقت مبكراً جداً لطرحه في الأسواق، يقول الباحث الروسي أليكسي تشوماكوف: «من السهل جداً صنع لقاح، ومن الصعب جداً اختباره بشكل صحيح، وإثبات فعاليته.. هذه مخاطرة حقاَ».