أعلن المنظمون الأوروبيون أواخر الشهر الماضي أن الجلطات الدموية الخطيرة في المخ والجذع هي من الآثار الجانبية نادرة الحدوث للقاح أسترازينيكا المضاد لفيروس كورونا، لكنهم يوصون بالاستمرار في أخذ اللقاح رغم ذلك. فقد قالت وكالة الأدوية الأوروبية في بيانٍ لها في هذا الصدد أنّ: «مزيج الجلطات الدموية وانخفاض الصفائح الدموية المُبلغ عنها نادرٌ للغاية، وفوائد اللقاح الإجمالية في الوقاية من فيروس كورونا تفوق آثاره الجانبية الخطيرة».
وُزّع لقاح أسترازينيكا على نطاقٍ واسع في دول الاتحاد الأوروبي وعدد قليل من البلدان الأخرى، في حين لم تتم الموافقة على استخدامه بعد في الولايات المتحدة، حيث لم تتم ملاحظة أية أعراضٍ جانبية مشابهة في أيّ من اللقاحات الأخرى المتداولة هناك.
الحالات التي تأثرت سلباً بلقاح أسترازينيكا
وفقاً لوكالة الأدوية الأوروبية أيضاً، فإن معظم الحالات حدثت لنساءٍ دون سن 60 عاماً بعد أسبوعين من التطعيم، وبناءً على الأدلة المتاحة حالياً؛ لم تُؤكد أية عوامل خطورة محددة. وأفادت الوكالة بأنها وثقت 86 حالةً فقط من تجلّط أو تخثر الدم في الأوردة العميقة في الجسم من بين 25 مليون شخصٍ تلقّى اللقاح.
18 حالة من تلك الحالات كانت مميتة. بعبارةٍ أخرى، سيكون احتمال تعرّض شخصٍ تلقى اللقاح من الجلطات الدموية الخطيرة هو واحد من مليون فقط. وبالإضافة إلى ذلك؛ من غير المؤكد أن جميع الوفيات المُسجلّة هي ناتجة عن اللقاح تحديداً، حيث أفادت الوكالة الأوروبية في السابق أن آلاف الأوروبيين يموتون بسبب هذه الجلطات الدموية كلّ عام.
يقول «شون أوليري»؛ المتخصص في أمراض الأطفال المعدية ومشكلة التردّد في أخذ اللقاحات في مستشفى الأطفال في كولورادو: «نحن الآن في خضّم أخطر جائحة تحدث منذ قرن. يمكننا تفّهم -على الأقل من وجهة نظر مجتمعية- لماذا يقول الأوروبيون أن فوائد اللقاح تفوق مخاطره بكثير. بطبيعة الحال، فإن التخثّر نادر الحدوث جداً».
ويضيف أوليري: «توفي شخصان من كل 100 شخصٍ أصيبوا بكوفيد-19 في الولايات المتحدة، ولكن القول بأن هناك توازن لصالح الفوائد مقابل المخاطر ما يزال مشكلةً يصعب إيصالها للعامة. في الواقع، لا يجيد أي منّا فن توصيل وشرح المخاطر للناس، سواء كانت نسبتها واحد من 100 ألف، أو واحد من كل 10 ملايين، فذلك لا يعني الكثير للناس. إن حقيقة أن ذلك يمكن أن يحدث يخيف الناس حقاً».
وفي هذا الصدد تقول «سابين إيشينغر»؛ أخصائية الدم في الجامعة الطبية في فيينا لمجلة «ساينس» في مارس/ آذار الماضي: «لقد زاد اللقاح -هذه المخاطر رغم ضآلتها- تعقيداً. في الحقيقة؛ من غير الواضح كيف يمكن للقاح أسترازينيكا أن يسبب الحالات التي ظهرت في أوروبا. ربما يوحي حدوث الجلطات مع انخفاض الصفائح الدموية إلى احتمال حدوث ردّ فعلٍ مناعي».
ووفقاً لوكالة الأدوية الأوروبية؛ فإن هذا التأثير الجانبي يشبه اضطراباً نادراً يسببه الهيبارين المُميّع للدم، حيث ينتج الجهاز المناعي أجساماً مضادة تهاجم الصفائح الدموية. ولكن يمكن علاج هذا الاضطراب، وتعتقد الوكالة أن الأمر نفسه ينطبق على الآثار الجانبية للقاح.
توزيع لقاح أسترازينيكا في العالم
فتحت وكالة الأدوية الأوروبية تحقيقاً أولياً في حالات تجلّط الدم في نوفمبر/ تشرين الثاني بعد أن أوقفت السلطات الدنماركية توزيع اللقاح مؤقتاً بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة. في مارس/ آذار، توقفت المزيد من الدول الأوروبية، -مثل فرنسا والسويد- عن توزيع اللقاح بسبب نفس المخاوف، وتزايد التردد في أخذ اللقاح بين العامة. كانت وكالة الأدوية قد قالت في ذلك الوقت أن عدد حالات الجلطات الدموية المُبلغ عنها بين الأشخاص الذين تلقوا اللقاح لا يبدو أعلى من الحالات التي تحدث في الأحوال العادية بين عامة الناس.
مع ذلك؛ استمرت القيود على توزيع اللقاح. فقد علّقت نيوزيلندا إعطاء اللقاح للنساء دون 60 عاماً. وبالمثل؛ حصرت فرنسا اللقاح بالأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 55 عاماً.
لم تتقدّم أسترازينيكا بطلب الحصول على ترخيص لقاحها من إدارة الغذاء والدواء، وذلك على خلفية الفضيحة الإعلامية التي طالت الشركة بسبب إصدارها بياناتٍ مضللة عن تجربة لقاحها في الولايات المتحدة تُضخم فعاليته بضع نقاطٍ مئوية. لكن الشركة تقول أنها تنوي تقديم النتائج قريباً.
ووفقاً للشركة؛ لم تسجل تجارب اللقاح في الولايات المتحدة أي خطورةٍ متزايدة لحدوث الجلطات، بينما لوحظت المزيد منها بين المشاركين الذين تلقّوا اللقاح الوهمي في الواقع.
اقرأ أيضاً: أبرز التطورات المتعلقة بلقاح أسترازينيكا
ليس من الواضح ما هو الأثر الذي قد تتركه النتائج الأوروبية على عملية موافقة السلطات الصحية الأميركية على إنتاج اللقاح بالنظر إلى توثيق هذه الحالات خارج نطاق التجارب السريرية. وقد قال عضوٌ في اللجنة الاستشارية للقاحات والمنتجات البيولوجية ذات الصلة في رسالةٍ بالبريد الإلكتروني؛ بأنه لم يُسمح له بالتعليق على لقاحٍ لم يتم التقدّم بعد للحصول على إذن الاستخدام الطارئ لتوزيعه.
فيروس الروتا: حالة مشابهة
حدثت حالةٌ مشابهة في تسعينيات القرن الماضي كما يقول أوليري: «حينها سحبت الولايات المتحدة الموافقة على لقاح فيروس الروتا الذي يتسبب بمرضٍ معوي مهددٍ للحياة ويصيب الأطفال غالباً. فقد تبين أن اللقاح فعّال للغاية في الوقاية من دخول المستشفى، ولكن ظهرت العديد من حالات الانسداد المعوي بعد توزيعه على نطاقٍ واسع».
ويضيف أوليري: «تأثر عدد قليل بفيروس الروتا، ورغم أنه كان جلياً أن فائدة اللقاح تفوق مخاطره بكثير؛ فقد اتخذت الولايات المتحدة قرار إيقافه قائلةً أنها تلتزم بمعايير سلامة صارمة، ولن توصي باستخدام اللقاح. مع ذلك؛ فقد أشارت إلى أن هذا اللقاح مفيدٌ جداً حيث يجب استخدامه في البلدان التي يكون فيها عبء فيروس الروتا مرتفعاً للغاية، ويتسبب بوفاة آلاف الأطفال سنوياً». رغم ذلك، فقد حذت باقي الدول حذو الولايات المتحدة وأوقفت استخدام اللقاح وتوقّف إنتاج اللقاح في النهاية.
بالنظر إلى أن الولايات المتحدة قد أمّنت بالفعل ما يكفي من اللقاحات من الشركات المصنعة الأخرى لتغطية كامل سكّانها، فليس من الواضح بعد ما إذا كانت ستحذو حذو الدول الأوروبية في الموافقة على لقاح أسترازينيكا. ولكن إذا لم يحصل اللقاح على موافقة الولايات المتحدة في النهاية؛ فقد يؤّثر ذلك على قرار الدول الأخرى في شراء ملايين الجرعات الأخرى من اللقاح.
اقرأ أيضاً: الغذاء والدواء السعودية عن لقاح أسترازينيكا: المنافع تفوق المخاطر
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً