وفقاً لصحيفة «واشنطن بوست»؛ فإنه على الرغم من وجود بعض الأدلة الأولية على أن أشعة الشمس والحرارة والرطوبة يمكنها إبطاء انتشار فيروس كورونا؛ فإن أشهر الصيف القادمة تحمل مجموعة من المخاطر الجديدة. سيخرج الناس من منازلهم للتريض أو الهروب من القيظ نتيجة ارتفاع درجة الحرارة، حيث من المحتمل أن يُصابوا بالعدوى، أو قد يجبر الوباء الناس على البقاء في منازلهم، حيث يمكن أن يصابوا بالأمراض الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة. في الواقع، يشكل الوباء والحرارة المرتفعة خطراً قاتلاً على بعض الأشخاص خاصة كبار السن.
يقول الخبراء أن التغيّر المناخي سيعقّد الأمور الجارية حيث يواجه العالم جائحة كورونا. في الواقع، تتوقع النماذج المناخية أن بعض المناطق في الولايات المتحدة ستشهد ارتفاعاً كبيراً في درجات الحرارة هذا الصيف. هذه التوقعات بُنيت اعتماداً على متوسط درجات الحرارة المُسجلّة بين عامي 1981 و 2010. كما تتسق التوقعات الصادرة عن خدمة الأرصاد الجوية الوطنية مع اتجاه ارتفاع درجات الحرارة على المدى الطويل. ويواجه الشمال الشرقي -الذي تضرر بشدة من فيروس كورونا-، مخاطر عالية بشكلٍ خاص من ارتفاع درجات الحرارة، بينما لا تشير التوقعات إلى أن أياً من المناطق قد تشهد صيفاً معتدلاً بشكلٍ عام.
يقول الخبراء من غير الممكن تحديد أثر التغيّر المناخي إلا بعد انتهاء موسم الصيف. ولا يُعد توقّع ارتفاع درجة الحرارة بشكلٍ استثنائي هذا الصيف أمراً مفاجئاً، لأن الحرارة قد ارتفعت في الولايات المتحدة منذ عام 1980 حوالي درجة مئوية واحدة؛ وفقاً لبيانات الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.
يقول «جوستين مانكين»، عالم المناخ في جامعة دارتموث: «كل صيف نشهده يمر علينا ضمن مناخ عالمي تزداد حرارته بالفعل. كما يزيد التغير المناخي من احتمال ارتفاع درجة حرارة الطقس هذا الصيف. لدينا أدلّة جيدة تؤكّد أن درجات الحرارة القصوى ترتفع بشكلٍ أسرع من ارتفاع متوسط درجات الحرارة بسبب الاحترار العالمي».
من العوامل الأخرى التي تساهم في ارتفاع درجات الحرارة؛ هي أنّ الطقس الأكثر دفئاً يعمل على تجفيف التربة في وقتٍ مبكر من الموسم. عندما تكون التربة رطبة، فإن جزءاً من تلك الرطوبة يتبخّر ويمتص جزءاً من الحرارة الزائدة. ولكن عندما تجف التربة، تسخن الأرض أكثر، وبالتالي ترتفع درجات الحرارة أكثر.
يقول «رادلي هورتون»، عالم المناخ في جامعة كولومبيا: «يتسبب التغيّر المناخي بزيادة عدد الأيام التي ترتفع فيها الحرارة والرطوبة. فعندما ترتفع درجة حرارة المحيطات، تتبخر كمية كبيرة من مياهها مما يجعل الهواء مشبعاً برطوبة أكبر، وبالتالي يزيد من الشعور بالحرارة أكثر».
ويضيف هورتون: «الشيء الوحيد الذي يقلقنا بشأن الحرارة والرطوبة الشديدة؛ هو أنه إذا أصبح الهواء مشبعاً بالرطوبة إلى حدٍّ كبير، يصبح من الصعب جداً تبريد الجسم. فعندما نتعرّق، يتبخّر العرق الموجود على الجلد، ويقوم بتبريد الجسم، أما لو كان الجو مُشبعاً بالرطوبة؛ سيبقى العرق على البشرة ولن يتبخّر. قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع حرارة الجسم، وحدوث وفيّات بسبب موجات الحر حتى بين الأشخاص الأصحّاء لعدم قدرتهم على التخلّص من الحرارة الزائدة.
بينما يقول مانكين في هذا الصدد: «أعتقد أن الظروف ستكون «مدمرة» هذا الصيف عند ارتفاع درجة الحرارة والرطوبة معاً. فعند درجة الحرارة نفسها، يرتفع معدل الوفيّات المرتبطة بارتفاع الحرارة في نيويورك أكثر من معدل الوفيّات في أريزونا، والسبب هو كون نيويورك مدينة ساحلية، وارتفاع الحرارة فيها يترافق مع معدلات رطوبة جوية أعلى بكثير».
لا تشكّل موجات الحر خطراً بدرجة متساوية على جميع. يقول مانكين: «يؤثر ارتفاع درجة الحرارة بشدة على الأشخاص الضعفاء، تماماً كما يفعل فيروس كورونا. فمن الآن وصاعداً ستكون القدرة على تبريد الجسم رفاهية».
غالباً ما يكون تأثير موجات الحر أكثر حدّة على المجتمعات في الدول منخفضة الدخل أو أصحاب البشرة السمراء، نظراً لأنّ أحياء تلك الدول تميل عادةً إلى نقص عدد الأشجار والمنتزهات، والتي من شأنها أن تساعد في تخفيض درجة الحرارة. ويذكر هورتون أن عدد قليل من الناس في هذه المجتمعات يعتمدون على أجهزة التكييف في حياتهم، وقسم آخر قد يتوفر لديهم أجهزة لكن لا يستخدموها لتوفير فواتير الكهرباء العالية.
ويضيف هورتون: «ليس لدى الكثيرين مكيفات الهواء الخاصّة بهم. هل سيكون بمقدورهم الوصول إلى مراكز التبريد (مناطق مُبردة عامة ومؤقتة تُجهزها السلطات المحلية للتعامل مع الآثار الصحية المصاحبة لموجة حرارة) في ظل إجراءات الإغلاق؟ العديد من الأشخاص يعتمد على الذهّاب إلى الشاطئ أو حمّامات السباحة هرباً من القيظ، هل سيكون ذلك مُتاحاً لهم أيضاً؟».
تواجه هذه المجتمعات المزيد من حالات الإصابة بفيروس كورونا ومستويات أعلى من التلوث، وهو أمر خطير بالنظر إلى أن الذين يعيشون في المناطق الملوثة عموماً هم أكثر عرضة للموت بسبب المرض. ستؤدي الحرارة المرتفعة إلى تفاقم هذه المخاطر من خلال تفاقم التلوث، وإضعاف دفاعات الجسم ومناعته.
يقول «جيفري شامان»، أستاذ علوم الصحة البيئية في جامعة كولومبيا: «إن ارتفاع درجات الحرارة يجعل الجسم يعاني أكثر، خصوصاً إذا كان المرء يعاني من عدوى فيروسية. سيكون الأمر أسوأ بكثير. في الواقع، فإن العلاقة بين الطقس وفيروس كورونا غير مفهومة جيداً حتى الآن، مما يجعل من الصعب على الناس -أثناء موجة الحر- معرفة هل بإمكانهم الذهاب إلى مراكز التبريد ومعرفة أين موقعها أم لا».
ويضيف شامان: «إذا كان الفيروس يضعف في أشعّة الشمس ودرجات الحرارة المرتفعة، كما تشير بعض الأبحاث، فمن الأفضل للناس التوجّه للحدائق والشواطئ أكثر من الذهاب إلى المطاعم المكيّفة أو المسارح والسينما، ولكن إذا كان الفيروس يتحمل درجات الحرارة المرتفعة والرطوبة بشكل أفضل مما تذكره الأبحاث الأولية؛ فإن الحدائق قد تُصبح مكاناً خطيراً لنشر العدوى».
«لسوء الحظ، ما زلنا لا نعلم إلا القليل حول هذا الأمر، لأننا في الحقيقة لا نعرف الكثير عن فيروسات الجهاز التنفسي بشكلٍ عام، والأمر أصعب مع فيروس كورونا لأننا لا نعرف عنه سوى معلومات ضئيلة». في كلتا الحالتين، تؤدي الحرارة الشديدة إلى تعقيد المشكلة من خلال إجبار الناس على الاختيار بين المعاناة في المنازل، أو الخروج والمخاطرة بالتقاط العدوى.
يقول شامان: «ستجعل موجات الحر الأمر أكثر صعوبة، فأنت ستتعامل مع أكثر من مشكلة في نفس الوقت».