كيف يختلف فيروس سارس عن فيروس كورونا، وكيف يتشابهان؟

4 دقائق
صورة مجهرية لفيروس كورونا معزول من مريض
صورة مجهرية لفيروس كورونا معزول من مريض — مصدر الصورة: المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية/ فليكر

يتساءل البعض، لماذا أجبر فيروس كورونا المستجد دول العالم على وقف نشاطاتها المختلفة، وفرض إجراءات الإغلاق، بينما قد يتسائل آخرون عن السبب في الحاجة الماسّة لتطوير لقاح لوقف انتشاره، بينما لم يكن هناك حاجة لذلك مُطلقاً عندما انتشر فيروس سارس السابق عام 2003؟

أنا مهتم جداً بدراسة الفيروسات، وقد أدهشني مدى تعقيدها، الأمر الذي دفعني لتأليف كتاب عنها. تُظهر قصّة فيروس سارس وابن عمّه فيروس كورونا مدى صعوبة توقع تصرّف الفيروسات، خصوصاً عندما تنتقل من الحيوانات إلى البشر. لذا فإن أولوياتنا يجب أن تركز على فهم الأمراض المُستجدّة والمعدية وكيفية انتشارها. لقد تبيّن أن فيروس سارس -الذي قتل حوالي 10% من المصابين به- كان مميتاً للغاية، ولكّنه اختفى في النهاية بشكلٍ غامض إلى حدٍّ ما.

فيروس كورونا, بوبساي, الصحة, أمراض, كورونا نوفل
فيروس كورونا — مصدر الصورة: مركز السيطرة على الأمراض

انتشار فيروس سارس عام 2003

لوحظ مرض سارس، أو متلازمة الجهاز التنفسي الحادة، لأول مرة في مقاطعة غواندونغ الصينية في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2002، عندما لاحظ الأطباء إصابة العديد بالتهاب رئوي غير مُعتاد، لكن السلطات الصينية لم تبلغ منظمة الصحة العالمية آنذاك.

في فبراير/ شباط من عام 2003، حدثت فاشية أخرى في عاصمة فيتنام، هانوي، حيث قام طبيب يعمل في منظمة الصحة العالمية بإبلاغ المكتب الرئيسي للمنظمة بحدوث تفشّ كبير للمرض هناك. هذا الطبيب توفّي لاحقاً بعد إصابته بالعدوى من المرضى.

وفي الوقت نفسه، سافر طبيب من مقاطعة غواندونغ إلى هونج كونج وبقي في فندق متروبول بجانب عدد من المسافرين الآخرين، وكان على تماسٍ بهم. كان هذا الطبيب يحمل فيروس سارس، ونقل العدوى إلى ما لا يقلّ عن 12 شخصاً آخرين من نُزلاء الفندق الذين عاد اثنين منهم إلى كندا حاملين الفيروس معهم، وآخران إلى الولايات المتحدة وأيرلندا، وثلاثة إلى سنغافورة، وواحد إلى فيتنام. بالإضافة إلى إدخال بعض الأشخاص إلى المستشفى في هونج كونج، مما أدى لانتشار المرض فيه.

من تلك النقطة، انتشر الفيروس إلى جميع أنحاء العالم بالرغم من أن النسبة العظمى من الإصابات كانت في آسيا. اتّسم الفيروس بالعدوانية والفتك بالمصابين. كانت الأعراض تظهر بعد التقاط الفيروس في فترة تتراوح من يومين إلى ثلاثة أيام. كما تحدثت بعض التقارير عن وجود إصابات دون أعراض كما هي الحال مع فيروس كورونا. أُستخدمت الأقنعة على نطاقٍ واسع، وانتشر استخدام ماسحات الحرارة في أماكن التجمعات العامة الرئيسية في الصين وأجزاء أخرى من آسيا، وفُرض الحجر الصحي أيضاً. بلغت ذروة الإصابات بالفيروس في أواخر مايو/ آيار 2003، ثم اختفت نهائياً نتيجة تدابير الحجر الصحي الصارمة. وأعلنت منظمة الصحة العالمية انتهاء الواء بحلول يوليو/ تموز من نفس العام.

بلغ إجمالي الإصابات بالمرض أكثر من 8 آلاف إصابة بقليل، بينما بلغ عدد الوفيات نحو 700. في الولايات المتحدة، كان هناك 29 حالة مؤكّدة فقط ولم تُسجّل أية وفيّات. تأثر اقتصاد هونج كونج الذي كان يعتمد على السياحة إلى درجةٍ كبيرة حينها، مثلما تضررت صناعة السياحة في الولايات المتحدة حالياً بشدّة بسبب جائحة كورونا.

أولاد العمومة القتلة

يُصنّف فيروسا سارس وكورونا ضمن عائلة الفيروسات التاجية، ويعتقد العلماء أن الفيروسين قد نشآ في الخفافيش، وتتشابه المادة الوراثية في كلا الفيروسين بنسبة 80%، وهي مكوّنة من الحمض الريبي النووي (رنا). ماذا يعني ذلك؟

على سبيل المقارنة، تتشابه جينات البشر مع جينات قرود الشمبانزي بنسبة 98%، وبالمقارنة مع نسبة 80% من تشابه الجينوم بين فيروسيّ كورونا وسارس، فهي أقلّ بكثير. ونظراً لأنّ المادة الوراثية في هذه الفيروسات عبارة عن الحمض الريبي النووي، فإنّها عرضة للطفرة والتغيّر بشكلٍ كبير عندما تتكاثر بوتيرةٍ سريعة في عدّة ساعاتٍ فقط. كما تتشابه البروتينات الخارجية للفيروسين إلى حدٍ كبير، وكلاهما يستغلّان نفس البيروتينات (المستقبلات) الموجودة على أسطح الخلايا البشرية للدخول إليها.

معظم الدراسات التي تناولت فيروس سارس ركّزت على تأثيره على الرئتين فقط لأنه العضو الأكثر تأثراً بالمرض إلى درجةٍ خطيرة، لكن يمكن لكلا الفيروسين أن يصيبا أعضاء مختلفة أخرى في الجسم. في الواقع، لن نعرف مدى تأثير فيروس كورونا على الأعضاء الأخرى حتّى يتسنّى لنا الوقت لإجراء الدراسات التشريحية المناسبة، وفهم الآلية التي يتسبب فيها الفيروس بالمرض.

كيف يختلف الفيروسان، وكيف أثّر ذلك على انتشار الوباء؟

كان سارس أكثر عدوانية وفتكاً بالمصابين به من فيروس كورونا، لكن الأخير ينتشر بشكل أسرع، مع أعراضٍ لا تظهر في بداية الإصابة به، بالتالي زيادة انتشار ونقل العدوى بين الناس. تشير التقديرات الحالية إلى أن كل شخصٍ يمكن أن ينقل العدوى لثلاثة أشخاص، لكننا لن نعرف العدد الحقيقي حتى نتمكّن من اختبار أعدادٍ أكبر من الناس، وفهم الدور الذي يلعبه المصابون الذين لا تظهر عليهم أي أعراض.

الاختلاف الأكثر أهمية، هو أن تتبع الاتصال -أو معرفة من كان على صلة وثيقة بالشخص المصاب بفيروس سارس- كان سهلاً نسبياً لأن الأعراض الشديدة كنت تظهر لدى الجميع في بين يومين إلى ثلاثة أيام.

أما في حالة فيروس كورونا، فالأعراض تستغرق نحو 14 يوماً لتظهر على الشخص الحامل للفيروس، كما لا يعاني الكثير من المصابين من أي أعراض مُطلقاً. تخيل مثلاً أن تسأل شخصاً تبيّن أنه مصاب بالفيروس عن عدد الأشخاص الذين كانوا على اتصالٍ وثيق معه خلال الأسبوعين الماضيين. في الواقع يمكنك أن تتذكر الأشخاص الذين اتصلت بهم بدقّة خلال اليومين الماضيين فقط، لكن الأمر سيكون صعباً كثيراً لتتذكر أبعد من ذلك. يُعتبر تتبّع الاتصال مهماً جداً في مكافحة أي مرضٍ معد، لكن القيام به في جائحة كورونا صعب للغاية. لذلك يُعتبر الحجر الصحي العام (فرض حظر التجول) هو الإجراء الآمن الوحيد الذي يجب القيام به حتى تتم السيطرة على الوباء.

ماذا عن اللقاح؟

تم البدء في دراسات اللقاح الخاصة بفيروس سارس واختبارها في النماذج الحيوانية، حيث جُرّب اللقاح على حيوان «ابن مقرض» الذي يُعتبر أحد الرئيسيات غير البشرية. أحدث اللقاح مناعة وقائية، لكن كانت له مضاعفات كثيرة، ولم يُجرّب على البشر آنذاك. وبعد اختفاء الفيروس توقّف البحث عن اللقاح نهائياً. لعبت العديد من العوامل دوراً في اختفاء فيروس سارس، ربّما كانت طقس الصيف أحدها، وبالتأكيد كان الدور الأكبر ربّما للحجر الصحي الصارم الذي طبّق على المصابين وكل المخالطين بهم، لكننا لا نعرف لماذا اختفى الوباء على وجه الدقّة. هذه طبيعة الفيروسات، لا يمكن التنبؤ بها.

تختلف العديد من اللقاحات التي يجري تطويرها لفيروس كورونا كلياً، وتعتمد على استخدام أجزاء صغيرة من الفيروس، أو على «الرنا الفيروسي»، وبذلك قد تتجاوز العقبات التي واجهت تطوير لقاحاتٍ لفيروس سارس. في الواقع، تنطوي عملية تطوير اللقاح على التجربة إلى حدٍ كبير، علينا فقط أن نعتمد في خياراتنا على الدلائل المستنيرة، وتجربة أشياء مختلفة، ومعرفة ما يصلح وما لا يصلح، وبالتالي اختبار طرق مختلفة من اللقاح.

تم نشر المقال في موقع ذا كونفيرسيشن

المحتوى محمي