لماذا يثير توقيت انتشار فيروس كورونا قلق العلماء؟

4 دقائق
كورونا فيروس, كورونا نوفل, فيروسات, الصحة

يثير فيروس كورونا الذي انتشر مؤخراً قلق مسؤولي الصحّة العامة من احتمال حدوث وباءٍ عالمي، خصوصاً وأنه وقد وصل رسمياً إلى الولايات المتحدة. فقد أكّد مركز السيطرة على الأمراض في مؤتمرٍ صحفيٍ الثلاثاء الماضي عزل رجلٍ في الثلاثينيات من عمره -لم تكشف عن اسمه- في مركزٍ طبّي في واشنطن، بعد التأكد من إصابته بالفيروس. وقد كان ذلك الرجل قد عاد مؤخراً من رحلةٍ إلى مدينة ووهان في الصين؛ حسب ما أوردته شبكة سي إن إن.

يُعرف هذا المرض محلياً باسم «فيروس ووهان التاجي» بسبب شكلها الذي يشبه التاج تحت المجهر، ولا تزال حيثيات هذا المرض غير مفهومةً جيداً، لكن يبدو أنه يغيّر شكله بسرعة. يشير العلماء إلى الفيروس باختصار «2019-nCOV» حالياً، ولا يوجد له اسمٌ رسمي بعد. [المترجم: أطلقت منظمة الصحة العالمية على الفيروس اسم «كورونا نوفل»]. إليك هنا كل ما تحتاج معرفته عن هذا الفيروس.

نحن مستعدّون، والصين كذلك

قالت مديرة المركز الوطني للتحصين وأمراض الجهاز التنفسي، نانسي ميسونييه، خلال مؤتمرٍ صحفي الثلاثاء الماضي: «لقد اتخذ مركز السيطرة على الأمراض كافّة الإجراءات الاحتياطية تحسباً لوصول المرض إلى الولايات المتحدة». وأضافت أنّ المركز طوّر اختباراً سريعاً للفيروس، وتم البدء بالفعل بفحص الأشخاص القادمين في مطاراتٍ محددة في الولايات المتحدة، إلا أنّ هذه الحالة يمكن أن تتطور، مشيرةً إلى توقّع ظهور المزيد من الحالات في الولايات المتحدة.

وبالرغم من وصول المرض إلى عدّة بلدانٍ خارج الصين، إلا أن مسؤولي الصحّة قلقون من احتمال انتشار المرض في الصين نفسها حالياً. وحتى الآن، يقول المسؤولون الصينيون إن أكثر من 500 شخص في البلاد أصيبوا بالمرض وتوفي 19 شخصاً على الأقل بسببه [المترجم: وصل عدد المصابين إلى نحو 2000 حالة، ووفاة 56 شخص وقت نشر هذا التقرير]. وما يثير قلق المسؤولين تحديداً هو الاحتفالات التي ستُقام بمناسبة دخول السنة القمرية الجديدة نهاية هذا الأسبوع، حيث ستزيد هذه الاحتفالات من احتمال انتشار المرض بسرعةٍ أكبر. حيث من المتوّقع أن يسافر 3 مليارات شخصٍ عبر العالم للاحتفال بهذه المناسبة خلال هذه العطلة فيما يُعرف بأكبر «هجرةٍ بشرية» سنوية في العالم. تقول كاثرين ماسون، عالمة الأنثروبولوجيا الطبية بجامعة براون: «إن توقيت انتشار المرض يزيد احتمال انتشاره إلى حدٍّ كبير ويجعل منه كابوساً وبائياً». [المترجم: ألغت الصين هذه الاحتفالات كإجراء وقائي للحد من انتشار المرض].

ويقول إيان ليبكين، عالم الأوبئة بجامعة كولومبيا: «إذا سافر شخصٌ مصاب من ووهان إلى مكان آخر، يمكن أن يتسبب ذلك بإحداث مواقع ثانوية أخرى تنتشر منها للعدوى، ويمكن أن يسهم ذلك في انتشار المرض بسرعةٍ أكبر». وقد اتخذت مقاطعة ووهان إجراءاتٍ عاجلة لمنع انتشار المرض خارجها، مثل تعليق الرحلات الجوية، وإيقاف رحلات القطارات خارج المدينة، وطلبت من السكان عدم السفر دون الحاجة لذلك. كما قامت السلطات في المقاطعة بتركيب العشرات من موازين الحرارة التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء في منافذ السفر، كي يصبح بالإمكان التعرّف على المسافرين الذين من المُحتمل أن يحملوا الفيروس. وقد أكّدت الحكومة الصينية الإثنين الماضي أن المرض يمكن أن ينتقل من شخصٍ للآخر، لكن كيفية انتقاله غير واضحةٍ حتّى الآن.

قد يشير ارتفاع درجة حرارة الجسم التي ترافق أعراض الالتهاب الرئوي، وأمراض الجهاز التنفسي السفلي الأخرى إلى الإصابة بالفيروس، ولكنها قد تكون ناجمةً عن الإصابة بالانفلونزا العادية نظراً لتزامن موسم الانفلونزا هذه الأيام، مما يجعل تحديد الأشخاص المصابين بفيروس كورونا أكثرَ صعوبةً.

ويفيد تقرير مركز السيطرة على الأمراض بأنّ الأعراض لدى الكثير من المصابين بسيطةٌ عموماً، ويمكن تشخيص الحالة بسهولة. وبالرغم من الإبلاغ عن أعراضٍ شديدة للمرض أدّت للوفاة في بعض الحالات في الصين، إلا أن غالبية المرضى كانت الأعراض خفيفةً لديهم وتعافوا من المرض سريعاً.

ما يزال المجتمع الصحي العالمي، بما فيهم مسؤولو مراكز السيطرة على الأمراض والمسؤولون الصحيون الصينيون، يبذلون الجهود لفهم آلية انتقال وعمل هذا الفيروس الجديد، لكننا نعلم أنّه ينتمي إلى عائلة الفيروسات التاجية «coronaviruses»، أو عائلة فيروسات كورونا. وهي نفس مجموعة الفيروسات التي تصيبنا بنزلات البرد الحميدة نسبياً، ولكنّها تشمل أيضاً فيروس متلازمة التنفّس الخبيث «السارس»، وفيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية الوخيمة «MERS». وعموماً، يمكن أن يسبب فيروس كورونا أعراضاً تصيب الجهاز التنفسي مثل السعال، سيلان الأنف، الصداع، والشعور بالتعب. بينما يمكن أن تتطور الأعراض لتصبح أشد، وتتسبب بحدوث التهابٍ رئوي وحمّى خطيرة.

تصيب عائلة فيروسات كورونا العديد من الأنواع بما فيها الإنسان والخفّاش (الذي يُعتقد أنه مصدر فيروس السارس) والجمال (التي يُعتقد أنها مصدر فيروس حمّى الشرق الأوسط). حيث تستضيف الحيوانات العديد من الفيروسات التاجية التي لم تصل بعد إلى البشر، ويشعر مسؤولو الصحة العامة بالقلق عموماً من احتمال انتقال الفيروسات إلى البشر في أي وقت. يقول لاركين: «ربما يوجد مليون فيروس لم يُكتشف بعد». [المترجم: أكدت السلطات الصينية ومنظمة الصحة العالمية أن الفيروس يمكنه الانتقال من الحيوانات إلى البشر، ومن شخص لآخر خاصة في أماكن الرعاية الصحية، والأماكن المكتظة والضيقة].

درست ماسون كلاً من ردّة فعل الحكومة الصينية والاستجابة العالمية لتفشي السارس عام 2003، وهو فيروسٌ آخر من عائلة فيروسات كورونا تسبب في حدوث جائحةٍ وبائية حين تفشى مرض السارس عام 2003، وأصاب أكثر من 8000 شخص في جميع أنحاء العالم، وتسبّب بوفاة 774 شخصاً، أي بمعدل وفياتٍ يزيد عن 9% من الإصابات. بينما يُقدّر معدّل الوفيات الناجمة عن الإصابة بالانفلونزا الموسمية بنحو 0.1% أو أقل.

أثار سلوك الحكومة الصينية المخاوف حين انتشار فيروس السارس، فقد نفى المسؤولون هناك وجود جائحةٍ وبائية أطول فترةٍ ممكنة، ولم يُظهرو التعاون المطلوب مع المجتمع الدولي لإدارة المرض. لكن ماسون تقول إن الأمور مختلفةٌ اليوم.

تقول ماسون في كتابها الذي يوثّق حادثة انتشار فيروس السارس في الصين؛ كيف أنّ الحكومة الصينية أعادت تنظيم قطاع الصحّة بالكامل لديها؛ ليرّكز على التعامل مع الأمراض الوبائية في أعقاب تفشي مرض السارس: «لقد حدثت تغيراتٌ كثيرة منذ 19 عاماً وحتّى الآن، لقد باتت الصين اليوم أكثر استعداداً للتعامل مع العدوى، ويبدو أن الحكومة المركزية في الصين تحاول التعاون مع المجتمع الدولي لمواجهة الفيروس الجديد». وتضيف ماسون: «لا أرى أي دليلٍ على أنّ الرئيس الصيني، أو أيّ مسؤولٍ عالي المستوى يحاول إخفاء الحقائق حول المرض».

ومع ذلك، كانت التقارير حول المرض في الأسابيع القليلة الماضية غير منتظمة وعشوائية. تقول: «أعتقد أن الحصول على هذه المعلومات أكثر تعقيداً مما يعتقده الناس فعلاً. إنه موسم الأنفلونزا في الصين عموماً، وسيكون من الصعب جداً التمييز بين من يعاني من نزلة بردٍ عادية وبين من لديه فيروس كورونا الجديد».

بالإضافة إلى ذلك، يحتاج موظفو قطاع الصحة بعد ذلك إلى معرفة من الذي يجب عليه إرسال المعلومات، وإلى أين، ومتى ينبغي إرسالها. في الواقع؛ تلك أسئلةٌ قد تبدو بسيطةً، لكنّها قد تأخذ وقتاً طويلاً في دولة فيها الكثير من القيود الصارمة على المعلومات، يُتّبع فيها التسلسلات الهرمية البيروقراطية.

كل هذا يعني أنه قد يكون من الصعب الحصول على معلوماتٍ دقيقة، وفي الوقت المناسب لبيان الوضع بجلاء. وتقول ماسون: «يبالغ الناس هناك في اتباع القوانين التي تفرضها سلطات الحكومة المركزية، فيما يتعلق بشيء من هذا القبيل».

أخيراً، اجتمع مسؤولو منظمة الصحة العالمية يوم الأربعاء الماضي لتقييم الوضع والاستجابة الدولية. في الوقت الحالي، توصي منظمة الصحة العالمية بالاحتياطات الأساسية فقط؛ غسل اليدين بشكل متكرر، تجنّب الاحتكاك بالحيوانات البريّة الحية والميتة وفي المناطق الموبوءة، وتجنب الاتصال بالأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض العدوى التنفسية الحادة. ولكن قد تعتبر تدابير السلامة الأخرى ضرورية مع تزايد معرفتنا بالمرض ومع استمرار انتشاره.

المحتوى محمي