لماذا يهرع الناس لتخزين المناديل الورقية وقت الأزمات؟

3 دقائق
المنتجات الورقية

ذهبت قبل أيام قليلة إلى متجر «كوستكو» المحلي لشراء بعض المناديل الورقية، خاصة النواع المخصص للحمامات، لكنّي تفاجئت بعدم وجود أي كمّية، حتى ولو كيس واحد. لقد نفذت المناديل من المتجر.

في الواقع، تسبب الذعر الناجم عن انتشار فيروس كورونا في دفع الناس في جميع أنحاء الولايات المتحدة -والعالم- لشراء العديد من المنتجات المنزلية بكمياتٍ كبيرة بغرض تخزينها، مثل المناديل الورقية وأدوات التنظيف وغيرها.

قد يكون منطقياً بالنسبة لي إلى حدٍ ما نفاذ الأقنعة الواقية، أو معقّمات ومطهرات اليد بسبب وباء كورونا، لكنّ نفاذ المناديل الورقية من المتاجر دفعني للتساؤل عن سبب قيام الناس بشرائها بهذه الكميات وتخزينها، رغم أنّه يُنتج بكمياتٍ وفيرة، ولا يفيد في الوقاية من فيروسات الجهاز التنفسي مثل فيروس كورونا. كما أن أسعار هذه المنتجات زادت كثيراً حتّى وقعت بعض حوادث السطو المسلح في هونج كونج، حيث كان الهدف منها سرقة المناديل الورقية.

بصفتي باحثاً اقتصادياً، فقد أدهشني تدافع الناس لشراء وتخزين تلك المواد، حيث يتم إنتاجها دائماً حتى وقت الأزمات.

شراء الهلع عبر التاريخ

في الحقيقة، تخزين المناديل الورقية، خاصة التي تستخدم للحمامات، لها تاريخ واقتصاد غريبان. فالتدافع لشرائها وتخزينها بهذا الشكل ليس جديداً. ففي عام 1973، أفرغ المستهلكون الأميركيون رفوف المتاجر من المنتجات لمدة شهرٍ، بسبب بعض الشائعات والمخاوف، وبعض المزاح.

في ذلك الوقت، كان الأميركيون قلقون بالفعل من نقص إمدادات البنزين والكهرباء، وحتّى الخضروات مثل البصل. وقد صدر بيانٌ من الحكومة الأميركية يحذّر المواطنين فيه من احتمال حدوث نقص في المناديل الورقية. البيان نفسه لم يتسبّب في إثارة ذعر شراء المناديل الوقية، لكن «جوني كارلسون» -المذيع التلفزيوني الشهير آنذاك- كان يقدّم برنامجاً مسائياً تحدّث في افتتاحية برنامجه مازحاً عن أزمة المناديل الورقية التي تلوح في الأفق. الأمر الذي لم يعتبره الناس مزاحاً، وأخذوا كلامه على محمل الجد، وبدأوا بتخزين ما أمكنهم منها.

لم يكن الأميركيون فقط هم من اندفعوا مذعورين لشراء المناديل الورقية وتخزينها، فقد حدث أمرٌ مماثل في فنزويلا عام 2013، عندما عانت من نقص إمدادات المناديل الورقية، نتيجة انخفاض الإنتاج، مما دفع الحكومة للاستيلاء على المصنع في محاولةٍ منها لضمان المزيد من الإمدادات، وتهدئة المواطنين الغاضبين، لكنّها فشلت في ذلك.

100 لفّة في السنة

يستخدم الشخص العادي في الولايات المتحدة حوالي 100 لفّة من المناديل الورقية الخاصة للحمامات سنوياً. فلو افترضنا أنّ معظمها كان يأتي من الصين، فقد تحدث مشكلة ضخمة في إمدادها في الوقت الحالي، لأنّ سلسلة التوريد من الصين تضررت بشدّة جرّاء جائحة كورونا. لكّن الولايات المتحدة تستورد القليل من المناديل الورقية للحمامات بنسبة حوالي 10% من حاجتها، كما تُظهر أرقام عام 2017، ومعظم ما تستورده يأتي من كندا والمكسيك.

تنتج الولايات المتحدة كمياتٍ كبيرة من المناديل الورق للحمامات منذ أواخر القرن التاسع عشر. وبالرغم من انتقال العديد من الصناعات، مثل صناعة الأحذية، إلى خارج البلاد، إلا أن صناعة المناديل الورقية للحمامات أصبحت متمركزةً في الولايات المتحدة. هناك ما يُقارب 150 شركة أميركية تصنع هذا المنتج في الوقت الحالي.

لماذا يخزّن الناس منتجاً متوفراً دائماً إذاً؟

عانت أستراليا في الآونة الأخيرة من ظاهرة «شراء الهلع»، حيث اندفع النّاس لشراء كميات كبيرة من المناديل الورقية الخاصة للحمامات من أجل تخزينها، رغم وجود وفرةٍ في الكمية المعروضة محلياً. وقد أوضح خبيرٌ في المخاطر سبب ذلك بقوله: «في الواقع، تخزين المناديل الورقية هو فعلٌ لا يكلّف الكثير من المال نسبياً، والناس يميلون للاعتقاد بأنهم «يفعلون شيئاً ما» عندما يشعرون بالخطر».

يُعتبر هذا التصرّف مثالاً على السلوك الاجتماعي المعروف بـ «الانحياز لانعدام المخاطرة»، والذي يُعرف بأنّه تفضيل الناس محاولة القضاء على نوعٍ واحد من المخاطر الصغيرة المحتملة كُلياً، بدلاً من القيام بشيء من شأنه تقليل المخاطر الكُلية بمقدارٍ أكبر.

كما أنّ تخزين المواد يُشعر الناس بالأمان. هذا السلوك مهمٌ عندما يواجه العالم مرضاً جديداً لا يمكننا السيطرة عليه تماماً، ولكّن يمكننا السيطرة على أشياء مثل توفير ما يكفي من المناديل الورقية للحممات في حالة الحجر الصحي الإلزامي.

ومن المحتمل أنّ تخزين الموادِ قد يكون موجوداً في جيناتنا منذ القدم. في الواقع هناك العديد من الحيوانات ما تزال تخزّن الغذاء لاستخدامها في الأوقات الصعبة مثل؛ الطيور والسناجب وغيرها.

هل هناك طريقة لمعالجة نقص المنتجات؟

هناك عدّة طرقٍ للتعامل مع هذه المشكلة، خصوصاً التي تنجم عن تخزين الناس للمنتجات. أفضل طريقةٍ لمعالجة ذلك هي إقناع الناس بالتوقف عن فعل ذلك، خصوصاً مع المنتجات الوفيرة مثل المناديل الورقية. إلا أن المنطق يفشل غالباً عند التعامل مع القضايا العاطفية.

من الطرّق الأخرى المُتبعة هي تقنين البيع. حيث تخصص الحكومات رسمياً مقداراً محدداً من السلع لكل عائلة. لقد استخدمت الولايات المتحدة التقنين خلال الحرب العالمية الثانية لتخصيص كمياتٍ محددة من البنزين والسكر، وحتى اللحوم لكلّ شخص. بينما قامت الصين بتقنين الكثير من السلع بما في ذلك الغذاء والوقود والدراجات حتى تسعينيات القرن الماضي.

في بعض الأحيان تقوم المتاجر بفرض تقنين غير رسمي. حيث تقوم بمنع الزبائن من شراء كل ما يريدون. متجر مثل كوستكو الذي ذهبت إليه لشراء المناديل الورقية؛ قام بتعليق لافتة تشير إلى أن كل شخص مسموح له شراء 5 أكياس فقط من المناديل الورقية.

تقوم الاقتصادات الحديثة على ثقة المستهلك، لكّن جائحة فيروس كورونا تحطّم هذه الثقة. يفقد الناس الثقة في أنّهم سيكونون قادرين على الذهاب إلى المتاجر والحصول على ما يحتاجونه في أي وقت، وذلك ما يدفعهم لتخزين الكثير من المنتجات؛ مثل المناديل الورقية.

في الوقت الذي تنصح الحكومة مواطنيها التحضّر لانتشار وباء كورونا لمدّة أسبوعين من خلال تخزين ما يكفي من المنتجات والأغذية التي تكفي لهذه المدّة، لا يعود هناك حاجةٌ لتخزين المنتجات، خصوصاً تلك التي من غير المرجّح أن يحصل نقصٌ في إمداداتها.

تم نشر المقال في موقع ذا كونفيرسيشن

المحتوى محمي