مع انتشار فيروس كورونا في الصين والعالم، تواجه الولايات المتحدة مجدداً وباءاً عالمياً. فقبل خمس سنوات، عندما أصاب فيروس إيبولا 28 ألف شخص وانتشر في 10 بلدان، فوجئ الكثير بأنّ 4 حالاتٍ قد شُخّصت على الأراضي الأميركية.
بناءاً على بحثٍ أجريته ضمن جهودي لتأليف كتابٍ عن أزمة انتشار مرض إيبولا، وما حصل من تحامل ضد مجموعاتٍ معينة من الأشخاص المرتبطين بها، أخشى أن يتصوّر الأميركيون أن المُلام في انتشار فيروس كورونا المستجد الأخير هم المهاجرون، بدلاً من توجيه الاهتمام نحو الفيروس نفسه.
هناك أسبابٌ تدعو للقلق فعلاً. فمنذ اكتشاف الحالة الأولى في الصين في ديسمبر/ كانون الأول 2019، أصاب الفيروس نحو 80 ألف شخصٍ، بينهم 30 شخصاً في الولايات المتحدة.
يمكننا أن نتنبأ من خلال تجربة الولايات المتحدة السابقة في مواجهة الأوبئة، بأنّ هذا التفشي في الولايات المتحدة سيعقبه زيادة الإهتمام العام الموّجه نحو المهاجرين إليها من الصين، نظراً لأنه عادةً ما تتركّز الأنظار على البلد الذي ينشأ فيها المرض خلال الفاشيات، وعادةً ما يتم تجاهل المشاكل المعقّدة التي يواجهها المهاجرون جرّاء ذلك.
في كثيرٍ من الأحيان تتجلّى المشاكل في هذا الصدد بتوجيه اللوم للمهاجرين. فقد اشتكى طلاب صينيون في جامعة كاليفورنيا بيركلي في كندا، على سبيل المثال، من منشورٍ عنصري للجامعة على انستاجرام يشجّع على كراهية الأجانب بعد انتشار أنباء تفشّي فيروس كورونا. حذفت الجامعة بعد احتجاجاتٍ قام بها الطلاب المنشور.
كما ذكرت آنفاً، وبناءاً على بحثٍ قدمته في كتابي «الأوبئة العالمية، التداعيات المحلية: المهاجرون من أفريقيا وأزمة الإيبولا في دالاس»، يمكن أن توفّر لنا تجربة المهاجرين من إفريقيا خلال أزمة وباء إيبولا عام 2014 دروساً مهمة حول ما يجب أن تكون عليه استجابة الولايات المتحدّة ومواطنيها للمهاجرين في أزمة انتشار وباء كورونا الجديد.
هذا لا يعني أن فيروس إيبولا وفيروس كورونا الجديد متشابهان. لكّن هناك جوانب مهمّة من تجارب المهاجرين من أفريقيا خلال أزمة إيبولا، والتي يمكن أن يستفيد منها الأميركيون في الموقف الحالي من المهاجرين الصينيين في صدد انتشار وباء كورونا.
الخوف والقلق الذي يعانيه المهاجرين على أحبتهم في الوطن
يميل العامّة إلى تجاهل المخاوف والأذى النفسي التي يصيب المغتربين، الذين يرون كيف تنتشر الأوبئة تنتشر في بلدانهم الأصلية. والبعض منهم يعيشون هذا الألم مباشرةً عندما تحدث الفاشية أثناء سفرهم إلى بلدانهم الأصلية. فخلال أزمة وباء إيبولا، عاين المهاجرون الأفارقة الذين كانوا يزورون بلدانهم الواقعة في غرب أفريقيا الاضطرابات الاجتماعية التي تلت تفشي المرض، وشهدوا ارتفاع عدد الوفيات، وخافوا كثيراً من احتمال إصابتهم بالفيروس المميت.
في أحيانٍ أخرى، عانى المهاجرون من الاضطرابات الوجدانية رغم عدم سفرهم وبقائهم في الولايات المتحدة. فقد أظهر بحثي، وخلال تفشي وباء إيبولا، أن من بقي من المهاجرين في الولايات المتحدة عانوا من تجارب عاطفية سيئة أيضاً. فبالرغم من أن تقنيات الاتصال الحديثة سهّلت تواصل المهاجرين مع أحبائهم في بلدانهم الأصلية، إلا أنّها نفسها كانت توّفر قنواتٍ تعرض من خلالها مظاهر وآثار تفشي المرض في الخارج.
لقد خلقت أنباء الوفيات المتزايدة شعوراً بالعجز لدى أسر المهاجرين في الولايات المتحدة الذين باتوا يعلمون بعدم إمكانية سفرهم إلى بلدانهم الموبوءة. وفي الوقت نفسه، كانوا يشعرون بالذنب إزاء عدم قدرتهم على المشاركة في طقوس دفن موتاهم العرفية.
الأسوأ: إلقاء اللوم على المهاجرين
بالإضافة إلى الخوف والشعور بالذنب، غالباً ما يواجه المهاجرون قدراً كبيراً من اللوم. خلال أزمة الإيبولا، أدت ردود الفعل السلبية التي أبداها الأميركيون، الذين نشروا رسوماً كاريكاتورية تصوّر المهاجرين بأنهم يحملون وينشرون المرض، أدّت لزيادة الضغوط والخوف لدى المهاجرين. على سبيل المثال، سمع الكثيرون تعليقاتٍ ورواياتٍ عنصرية مثل؛ ميل المهاجرين من أفريقيا لتقبيل جثث وفيات الإيبولا، وعاداتهم في أكل الحيوانات الغريبة.
في الموقف الحالي مع انتشار فيروس كورونا، بدأنا بالفعل نشهد تصاعداً في كراهية الأجانب، وتكراراً للصورة النمطية العرقية عن تناول الصينيين للحوم الحيوانات الغريبة، لربط الممارسات الثقافية المُفترضة للمهاجرين الصينيين بانتشار الفيروس.
في الواقع، ردود الفعل السلبية هذه ليست جديدةً. وهي تشبه ردود الفعل الشعبية التي انتشرت في السابق تاريخياً، مثل إلقاء اللوم على اليهود الروس أثناء جائحة التيفوئيد عام 1892، وعلى الإيطاليين عند انتشار شلل الأطفال عام 1916.
إن اتهام المهاجرين ولومهم بأنهم المسؤولون عن انتشار الأوبئة لا يسهم في مكافحتها إطلاقاً، بل تؤدي إلى نتائجَ عكسية لأنها تتسبب بالفشل في دمج المهاجرين ضمن جهودٍ أوسع لمكافحة انتشار المرض.
كيف يمكن أن يساعد المهاجرون في جهود مكافحة انتشار المرض؟
تُعتبر مجتمعات المهاجرين خطّ دفاعٍ مهمٍ لاكتشاف ومراقبة ومنع انتشار المرض، كما شرحتُ ذلك في كتابي. لقد شملت هذه الاستراتيجيات، في حالة جائحة إيبولا، تطوير استراتيجياتٍ لمنع انتشار الفيروس، وتحسين واقع الصحة العامة في أوساط المهاجرين من إفريقيا بعد اكتشاف أول حالةٍ في الولايات المتحدة.
من ضمنها؛ إصدار الجاليات الافريقية مبادراتٍ تحث مواطنيها على عدم السفّر إلى البلدان المتأثرة بالفيروس. كما عملت على تطوير أنظمةٍ تشجّع الأفارقة العائدين من بلدانهم على الالتزام بفترةِ الحجر الصحي، التي تطلبها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.
إلى جانب هذه الإجراءات، اتخذ المهاجرون خطواتٍ عمليةٍ أخرى للحد من انتقال الفيروس من شخصٍ لآخر، ودعموا الجهود المبذولة لمعالجة آثار المرضِ في الخارج أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، شجّع المهاجرون الممارسات الصحية مثل؛ غسل اليدين بشكلٍ متكرر باستخدام المحاليل التي تحتوي الكلور وأوصت بتخفيف الضوابط الإجتماعية مثل مصافحة الايدي. واستكملت هذه الإجراءات بجهود للمساعدة في تعقّب وتحديد الأشخاص الذين قد يكونون على اتصال مع الأشخاص المصابين.
وبناءً على هذه المبادرات أيضاً، تعاونت مجتمعات المهاجرين مع الشركات المحلية والمؤسسات الرئيسية الأخرى لرعاية الأسر المتأثرة بالإيبولا، وقدّمت المساعدة للمنظمات الإنسانية العاملة في مكافحة انتشار الأمراض في غرب أفريقيا.
عندما يستجيب مجتمعٌ ما لوباءٍ ما بإلقاء اللوم على المهاجرين ووصفهم بأنهم المتسببين بانتشاره، فإنها تفوّت الفرصة لبناء تحالفاتٍ استراتيجية لمنع انتشار الفيروسات. الآن وبعد تأكيد أول حالةِ انتقال فيروس كورونا المستجد من شخصٍ لآخر في الولايات المتحدة، أصبحت الحاجةُ ملحّةً أكثر إلى مثل هذه التحالفات.
في رأيي، يجب أن تستند استجابة مجتمعنا لمجتمعات المهاجرين الصينيين إلى أفعال مستنيرةٍ بالحقائق وليس الخوف. بدون مثل هذه الإجراءات، فإننا نجازف بالإخفاق في محاولاتنا لبناء المجتمعات المرنة المطلوبة لمنع حدوث حالة طوارئ صحية أكبر داخل حدودنا.