أصدرت خدمة الأرصاد الجوية في 25 مارس/ آذار الماضي إنذاراً من الدرجة الحمراء، لاحتمال اندلاع حرائق الغابات عبر آلاف الهكتارات الممتدة عبر 6 ولاياتٍ في الغرب الأميركي، بما فيها نيو مكسيكو وكولورادو ونبراسكا. لقد عملت درجات الحرارة العالية والرطوبة المنخفضة، والرياح القويّة على خلق ظروف مثالية لاشتعال حرائق الغابات.
الحرائق لم تندلع هذه المرة، لكن هذا الإنذار يعد بمثابة تذكير بأنه يمكن أن تصدر العديد من الإنذارات المشابهة في ربيع وصيف هذا العام. يقول خبراء الإطفاء أنه من السابق لأوانه معرفة مدى شدة حرائق موسم عام 2020، لكّن الظروف مهيأةٌ تماماً لاشتعال الحرائق. تشير توقّعات الجفاف التي تمتد للأشهر الثلاثة القادمة -التي تُصدرها الرابطة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي- أنّه من المحتمل أن يضرب الجفاف مساحات واسعة في الولايات المتحدة في ولايات كاليفورنيا، أوريغون، نيفادا، يوتا، أريزونا، نيو مكسيكو، وكولورادو، وستبقى تلك الظروف قائمة حتى أواخر يونيو/ حزيران القادم.
لكّن رجال الإطفاء سيواجهون تهديداً آخر غير مرئي في هذا الموسم، وهو فيروس كورونا. يقول المشرفون على الغابات أن الجائحة الحالية قد زادت من خطورة اندلاع الحرائق في هذا الوقت الحرج، مما دفع رجال الإطفاء والمسؤولين المحليين لوضع خطط جديدة لمكافحة الحرائق هذا الموسم.
ويقول مسؤولو الغابات أنّ الولايات لم يسبق لها التعامل مع حرائق الغابات في مثل هذه الظروف الحالية، حيث ينبغي إعداد خطط بديلة لكل جانبٍ من جوانب الاستعداد لحرائق الغابات ومكافحتها. يجب تحويل أماكن الدورات التدريبية وملاجئ الطوارئ إلى مناطق للعزل الصحيّ، كما يجب عدد تقليص الحرائق الوقائية المضبوطة.
تُعد الأساليب التي يعمل من خلالها رجال الإطفاء (الانتقال من إطفاء حريقٍ إلى آخر، والتخييم في مجموعات على الخطوط الأمامية) مثالية لانتشار عدوى فيروس كورونا. يقول «جريج جريفيث»، عضو مجلس إدارة الجمعية الوطنية للعاملين المتقاعدين من خدمة الغابات، الذي شغل منصب مدير المنطقة الجنوبية الغربية لدائرة الغابات وساعد في توجيه جهود مكافحة الحرائق الجوية: «لديك مجموعة من الأشخاص يأكلون ويعيشون معاً في مكان ضيّق نسبياً، أي في ظروفٍ صحيّة قد لا تكون مثالية. من المعروف أنّ ظروف عمل رجال الإطفاء واضطرارهم للتواصل الوثيق مع بعضهم قد يصيبهم مرض «المخيّم التنفسي» الذي ينتشر بسرعة كبيرة بينهم، وكذلك الأمر بالنسبة لفيروس كورونا باعتباره مرضاً تنفسياً».
في الوقت الحالي، تعمل وكالات الغابات الفيدرالية ووكالات الغابات على مستوى الولايات؛ على وضع إرشاداتٍ خاصة بشأن الوباء تدعو إلى التباعد الاجتماعي وغيرها من التدابير للمساعدة في الحدّ من خطر الإصابة بالمرض، أو نشره بين رجال الإطفاء. فقد ألغيت بعض الدورات التدريبية بالرغم من إمكانية نقلها عبر الإنترنت. يقول «جو رينارز»، ضابط الحوادث بدائرة الغابات الأميركية في بيان عبر البريد الإلكتروني: «كان من الواضح جدا أن أساليب تجميع أعدادٍ كبيرة من رجال الإطفاء لن تكون عملية مجدية في موسم الحرائق القادم».
يسابق المسؤولون الزمن لمعرفة كيفية حماية طواقم رجال الإطفاء من عدوى فيروس كورونا؛ في الوقت الذي ما يزالون فيه يحمون المجتمعات من حرائق الغابات الشديدة. كان أحد الحلول المُقترحة هي مكافحة الحرائق من الجو، لكّن تكلفة طائرات الإطفاء التي تستخدم مواد الإطفاء باهظة الثمن. على أية حال، لن يكون بمقدور الطريقة المُقترحة السيطرة على الحرائق بسرعةٍ وكفاءة دون تكامل عمل الطواقم الجوية والبريّة معاً؛ وفقاً لتعبير جريفيث.
وتتخذ بعض الولايات احتياطات إضافية. فمثلاً، تعمل نيو مكسيكو على تطوير بروتوكولات تلزم عناصر التوجيه الفيدرالي بتوجيهات حاكم الولاية، مثل إجراء الفحوصات الصحية لرجال الإطفاء قبل إرسالهم للعمل، وتعقيم الأدوات والمعدات يومياً، وتوفير وجبات فردية لكل رجل إطفاء على حدى.
تقول «لورا مكارثي»، مسؤولة الغابات في ولاية نيو مكسيكو: «نحتاج إلى توخي الحذر الشديد بحيث لا يكون لدينا رجال إطفاء مصابون بفيروس كورونا ولا تظهر عليهم الأعراض، وبالتالي يمكن أن ينقلوا العدوى للناس».
ولدى مكارثي ومسؤولين آخرين في نيو مكسيكو سببٌ آخر ليكونوا في حالة تأهب قصوى. في الواقع تُعد حرائق الغابات جزءاً طبيعياً من نظم الغابات البيئية في الجنوب الغربي، إلّا أن نيومكسيكو تحديداً تعرّضت لحرائق كبيرة جداً على مدة العقدين الماضيين، بما فيها حريق «سيرو جارندي» في مايو/ آيار عام 2000، والذي دمّر 235 منزلاً، وحريق «لاس كونشا» عام 2011 الذي أحرق 156 ألف فدّان من الغابات. تقول مكارثي: «تُمثّل الجبال المغطّاة بالصنوبريات شمال شرق سانتافيه -خليط من الأراضي الاتحادية وأراضي الولاية- أولوية قصوى بالنسبة لمشاريع خفض حرائق الغابات للحفاظ على سلامة عاصمة الولاية. تُصنّف الولاية من بين الولايات العشر الأكثر عُرضة لفيروس كورونا استناداً إلى عدة عوامل من بينها الاستعداد لحالات الطوارئ، وجودة نظام الرعاية الصحية، وعدد الأشخاص المعرضين لخطر كبير، وذلك وفقاً لتحليل أجرته شركة «إنّر بودي ريسيرش».
وقد أثّرت الجائحة الحالية حتى على الجهود المبذولة للحدّ من مخاطر حرائق الغابات. فقد أجّل مديرو الغابات الحرائق الوقائية المقررة في بعض المناطق لحماية الأطقم من الإصابة بالفيروس أو نشره. تهدف الحرائق الوقائية إلى إزالة قدر معيّن من وقود الحرائق الفعّال للحدّ من الحرائق حال اندلاعها. ومع توقّع خبراء الأرصاد الجوية صيفاً حاراً وجافاً في أجزاءٍ كثيرة من الجنوب الغربي وكاليفورنيا، يُحتمل نشوب حرائق كبيرة في المنطقة تتسبب بانبعاث سُحب دخانٍ كثيفة خانقة؛ تتجه نحو المدن التي تكافح أصلاً ضد فيروس كورونا.
يقول «كريستوفر كارلستين»، الذي يرأس قسم طب الأمراض التنفسية بجامعة كولومبيا البريطانية: «بدون شك؛ أعتقد أن الخطر سيزداد إلى درجةٍ كبيرة في الأماكن التي يمكن أن تعاني من فيروس كورونا، ودخان حرائق الغابات في نفس الوقت. حيث يتسبب كلّ من فيروس كورونا وسحب أدخنة حرائق الغابات بالتهاب الرئتين وصعوبة التنّفس. عادة تتكوّن أدخنة حرائق الغابات من غازاتٍ مُضرة جداً مثل ثاني أكسيد الكربون، وأكاسيد النيتروجين وأول أكسيد الكربون».
لذلك قد تُضطر المجتمعات المحلّية لمواجهة خطر مزدوج يشترك فيه فيروس كورونا وحرائق الغابات التي قد تندلع مع بداية الربيع، والتي قد تستمر حتّى الخريف القادم بسبب التغير المناخي.
حتى 8 أبريل/ نيسان، كانت هناك 4 حرائق نشطة في غابات أريزونا وواحدة في نيو مكسيكو، وذلك وفقاً لخريطة نشاط الحرائق في مركز التنسيق الجنوبي الغربي. في الواقع، تعتمد شدّة موسم حرائق الغابات أيضاً على تصرّفات السكّان المحليين ومرتادي الغابات. فقد أظهرت دراسة أجرتها الأكاديمية الوطنية للعلوم عام 2017 أن ما يقرب من 84% من حرائق الغابات في الولايات المتحدة بدأها البشر.
يقول «إيتان كراسيلوفسكي»، نائب مدير نقابة «فورست ستيواردز»، ومقرها في سانتا في: «مع وجود أعداد كبيرة من الناس الذين يعزلون أنفسهم في الطبيعة أثناء الجائحة الحالية، يجب أن يتحلى هؤلاء بحسّ المسؤولية الاجتماعية لتجنّب التسبب بحدوث الحرائق في المقام الأول؛ لأن الشيء الوحيد الذي علينا تجنّب حدوثه الآن هو اندلاع المزيد من حرائق الغابات، والتي ستحتاج لجهود أعدادٍ كبيرة من الطواقم لإخمادها».