كيف يؤثّر مؤشر كتلة الجسم على احتمال الإصابة بكوفيد-19؟

5 دقائق
مؤشر كتلة الجسم والإصابة بكوفيد-19
shutterstock.com/ Pormezz

في مارس/ آذار الماضي، ومع بدء بعض الولايات في منح لقاحات كوفيد-19 إلى الأشخاص الذين يعانون من حالات صحيّة سابقة، أدرك عدد كبير من الناس أنّهم مؤهلون لتلقّي اللقاح بسبب طولهم أو وزنهم فقط. وفقاً لمركز السيطرة على الأمراض؛ يُعتبر أي شخص له مؤشّر كتلة جسم فوق 25 (وهو الحد الذي يعتبره المركز حد الوزن الزائد) معرّضاً للإصابة بمرض كوفيد-19 الشديد. بحسب المركز، فإن الأشخاص الذين لديهم مؤشر كتلة جسم يتجاوز الـ 30 هم أكثر عرضةً أيضاً، ويُعتبر هؤلاء بدينين. يجدر الذكر أن 74% من سكان أميركا يعانون من الوزن الزائد، بينما يعاني 43% منهم من البدانة.

ضمن نظام صحي يعاني فيه الأشخاص زائدو الوزن من التمييز بشكلٍ اعتيادي، فإن تلقّي اللقاح باكراً يعدّ امتيازاً نادراً ومرحّباً به؛ لكن الخبراء يقولون أن هناك مشاكل ترتبط باعتبار البدانة أحد عوامل خطر كوفيد-19. ليس مستحيلاً فقط استنتاج أن مؤشر كتلة الجسم يتسبب بنتائج أسوأ للإصابة بكوفيد-19؛ بل فهذا هو أمر مضر بصحة الأشخاص زائدي الوزن.

ما هو مؤشّر كتلة الجسم؟

مؤشّر كتلة الجسم هو مقياس بسيط للغاية يبيّن العلاقة بين عاملين؛ هما: الوزن والطول. يمكنك حساب مؤشر كتلة جسمك الخاص عن طريق قياس وزنك (بالكيلوغرام) وتقسيم الناتج على مربّع طولك (بالأمتار)، هذا المقياس قديم بالفعل، وتم تطويره على يد «أدولف كويتيليت»؛ وهو فلكيّ ورياضيّ وعالم اجتماع بلجيكي، قبل 190 سنة في محاولته لحساب أبعاد «الإنسان النموذجي». بعد أكثر من قرن من ذلك، اكتشف علماء الأوبئة هذا المقياس بالصدفة، واستنتجوا أنه يمثّل نسبة الدسم في الجسم؛ وبالتالي أنه مقياس للصحة.

مع ذلك؛ يقول «غريغوري دودل»؛ أخصائي الغدد الصماء في عيادة «سنترال بارك اندوكرينولوجي» الخاصة في مدينة نيويورك: «لم يُطوّر هذا المقياس ليُستخدم كمؤشّر للصحة». بالإضافة لذلك؛ معلومات كويتيليت كانت محدودةً للغاية؛ إذ أنها كانت مبينة بشكلٍ حصري على قياسات أُجريت على رجال أوروبيين بيض. يضيف دودل: «لذا؛ تم استثناء مجال واسع من البشر من مختلف الخلفيات الوراثية والأعراق بشكلٍ واضح».

أقرأ أيضاً: وزنك يؤثر على عمرك، ولكن الأمر أكثر تعقيداً من ذلك

في يومنا هذا؛ يُعتبر من غير الصحّي -سواء من وجهة نظر المجتمع الطبي أم العوام- أن تكون بديناً وذو مؤشّر كتلة جسم مرتفع. في 2013، قررت «المؤسسة الطبية الأميركية» اعتبار البدانة مرضاً بشكلٍ رسمي؛ ولكن بفعل ذلك، فقد عارضت المؤسسة لجنة مستشاريها العلميين؛ والتي أقرت «بعدم وجود أية آثار مميزة أو أعراض للبدانة» وبغياب «الأدلة التي تبين علاقة سببية بين البدانة والإصابة بالأمراض و/أو الموت». (جدير بالذكر أن مصطلحات «البدانة» و«بدين» تعتبر مهينة للغاية من وجهة نظر بعض الناشطين والأكاديميين الذين يدرسون مشارع العار المرتبطة مع البدانة. يفضّل عادةً استخدام مصطلحات «سمين» و«مرتفع الوزن» لأنهما أقل قسوةً وأكثر موضوعيةً).

يجادل الخبراء الصحيون أن ارتفاع مؤشّر كتلة الجسم يرتبط بمجموعة من الحالات المرضية؛ مثل: مرض السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب؛ وهي أمراض تزيد خطر الإصابة بمرض كوفيد-19 الشديد.

مؤشر كتلة الجسم والإصابة بالأمراض وكوفيد-19

مع ذلك؛ تتحدّى مجموعة من الأبحاث هذا الارتباط؛ ومن ضمنها دراسات طويلة الأمد أُجريت على أعداد كبيرة من المشاركين. في إحدى الدراسات الجديرة بالذكر؛ والتي امتدّت لـ 19 عاماً، درس العلماء صحّة 14685 مشاركاً، وقسّموهم إلى مجموعات من «الأفراد الصحيين» و«الأفراد غير الصحيين» بناءً على ضغط الدم ونسب السكر والكولسترول والشحوم الثلاثية.

نُشرت نتائج هذه الدراسة في 2015 في دورية «أوبيسيتي»، وبيّنت أنه ليس هناك علاقة بين مؤشّر كتلة الجسم والإصابة بالأمراض القلبية أو السكتة الدماغية، أو بالوفاة. بيّنت النتائج وجود تأثير بسيط لمؤشر كتلة الجسم على احتمال الإصابة بالسكري؛ ولكن فقط عند الأشخاص من المجموعة الأولى. مع أن وزن المشاركين ازداد وسطياً خلال إجراء الدراسة التي دامت حوالي العقدين؛ إلّا أن مقاييس الصحة لم تتغير عندهم.

نظرت دراسة أخرى نُشرت في دورية «جاي أيه أم أيه» في 2016 في معدّلات الوفاة بين 2.88 مليون مشارك حول العالم، ووجدت أن الأشخاص في مجموعة «البدناء» هم عرضة للوفاة بنفس الدرجة مقارنةً بالأفراد الطبيعيين، بينما الأفراد في مجموعة «زائدي الوزن» كانوا أقل عرضةً للوفاة مقارنةً بالأفراد الطبيعيين.

العلاقة بين مؤشّر كتلة الجسم وخطر الإصابة بكوفيد-19 ليست واضحةً أو محسومةً أيضاً. تبين عدة دراسات أن الأشخاص الذين لديهم مؤشّر كتلة جسم أعلى هم أكثر عرضةً للدخول إلى وحدة العناية المركّزة نتيجة لمرض كوفيد-19، ولأن يحتاجوا استخدام أجهزة التنفس الاصطناعي ليظلّوا على قيد الحياة، وأكثر عرضةً للوفاة نتيجة للمرض. يبيّن بعض الأطباء أن زيادة الوزن وحدها تجعل علاج المرض أصعب. مثلاً؛ تراكم الدهون في الصدر يجعل التنفس أصعب، كما أن أجهزة التنفس الاصطناعي صُممت لأجسام أصغر؛ على الرغم من أن معظم الأميركيين زائدو الوزن.

وفقاً لـ «بولا بروشو»؛ عالمة نفس اجتماعي تدرس الانحياز والعار في جامعة «نوفا ساوثويسترن» في ولاية فلوريدا، فقد تضمنت معظم الدراسات التي نظرت في العلاقة بين مؤشر كتلة الجسم وكوفيد-19 عددا قليلاً نسبياً من المشاركين، كما أنها لم تأخذ بعين الاعتبار عوامل مثل الحالة الاقتصادية الاجتماعية، أو جودة العناية الصحية التي تلقّاها المرضى؛ وهما عاملان يؤثّران على خطر الإصابة بالمرض.

وفقاً لما كتبته برشو في رسالة إلكترونية، فالأدلة التي نملكها ليست كافيةً لرسم أي استنتاجات حاسمة، كما أن «نتائج الأبحاث في هذا المجال متضاربة ومتناقضة». وجدت دراسة أوسع أجريت على أكثر من 10000 محارب قديم ونُشرت في دورية «جاي أيه أم أيه نيتوورك أوبن» في سبتمبر/ أيلول الماضي، أن مؤشّر كتلة الجسم لا يرتبط بنتائج أسوأ لمرض كوفيد-19، كما وجدت دراسة أجريت على حوالي 7000 مشارك ونُشرت في دورية «ذا أنالز أوف إنتيرنال ميديسن» أن المشاركين الذكور الذين لديهم مؤشر كتلة جسم يتجاوز الـ 40 (وهي نسبة تقابل 8% فقط من سكان الولايات المتحدة)، عانوا من نتائج أسوأ للمرض.

يقول «جيفري هنغر»؛ عالم نفس صحيّ واجتماعي في جامعة ميامي يدرس الوصمة المرتبطة بالوزن: «هذا مجال بحثي متسارع التطوّر، لذا يجب توخّي الحذر في اعتبار الوزن إحدى عوامل الخطر»، ويضيف: «في نهاية المطاف؛ وبعد انتهاء الجائحة وتحصيل البيانات، فقد نستنتج وجود ارتباط بين الوزن وخطر كوفيد-19». يفيد هنغر أيضاً أن رسم هذا الاستنتاج بشكلٍ مبكّر قد يتسبب بالضرر للأشخاص زائدي الوزن.

تبين الأبحاث أن الوصمة المرتبطة بالوزن -أي الشعور بالتمييز بناءً على وزن الجسم- يرتبط بدوره بحالة عقلية وجسدية أسوأ. تدرس «توموكو أودو»؛ أستاذ مساعد في قسم سياسات الصحة والإدارة والسلوك في كلية الصحة العامة في جامعة ألباني، تأثير الوصمة المرتبطة بالوزن على الصحة، ووجدت أن الأشخاص الذين يعانون من هذه المشاعر هم أكثر عرضةً للإصابة بتصلّب الشرايين والأمراض القلبية غير الخطيرة والسكري، بغض النظر عن مؤشّر كتلة الجسم لديهم، ومستويات نشاطهم الجسدي وحالتهم الاقتصادية الاجتماعية.

وفقاً لهنغر؛ ليس بالضرورة أن تعاني من التمييز الصريح حتى تعاني من هذه الحالات؛ إذ أن الوصمة المرتبطة بالوزن تتضح من خلال الطريقة التي ننظر فيها إلى الأفراد زائدي الوزن. انتشرت اللغة المهينة كثيراً بشكلٍ خاص خلال الجائحة، يستشهد هنغر بصور الأشخاص السمينين مجهولي الهوية الذين يرتدون ملابس رثّة؛ والتي غالباً ما تصاحب مقالات حول خطر كوفيد-19 و«البدانة»، والمقالات التي «تندب» على زيادة الوزن التي انتشرت خلال الجائحة إلى جانب ازدياد نسب الإدمان على الكحول.

يقول هنغر: «إحدى الأفكار المتضمّنة في هذه النقاشات حول الوزن كعامل خطر لمرض كوفيد-19، هي أن البشر يستحقّون أن يعانوا من عواقب أكثر سوءاً بسبب المرض، لأنهم تسببوا بهذه الجائحة».

التمييز ضد الأشخاص مخيف أكثر من المرض

بالنسبة للبعض، التمييز مخيف أكثر من المرض بحد ذاته. تبين الأبحاث أن ارتفاع مؤشر كتلة الجسم يرتبط بانخفاض جودة الرعاية الصحية. ينصح القائمون على مشروع «لا أحد يُستغنى عنه» الأشخاص البدينين بتجهيز «عدّة تواصل» في حال احتاجوا زيارة المستشفى بسبب كوفيد-19 ولم يكونوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم.

يقترح موقع المشروع أن يحمل هؤلاء صورةً شخصيةً تبيّن إنسانيّتهم ومقدّمةً مختصرةً تتضمن عبارات مثل «منظّم مجتمعي»، أو «ابن لأحدهم». تكمن الفكرة في أن هذه الأمور ستجعل الخبراء الصحيين ينظرون إلى الأشخاص البدينين كبشر، وذلك ليمنحوهم رعاية صحية أفضل.

الخوف من الوصمة قد يجعل الأشخاص يتجنّبون الحصول على الرعاية الصحية. تقول «ماركيزيل مرسيدس»؛ طالبة دكتوراه في الصحة العامة النقدية في جامعة براون: «أنا سمينة، ومصابة بمرض كوفيد-19، لذا فأنا اتحدّث انطلاقاً من خبرتي: من الصعب للغاية أن أجعل أحداً ما يأخذ مخاوفي الصحية على محمل الجد»، وتضيف: «إذا أصيب شخص سمين بمشكلة ما، فستُعتبر هذه المشكلة ناتجةً عن وزنه، وليس أي شيء آخر».

وفقاً لهنغر؛ عندما ندرس مؤشّر كتلة الجسم ونفشل في أخذ عوامل الوصمة المجتمعية وجودة الرعاية الصحية بالاعتبار، فستكون دراستنا قاصرةً؛ إذ يقول: «إذا لم نأخذ هذه العوامل بعين الاعتبار، وإذا لم نقيسها، فسنجد بالطبع أن الوزن مرتبط بعواقب أسوأ لمرض كوفيد-19، وأن العلاقة بينهما مباشرةً».

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً

المحتوى محمي