ماذا يخبرنا فيروس كورونا الجديد عن الأمراض المعدية الناشئة؟

4 دقائق
فيروس كورونا, فيروس إيبولا, فيروسات, أمراض معدية
وحدة علاج فيروس إيبولا في نزيريكوري — مصدر الصورة: UNMEER/ فليكر

فيروس كورونا الجديد عبارة عن كائناتٌ مجهرية سريعة التغير، وتتكاثر بكمياتٍ هائلة وتنجح في التكيف بالبيئات الجديدة وإصابة مضيفين جددٍ باستمرار. لذلك هي قادرةٌ على الانتقال من الحيوان إلى الإنسان بسهولة، كما يُظهر فيروس كورونا الجديد الذي انتشر مؤخراً في الصين.

تشير التقديرات أنّ 89% من عوائل الفيروسات التي تتكوّن مادتها الوراثية من الحمض النووي الريبوزي «RNA»، أو ما يُعرف بفيروسات الرنا، تنشأ في الحيوانات أصلاً. أي أنها تنشأ في الحيوانات في البداية ومن ثمّ تنتقل إلى البشر لتصيبهم بشتّى الأمراض. تُشتهر هذه الفيروسات بسمعتها السيئة نظراً إلى مقاومتها الشديدة، وقدرتها على التحوّر والتكيف في مجالٍ واسعٍ من البيئات. تشمل هذه المجموعة فيروساتٍ مثل فيروس إيبولا، حمّى النيل الغربي، والحصبة، ونزلات البرد الشائعة.

كما تضم فيروس «السارس» الذي تفشّى في آسيا عام 2003، وكذلك هو الحال بالنسبة لفيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية الوخيمة اختصاراً «كورونا ميرس» (MERS‐CoV) الذي تم التعرّف عليه أول مرّة في المملكة العربية السعودية عام 2012. كلا الفيروسين مصدرهما الحيوانات. يُعتقد أن فيروس السارس -بالرغم من أنه لم يُؤكد ذلك بعد- مصدره الخفافيش، بينما تُعد الجِمال مصدر فيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية الوخيمة (ميرس). وعموماً، قُدرت نسبة الوفيات بمرض السارس بنحو 10% من المصابين به، بينما تُقدّر النسبة بحوالي 35% من المصابين بفيروس ميرس.

تم التعرف على 8 فيروسات من عائلة الفيروسات التاجية «HCoVs» تصيب الإنسان حتّى الآن، اثنان منها في ستينيات القرن الماضي، و5 منذ ظهور فيروس سارس عام 2003، وأخيراً الفيروس الجديد (فيروس كورونا) الذي بات يتصدّر عناوين الأخبار في أنحاء العالم كافّة.

الفيروس الجديد

في ديسمبر/ كانون الأول 2019، أُصيب عددٌ من الأشخاص بالمرض الذي تأكد سريعاً أنه فيروس كورونا الذي تم التعرف عليه حديثاً، وقد أُطلق عليه مؤقتاً اسم «كورونا نوفل» 2019-nCoV. حالياً، يُشتبه أن الفيروس انطلق من أحد أسواق المأكولات البحرية في مدينة ووهان (لكن لم يتم التأكد من ذلك بعد) [المترجم: كافة المصادر من داخل الصين تؤكد أن المدينة هي أول مدينة يظهر فيها فيروس كورونا]، ويقع السوق على بعد حوالي 112.6 كم جنوب بكين، وقد أُغلق منذ 1 يناير/ كانون الثاني 2020.

وقد أعلنت منظمّة الصحة العالمية في 26 من الشهر الجاري عن 2014 حالة إصابة مؤكدة مخبرياً بفيروس كورونا نوفل، وعن حدوث 56 حالة وفاة[المترجم: هذاا لرقم سيتغير بمرور الوقت لأن أعداد الوفيات ستزداد خاصة في الصين]. وانتشر الفيروس، بفضل سهولة السفر، إلى 5 دولٍ أخرى مثل، تايلاند، اليابان، كوريا الجنوبية، تايوان، والولايات المتحدة. أما في القارة الأفريقية، فقد أعلنت السلطات الصحية في ساحل العاج في 27 الشهر الجاري أنها تتحقق من حالةٍ شخصً يُشتبه بإصابته بالفيروس، كان قد عاد للتوّ إلى البلاد قادماً من الصين في نهاية الأسبوع.

وكما هو الحال مع الفيروسات التي تتبع العائلة التاجية، فإنّ فيروس كورونا نوفل نشأ لدى الحيوانات في البداية. ويبدو أنه نوعٌ من الفيروسات التي تُعرف باسم الفيروسات «المؤتلفة»، بالرغم أنه من المبكّر جداً تأكيد ذلك. وذلك يعني أنّه يحمل المادة الوراثية لكلٍّ من الخفافيش والثعابين، مما قد يشير إلى أنّه انتقل من الخفافيش إلى الثعابين، ومن ثمّ إلى البشر.

تُعتبر عائلة فيروسات كورونا مسؤولةً عن طيفٍ واسع من أمراض الجهاز التنفسي والأمعاء والكبد والأعصاب لدى الحيوانات. ومع تقدّم التقنيات المخبرية. عُزل أول فيروسين منها في الستينيات لدى البشر وهما (HCoV-229E, HCoV-OC43). وكانت حينها مسؤولةً عن التسبب بالتهابات الجهاز التنفسي العلوي، التي تتسبب بظهور أعراضٍ خفيفة مشابهة لأعراض نزلات البرد. لذلك لم يُرصد انتشار هذه الفيروسات لدى البشر، ولم تُطور أية لقاحاتٍ أو أدويةٍ لعلاج الأمراض الناجمة عنها.

بعد ذلك، وبعد تفشّي متلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة في الصين في عام 2003، السارس، تم تحديد 5 فيروسات تاجية إضافية تُصيب البشر وهيّ: SARS-CoV عام 2003، HCoV-NL63 عام 2004، HCoV-HKU1 عام 2004، MERS-CoV عام 2012، وأخيراً فيروس 2019-nCoV.

يُعتبر كبار السنّ، كما هو الحال مع فيروس السارس، وخصوصاً أولئك الذين يعانون من مشاكل صحية، الأكثر عُرضةً للإصابة بفيروس كورونا الجديد.

في الواقع، لقد كان من المُتوقّع سابقاً أن تنتشر الأوبئة التي تسببها فيروسات كورونا، فقد حددت منظمة الصحّة العالمية عام 2015 هذه العائلة من الفيروسات كفيروساتٍ من المحتمل أن تتسبب في حدوث أوبئةٍ خطيرة في المستقبل القريب.

لقد كان من الصعب لفترةٍ طويلةٍ من الزمن تحديد العوامل الممرضة للأمراض المعدية. إلا أن تطوّر العديد من أدوات الكشف «الجزيئية» بسرعة مكّن العلماء من التعرّف على العديد من فيروسات الجهاز التنفسي الجديدة، وقد ساعدهم أيضاً على توصيف السلالات الجديدة الناشئة. وقد تمكّن العلماء من معرفة كل هذه التفاصيل المتعلّة بالفيروس الجديد في غضون أسابيع قليلة من اكتشاف أول إصابةٍ به.

فيروس كورونا, بوبساي, الصحة, أمراض, كورونا نوفل

الأمراض المعدية الناشئة

تندرج إصابات فيروس كورونا أيضاً ضمن مجموعة الأمراض المعروفة باسم الأمراض المعدية الناشئة (EID). وتتصف هذه الأمراض عموماً بأنها:

  1. ظهرت حديثاً بين السكّان، أو.
  2. معدل الإصابة بها أو النطاق الجغرافي لرقعة انتشارها يتزايد بسرعة، أو..
  3. تهدد بالانتشار أكثر في المستقبل القريب على الأقل.

وكما هو الحال مع سارس ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS)، تنشأ العديد من الأمراض المعدية الناشئة عند انتقال العدوى الموجودة في الحيوانات، والمعروفة باسم الأمراض الحيوانية المنشأ، إلى البشر. فمع تمدد البشر إلى مناطق جغرافية جديدة -غالباً على حساب الحياة البرية- تزداد احتمالية اتصال البشر بالعديد من الحيوانات التي تعد مضيفاً محتملاً لعاملٍ معدٍ ما. وباقتران ذلك مع ارتفاع الكثافة البشرية والتنّقل، يصبح من السهل أن نرى أن مثل هذا السيناريو يمثل تهديداً خطيراً لصحة الإنسان.

تتسبب هذه الأمراض بمشاكل اجتماعيةٍ واقتصادية. فبغضّ النظر عن المرض وحالات الوفاة، يؤثر تفشي الأوبئة في [إيقاف] قطاعات السفر والأعمال والحياة اليومية، وبالإضافة إلى ذلك، هناك دائماً خطر الخوف العام والخسائر الاقتصادية.

مخاطر عالية

هناك تنوعٌ كبير في الفيروسات التاجية الحيوانية المنشأ يتزايد باستمرار، لاسيما لدى الخفافيش. وبالتالي فإن تغيير الفيروس لتركيبه الجيني باستمرار سيؤدي إلى احتمالٍ كبير لتفشّي المرض في المستقبل. في الحقيقة، إن خطر تفشي الأوبئة في المستقبل هو خطر حقيقي طالما تستمر الفيروسات التاجية المسببة للأمراض في الانتشار من المصادر الحيوانية إلى البشر.

كما يمثّل التشخيص الخاطئ لتفشي المرض في المستقبل تهديداً إضافياً للعاملين في مجال الرعاية الصحية، فمع انتشار المرض ضمن المستشفى وانتقاله لمرضىً آخرين، تزداد الضغوط على أطقم الرعاية الصحية المجهدة أصلاً.

تم نشر المقال في موقع ذا كونفيرسيشن

المحتوى محمي