تزداد المخاوف عبر الولايات المتحدّة مع تزايد أعداد المصابين بفيروس كورونا المستجد يوماً بعد يوم. فحتّى الآن، لا يدرك العلماء والأطباء نسبة المصابين بين السكان، أو نسبة من ستظهر عليهم أعراض المرض. وفي سعي حثيث لاحتواء انتشار الفيروس، وتخفيف آثار المرض على الفئات الضعيفة، ونظام الرعاية الصحية والاقتصاد، تقوم حكومات الولايات والإدارات المحلية ونظام الصحة العامة الفيدرالي باتباع إستراتيجيات مختلفة.
وبالرغم من كل هذا التخطيط لمواجهة الوباء، والشعور المتزايد بالقلق والخوف، لكن لم تتم مناقشة تأثير انتشار الفيروس على الأشخاص بلا مأوى على نطاقٍ واسع. في الواقع، يجب أن يولي المسؤولون المحليون أهميةً قصوى لهذا الأمر، بسبب المخاطر الكبيرة التي يشكلّها انتشار الفيروس بين هذه الفئات الضعيفة.
يقول الكاتب: «أعمل أستاذاً في الطب الوقائي والسياسة الصحية في كلّية كِيك للطب بجامعة ساوث كاليفورنيا، في ولاية لوس أنجلوس. ونظراً لأن ولاية لوس أنجلوس من الولايات التي تضمّ عدداً كبيراً جداً من الأشخاص بلا مأوى في الولايات المتحدة، فإنني قلق بشأن كيف يمكن للأمراض المعدية أن تقوض جهودنا لتوفير الرعاية الإنسانية لهذه الفئات، ومساعدتهم على ترك الشوارع والعيش في سكن مستقر. كما أنني أشعر بقلق عميق بشأن معدلات الإصابة والوفيات بشكلٍ عام بين الفئات السكانية الضعيفة.
مجموعة ضعيفة حتى في ظل اقتصاد مزدهر
يوجد في الولايات المتحدة أكثر من نصف مليون شخص بلا مأوى، وهم معرّضون لخطر العدوى والوفاة بسبب فيروس كورونا، في ظلّ ظروفهم المعيشية الصعبة، وتدنّي مستواهم الصحّي بالرغم من أنّه -وحتّى كتابة هذه السطور- لم يتم الإبلاغ عن حالات إصابة بالفيروس بين هؤلاء.
لكن انتشار الأمراض المعدية بين الأشخاص بلا مأوى بمعدلاتٍ عالية غير مستبعد، خاصة وأنّ الإحصائيات والبيانات السابقة تفيد بأنهم معرضون لخطر الإصابة بأمراض أخرى مثل؛ السل، التهاب الكبد، وفيروس نقص المناعة، والالتهاب الرئوي بنسبةٍ عالية. ينبغي أن تثير هذه البيانات انتباه وقلق المسؤولين الحكوميين، ومقدمي الخدمات الصحية من خطر انتشار فيروس كورونا بين هؤلاء الأشخاص.
وبالرغم من أنّ الوقت مبكر لإجراء دراساتٍ محددة في هذا الشأن، إلا أن ظروف التشرد قد تزيد من خطر انتقال فيروس كورونا إلى هؤلاء الأشخاص، ومن ثمّ المساهمة بانتشاره في نهاية المطاف إلى بقية أفراد المجتمع.
يتسبب فيروس كورونا بمرضٍ تنفسّي حاد لدى المصابين به، وينتقل بين البشر عبر الرذاذ (السُعال والعطس)، التواصل الوثيق مع أشخاصٍ مصابين. يوصي مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بعدة إجراءات وقائية مثل؛ الابتعاد عن الأشخاص المصابين، وتجنّب الأماكن المزدحمة، بالاضافة لغسل اليدين جيداً بالماء والصابون بخطوات محددة، وبشكل متكرر، بالإضافة إلى تجنّب لمس الأسطح التي يُحتمل تواجد الفيروس عليها، لأنه يمكن العيش على بعض الأسطح لعدة ساعات وأيام.
لكّن هذه الإجراءات الوقائية تكاد تكون مستحيلةً بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في الشوارع، والذين ليس لديهم وسائل للاستحمام أو غسل اليدين. هناك عددٌ قليل من المخيّمات لديها مراحيض أو مغاسل متنقلة، لكن الناس يأكلون وينامون ويتجمعون بالقرب من بعضهم البعض.
قد يكون حال الأشخاص بلا مأوى الذين يعيشون في الملاجئ أفضل قليلاً، إذا كانت تلك الملاجئ تقوم بالتنظيف المتكرر، وتوفّر الحمّامات والماء الساخن، ومعقمات الأيدي، بينما لا تتوفر هذه الخدمات في الكثير من الملاجئ. بالاضافة إلى ذلك، ينام الأشخاص ويتناولون الطعام ويشاركون في الأنشطة في مجموعات، مما يزيد من خطر انتقال الفيروس بينهم، وانتشاره بالتالي إلى خارج الملاجئ أيضاً.
كما أنّ العديد من الملاجئ عبارة عن ساحةٍ كبيرة تضم أسرّة موضوعةٌ بالقرب من بعضها البعض. كما أن الأشخاص بلا مأوى يُنقلون خلال أشهر الشتاء إلى الملاجئ بالحافلات. وفي الواقع، تساعد ظروف الملاجئ وتصميم الحافلات على انتشار الفيروس إلى حدٍ كبير، مما يعرّض شاغليها والعاملين فيها إلى خطر العدوى.
قد لا يمتلك العاملون في الملاجئ الخبرة الكافية للوقاية من الأمراض المعدية، أو تحديد الأفراد المصابين الذين تظهر عليهم أعراض الإصابة بالفيروس، ومن ثم عزلهم.
وقد ينام الكثير من الأشخاص بلا مأوى الذين لا يقيمون في الملاجئ في محطات القطارات، أو الحافلات ومحطات المترو، وفي غرف الانتظار في أقسام الطوارئ في المستشفيات في المساء. وبهذا يمكن للشخص المصاب أن يُلّوث الأبواب أو الحمّامات أو الكراسي أو الأشياء الأخرى، مما يزيد من خطر نقل العدوى إلى الآخرين.
في الواقع، قد يكون معدّل الوفاة عند تعرّض الأشخاص بلا مأوى للإصابة بالفيروس عالياً، نظراً لأنّ العديد منهم قد يعاني من مشاكل صحية مثل مرض السكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب والأوعية الدموية، ومعدّل أعمارهم العالي. وكثير ممن يعيشون في الشوارع يعانون من مشاكل صحية بالفعل، أو لديهم معدلات أعلى من الأمراض المزمنة، أو يعانون من ضعف المناعة. كل ذلك عوامل يمكن أن تزيد من خطورة الإصابة بالفيروس. كما لا يدرك الأشخاص المصابين بالأمراض العقلية خطورة الإصابة بالفيروس، وكيفية التعامل معه في حال إصابتهم.
كما تقلّ فرص الأشخاص بلا مأوى في الوصول إلى خدمات مقدمي الرعاية الصحية، وطلب إجراء اختبارات تشخيصية وعزلهم في حال تمّ تأكيد إصابتهم. وبدون إمكانية الوصول، قد يعيش هؤلاء الأشخاص المرضى في الشوارع غير معرّفين لدى نظام الرعاية الصحية، ونشر الفيروس دون دراية في المجتمع.
يمكن للأشخاص الذين تظهر لديهم أعراض الإصابة بالفيروس الذهاب إلى أقسام الطوارئ في المشافي المزدحمة، حيث اعتادوا الذهاب إليها حتّى قبل انتشار الفيروس للحصول على خدمات الرعاية الصحية. ولكن إذا استمر الوباء في الانتشار، ستصبح هذه المرافق أكثر ازدحاماً، وسيزيد وقت الانتظار، مما قد يعرّض المزيد من الأشخاص ممن أتوا طلباً للخدمات الصحية لخطر العدوى.
من المهم جداً عدم تجاهل هذه الفئة الضعيفة
من المهم اتخاذ إجراءات صحيحة لاحتواء الفيروس الذي يستهدف هذه الفئة من السكان، وهو أمر منطقي بالنظر إلى الخطر الذي تمثلّه هذه الفئة السكانية في نشر العدوى، وبالتالي التأثير على نظام الرعاية الصحية سلباً.
بدأت بعض المجتمعات المحلية ببذل جهودها للمساعدة في منع انتشار الفيروس بين هذه الفئة الضعيفة من السكان. في سياتل مثلاً، يوزع المسؤولون مستلزمات النظافة الشخصية، ويقدمون نصائح وإرشادات حول سبل الوقاية إلى المسؤولين والموظفين في الملاجئ. في الواقع، تقع مسؤولية القيام بالعديد من هذه الأنشطة على الصحّة العامة بشكلٍ أساسي، والتي ينبغي أن تقوم بها أي وكالات حكومية محلية على مستوى الولايات بصورة روتينية؛ كجزء من جهودها الأساسية في مجال المراقبة وضمان الصحة.
لكن معظم الإدارات المحلية لا تملك الموارد المتاحة لإجراء اختبار الكشف على نطاقٍ واسع بين الأشخاص بلا مأوى، ولا تمتلك الوسائل اللازمة لتحديد مناطق تفشي المرض، والاستجابة له ما لم يأتِ المرضى إلى قسم الطوارئ في المستشفيات.
تؤدي وكالات الصحة العامة على جميع مستويات الحكومة دوراً في التخفيف من آثار انتشار الفيروس. فإذا لم تحصل وكالات الصحة العامة المختلفة على الموارد والإمكانيات بسبب تخفيضات الميزانية، أو عدم القدرة على تلبية احتياجاتها؛ فلن يكون لدى السلطات المحلية الأدوات اللازمة للوصول إلى الأشخاص المعرّضين لخطر الإصابة بالفيروس، حيث يُعد ذلك ضرورياً لاحتواء انتشار الفيروس، والتخفيف من حدّة تأثيره على أكثر الفئات السكّانية ضعفاً.