عندما بدأ الباحثون في تطوير لقاحٍ على أمل أن يكون فعالاً ضد فيروس كورونا، كانوا يدركون بالفعل من خلال التجارب السابقة، أنّ فيروس إنفلونزا الخنازير؛ الذي كان فيروساً جديداً مثل فيروس كورونا عندما ظهر، يؤثّر بشكلٍ أكبر على المرضى الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة؛ حيث كان المرضى الذين يبلغ مؤشر كتلة الجسم لديهم 30 أو أعلى، أكثر عرضةً لخطر لدخول المستشفى والوفاة من فيروس إنفلونزا الخنازير.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يُكتشف فيها مثل هذا الارتباط؛ فقد كشفت دراسة سابقة عام 2017 في جامعة نورث كارولينا في تشابل، أن لقاح الإنفلونزا كان أقلّ فعاليةً في وقاية المرضى الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة. شملت هذه الدراسة 1022 مشاركاً فقط، لكن تُظهر الدراسات الأصغر حجماً الأخرى نتائج مماثلة.
الآن؛ ومع تطوير لقاح كورونا واختباره على أكثر من 40 ألف مريض، وتوزيع اللقاح على مختلف أنحاء البلاد، تُظهر الحملة نتائجَ واعدةً؛ إذ توفّر اللقاحان المُصرّح بهما حمايةً تزيد عن 90%.
ما زالت نتائج دراسة جامعة نورث كارولينا حول فعالية لقاح فيروس إنفلونزا الخنازير، تثير قلق الأطباء والباحثين، وبصفتي طبيبةً مختصّةً في السمنة، ما زلت آخذ ذلك بعين الاعتبار. نريد جميعنا معرفة ما إذا كانت فعالية لقاح فيروس كورونا هي نفسها لدى المرضى المصابين بزيادة الوزن أو السمنة أم لا. في الواقع، هذا ما تظهره البيانات الأولية، ولكن ينبغي جمع المزيد من البيانات بعد تلقيح المزيد من الناس.
ماذا يقول البحث؟
الجواب على هذا السؤال حاسم. يُعتبر المرضى البالغون الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة من بين أكثر الأشخاص تأثراً بمرض كوفيد-19، ويصيب مرض السمنة وزيادة الوزن أكثر من 70% من سكان الولايات المتحدة. في الواقع؛ وبينما كنت أقرأ بيانات تجربة لقاح فايزر، وجدت أن نسبة المشاركين في التجارب والذين يعانون من السمنة أو زيادة الوزن، تصل إلى 70%؛ أي مماثلة لنسبة من يعانون من زيادة الوزن أو السمنة بالفعل. لقد سُرّ متخصصو السمنة في جميع أنحاء العالم بالفعل بعد معرفتهم بأن عينة التجارب الأولية كانت ممثلةً لنسبة من يعانون السمنة في الولايات المتحدة على أفضل وجه.
في الحقيقة، كان وقع مرض كوفيد-19 كارثياً هنا في الولايات المتحدة بين من يعانون من زيادة الوزن أو السمنة؛ وخصوصاً المرضى صغار السن. لقد اعتقد الأطباء في البداية أن المرضى صغار السن أقلّ عرضةً للإصابة بمضاعفات كوفيد-19 إجمالاً، ولكن بالنسبة للأشخاص دون 50 عاماً الذين يعانون من السمنة، كانت السمنة عاملاً يعطّل التأثير الوقائي المُتوقع لصغر السن.
يُعد لقاح كوفيد-19 واعداً، لأنه يعمل على تنشيط الخلايا المناعية البائية والتائية على حدّ سواء؛ وذلك أمر بالغ الأهمية للحماية طويلة الأمد من الفيروسات؛ نظراً لأن الأبحاث السابقة تفيد بأن نشاط الخلايا البائية ومستوياتها كانت أقل في كل من الفئران والبشر الذين يعانون من السمنة بعد العدوى.
يمكن أن تنتج هذه الخلايا المناعية أجساماً مضادةً جديدةً بسرعة، حتى لو انخفضت الأجسام المضادة بمرور الوقت. تمنع الأجسام المضادة الفيروس من الدخول إلى الخلية وإصابتها بالعدوى، لكن الخلايا البائية والتائية تدمر الخلايا المصابة بالفيروس، وتمنع تكاثر الفيروس وانتشاره إلى الخلايا الأخرى، إلا أن ذلك قد لا ينطبق على من يعانون من السمنة؛ إذ يعتقد الباحثون أن السمنة تؤثّر سلباً على وظيفة جهاز المناعة.
بالرغم من أن المرضى الذين يعانون من السمنة يمكنهم إنتاج أجسام مضادة كافية، إلا أن دراساتٍ متعددة أظهرت أن مستويات الخلايا البائية والتائية كانت أقل لديهم بعد الإصابة بإنفلونزا الخنازير؛ مما قد يؤثّر على الاستجابة المناعية النموذجية المُتوقعة، ويترك الجسم عرضةً لغزو الفيروسات، ويبقى السؤال المهم: هل من الممكن أن تحدث هذه الاستجابة المناعية المتغيّرة بعد الإصابة بعدوى فيروس كورونا؟ نريد أن نعرف ما إذا كان اللقاح سيكون فعالاً في مرضى السمنة بنفس السوية لدى المرضى الآخرين؛ الذين لا يعانون من السمنة، أم لا.
اللقاح ما زال ضرورياً
بالرغم من هذه المخاوف، لا يزال على المرضى الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة، الحصول على لقاح فيروس كورونا. في الواقع، حتى المرضى الذين يعانون من السمنة ويتلقّون لقاح الإنفلونزا، هناك انخفاض في نسبة الحاجة إلى دخول المستشفى بينهم بنسبة 40%، وانخفاض الحاجة إلى دخول العناية المركّزة بنسبة 82% أيضاً.
وقد أظهرت البيانات الصادرة من شركة فايزر وإدارة الغذاء والدواء، أن اللقاح فعّال لدى الجميع؛ وخصوصاً المرضى الذين يعانون من السمنة. من المشجع أن شركة فايزر أثبتت أن اللقاح كان فعالاً بنفس القدر بين أولئك الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة؛ إذ يدرك الباحثون أن هؤلاء المرضى أكثر عرضةً للخطر، ويقومون الآن بتصميم دراسات تعكس ذلك.
السلوكيات المفيدة
هناك شيئان قد يشجعان الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة على ممارسة الرياضة، وتحسين عاداتهم الغذائية؛ فقد أظهرت الدراسات السابقة ، في الوقاية من هذا المرض وغيره من الأمراض وعلاجها. يتوفر البريبايوتكس في الشعير والثوم مثلاً، بينما يحتوي الزبادي ومخلل الملفوف، وبعض أنواع الجبن على البروبيوتيك.
أخيراً، هناك حاجة إلى مزيدٍ من البيانات الدقيقة قبل معرفة كيف يستجيب المرضى الذين يعانون من السمنة وزيادة الوزن مقارنةً ببقيّة الناس، ومع ذلك، تظهر مثل هذه البيانات سريعاً. الآن؛ وبعد عامٍ واحدٍ فقط من بدء الجائحة، ننظر بدهشةٍ إلى ما تعلمناه حول فيروس كورونا؛ حيث توفر الأبحاث المعرفة التي نحتاجها لخلق طريقةٍ أفضل لتقديم الرعاية الصحية لنا جميعاً.