وقّع أكثر من 200 عالم، بمن فيهم أنا، على رسالة نُشرت في دورية «الأمراض المعدية السريرية» في 6 يوليو/ تموز من هذا العام تفيد بأن فيروس كورونا لا ينتشر فقط عن طريق اللمس والرذاذ المنتشر من الفم والأنف، بل عبر مسار ثالث مهم للغاية أيضاً.
يتمثل هذا المسار للعدوى في الجزيئات متناهية الصغر (الهباء الجوي) المحمولة في الهواء لفترة طويلة، سواء كانت سائلةً أو غير ذلك،. إذا علق الفيروس بهذه الجزيئات الصغيرة، فيمكنه أن يسبح في الهواء لفترةٍ طويلة، ويبقى قادراً على نقل العدوى. لذلك يُعد فتح النوافذ في الأماكن المغلقة وسيلة فعالة للحد من انتشار الفيروس، حيث توفر النوافذ المفتوحة مسار يخرج عن طريقه الهواء الملوث ليحل مكانه هواءٌ نظيف، وبالتالي تقليل خطر العدوى. الرسم التوضيحي التالي يوضح ذلك.
بعد 3 أيام من نشر رسالتنا، اعترفت منظمة الصحة العالمية بأنه لا يمكن استبعاد مسار انتقال العدوى عبر الهباء الجوي؛ بالنظر إلى الأدلة المتزايدة على انتشار العدوى في الأماكن سيئة التهوية مثل؛ المطاعم والنوادي الليلية، ودور العبادة.
ظهر أول دليلٍ على انتشار الفيروس عبر الهباء الجوي في أواخر يناير/ كانون الثاني في مقاطعة «قوانغتشو» في الصين، حيث أصيب 10 أشخاص بفيروس كورونا بعد تناول طعام الغداء في الطابق الخامس في أحد المطاعم المُكيفة التي تفتقر إلى النوافذ. تقول إحدى الدراسات -التي لم تخضع لمراجعة الأقران- أنه من المحتمل أن الفيروس قد انتشر عبر رذاذ مكيّف الهواء.
الإجراءات المُتبعة للحد من انتشار فيروس كورونا
- ينصح خبراء الصحة بغسل اليدين بالماء والصابون، وغسل الملابس وتعقيم الأسطح، واتخاذ تدابير التباعد الجسدي، وارتداء أقنعة الوجه وغيرها من التدابير الاحترازية الفعالة للحد من انتشار الفيروس.
- يوصي مهندسو التدفئة والتكييف بإضافة معدات إلى أنظمة التكييف في الأبنية للحد من انتشار الفيروس، مثل فلاتر الهواء عالية الكفاءة، ومطهرات الأشعة فوق البنفسجية.
- بينما يركّز المهندسون المعماريون عند النظر إلى كيفية انتشار فيروس كورونا في المباني على تصاميمٍ تسمح بالتباعد الجسدي بين الأشخاص أكثر داخل المباني (مثل زيادة استخدام التقنيات التي لا تعمل باللمس كاستعمال الأبواب الآلية، وتقنيات الإضاءة الذاتية وغيرها من أدوات التي يمكن التحكم بها عن بعد)، بالإضافة إلى تركيزهم على كفاءة استهلاك الطاقة في المنزل عقب انتقالنا للعمل من هناك.
في الواقع، هذه المجموعات المذكورة أعلاه لا تعطي أهمية كبرى لفتح النوافذ، أو للفوائد الصحية الإضافية التي يضفيها تجديد هواء الأماكن المغلقة في الأيام الحارة، وحتى الباردة.
غالباً، لا يدرك مصممو المباني أنهم تعرضوا للخداع بسبب عدم تعليمهم كيفية تصميم مبانٍ تضمن حركة وتهوية الهواء الطبيعية داخلها. هناك 3 أمورٍ أساسية تتحكم بتصاميم الأبنية الحديثة والسريعة والرخيصة. الأول: هو إضفاء لمسةٍ فنية على المباني. ثانياً: الالتزام بأنظمة البناء. ثالثاً: القيود التي تفرضها نماذج الأبنية العالمية المخالفة لمعايير الجودة التي تفرض على المصممين الابتعاد عن تصاميم الأبنية التي تسمح بالتهوية الطبيعية.
تضارب المصالح
في العديد من دول العالم بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا؛ فإن مهمة وضع اللوائح المنظمة للمباني توكل في كثيرٍ من الأحيان إلى مهندسي التدفئة والتبريد. وعادة ما يتقاضى أولئك المهندسون أجورهم وفقاً لمقدار معدات التبريد والتكييف التي يقومون بتركيبها في المباني، وهنا تبرز مشكلة تضارب في المصالح تحتاج إلى المعالجة حتى على مستوى العالم.
بالنظر إلى أن مهندسي التبريد والتكييف هم من يكتبون القواعد المنظمة لمعايير البناء، فليس من المستغرب أن يطلبوا الالتزام بتركيب المزيد من المعدات في المباني. ولا عجب في أن المهندسين المعماريين الآن يتقاضون أجراً أقل من مهندسي التكييف والتبريد والبنائين والسباكين، وحتى أقل من عمّال السقّالات.
إذا كنت تجلس في غرفة شديدة الحرارة وخانقة مع نوافذ لا تفتح، أو تجد صعوبة في دفع فواتير التكييف المرتفعة، فلا داعي للقلق. الأمور المتعلقة بهذه المواصفات على وشك التغيير.
سيتم التركيز في المستقبل على المباني المهوّاة بشكلٍ طبيعي لأطول فترةٍ ممكنة خلال العام لأسبابٍ مقنعةٍ كثيرة؛ من بينها تخفيض تكاليف استهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون، بالإضافة لتأثير التهوية الطبيعي الإيجابي على صحة وسلامة قاطنيها.
يجب أن تكون النوافذ ميزة توفر الرفاهية والصحة للسكان القاطنين في المنازل التي من المفترض أن تكون أكثر أماناً في مستقبل يسوده الشك، والكثير من الأشياء التي لا يمكن توقّع حدوثها.