مع استمرار الصعوبات التي يواجهها العام في التصدي لجائحة فيروس كورونا، يبرز السؤال دائماً: هل يمكن أن ينتقل الفيروس عبر الهواء؟
كتب مؤخراً 239 عالماً من 32 دولة رسالة مفتوحة إلى منظمة الصحة العالمية؛ يقولون فيها أن هناك أدلة متزايدة على أن انتقال فيروس كورونا عبر الهواء يعد سبباً رئيسياً في انتشار العدوى.
In an open letter to be published in Clinical Infectious Diseases this week, 239 researchers from 32 countries will urge the international community to implement control measures to prevent airborne transmission of #COVID19.https://t.co/ZdZ3yRLxJ2
— Australian Doctor (@australiandr) July 6, 2020
في الواقع، وعلى غرار الكثير من القضايا المتعلقة بالوباء، فإن ما يبدو أنه سؤال بسيط نسبياً، لكنه في الواقع يحمل الكثير من التعقيد. فحتى الآن، لسنا متأكدين من الجواب.
لماذا نحتاج إلى فهم طرق انتقال العدوى؟
إن فهم كيفية انتقال المرض من شخصٍ إلى آخر يتيح لنا تصميم تدخلات فعالة على مستوى الصحة العامة لتقليل خطر انتقال العدوى. على سبيل المثال، ننصح بالحفاظ على مسافة 1.5 متر من الآخرين لأن هناك إجماعاً على أن إحدى الطرق الرئيسية التي ينتشر من خلالها الفيروس هي «القطرات الكبيرة» التي تخرج من أنف أو فم المصاب في مخاطه ولعابه عندما يعطس أو يسعل، أو يتحدث. هذه القطرات «الكبيرة» يكون قُطرها أكبر من 5 ميكرومتر.
وبفضل الجاذبية، لا تنتقل هذه القطرات مسافة كبيرة نسبياً بشكلٍ عام قبل أن تسقط إلى الأرض. فإذا حافظت على مسافة 1.5 متر من الشخص المصاب، فستكون -عملياً- بعيداً مسافة آمنة عن مسار انتقال هذه القطرات.
وبالمثل، فإنّ إدارك أن هذه القطرات الكبيرة يمكن أن تهبط على مختلف الأسطح، وأن الفيروس يمكن أن يبقى حياً عليها لفترةٍ ما، تُوجب علينا غسل اليدين بعد ملامسة الأسطح لتجنّب انتقال الفيروس إلى الفم والأنف، أو العيون.
وحتى الآن، ما يزال مسؤولو الصحة العالمية يقولون أن المصدر الرئيسي لانتقال عدوى فيروس كورونا هي القطرات الكبيرة. لكّن مؤلفي الرسالة المفتوحة يقترحون أنه تمّ التقليل من أهمية انتقال الفيروس عبر الهواء.
انتقال العدوى عبر الهواء وفيروس كورونا
في أبسط تفسيرٍ له، يشير مفهوم انتقال العدوى عبر الهواء إلى قدرة الفيروس على الانتشار عبر قطراتٍ صغيرة جداً، إلى درجةٍ يمكنها عندها البقاء معلّقة في الهواء. يبلغ حجم هذه «القطيرات» أقل من 5 ميكرومتر، ويُطلق عليها اسم «الهباء الجوي» أو الرذاذ.
ففي حين أن القطرات الكبيرة تسقط إلى الأرض ولا تنتقل إلا لمسافةٍ قليلة، فإن القطرات الصغيرة، يمكنها أن تنتقل لمسافة أكبر نظرياً، ويمكن أن تبقى في الأجواء المغلقة حتّى بعد مغادرة الشخص المصاب الذي كان مصدرها.
تتخذ الأدلة التي تدعم فكرة إمكانية انتقال الفيروس عبر الهواء عدة أشكال:
أولاً: أثبتت الدراسات المخبرية أن فيروس كورونا يمكنه أن يبقى معلّقاً في الهواء على شكل هباء جوي، ويمكن أن يبقى على قيد الحياة لمدة تصل إلى 4 ساعات في هذا الشكل.
ثانياً: اُكتشفت المادة الوراثية لفيروس كورونا في الهباء الجوي لعيناتٍ من الهواء أُخذت من المشافي، بما في ذلك مشفيان في ووهان الصينية، لكن من المهم الإشارة إلى أن وجود هذه المادّة الجينية لا يعني بالضرورة أن الفيروس معدٍ في هذا الشكل.
أقوى الدلائل تأتي من خلال حالات الإبلاغ عن أعدادٍ كبيرة من المصابين، والتي حدثت خلال مناسباتٍ معينة. حيث يبدو أن العدوى انتقلت للأشخاص دون أن يكون هناك اتصال وثيق بينهم.
من الأمثلة المبكرة التي باتت معروفة، هي حادثة انتقال الفيروس إلى 50 شخصاً من أعضاء جوقة موسيقية في الولايات المتحدة أثناء التدريبات، رغم أنّهم كانوا يحافظون على مسافةٍ آمنة بين بعضهم البعض، حيث توفي منهم اثنان لاحقاً. ومن الأمثلة الأخرى، هو تفشي الفيروس خلال مناسبة عشاءٍ في قوانغتشو في الصين، حيث أصيب 10 أشخاص من 3 عائلات بالفيروس بعد تناول الطعام في مطعم، رغم أنهم كانوا يحافظون على مسافةٍ آمنة فيما بينهم. في حين الأشخاص الذين لم يُصابوا بالعدوى لم يكونوا على اتصالٍ وثيق بأي مصابين، تبين أن من أصيب بالعدوى كان يجلس مباشرة أمام تيار هواء المُكيّف.
لم تجري مراجعة من قبل الأقران لحادثة التفشي هذه، ولكنها جزء من الأدلة التي يستند عليها مؤلفو الرسالة المفتوحة لدعم فكرتهم.
ما هي الآثار المترتبة على احتمال انتقال الفيروس بالهواء؟
يمكن أن يكون انتقال الفيروس بالهواء مصدر قلقٍ كبير. فإذا كان ذلك ما يحدث غالباً، فمن المحتمل أن الفيروس قد ينتقل غالباً حتّى في حال عدم وجود اتصال وثيق. كما يزيد ذلك من احتمال انتقال الفيروس عبر تيارات الهواء، وحتّى من خلال المكيفات أيضاً.
وهذا يعني أن التباعد الاجتماعي قد لا يكون دائماً فعالاً، خصوصاً في المناطق المغلقة المزدحمة ذات التهوية الضعيفة، حيث يكون خطر العدوى كبيراً جداً.
إذاً، إلى أين يقودنا ذلك؟
لم يعد السؤال الرئيسي ما إذا كان انتقال الفيروس بالهواء ممكناً من الناحية النظرية، ولكّن بالأحرى، ما مدى أهمية دوره بانتقال العدوى الفيروسية؟
فمثلاً، إذا كانت معظم حالات عدوى فيروس كورونا تحدث من خلال القطرات الكبيرة، وانتقاله عبر الهواء لم يكن له دوراً مهماً إلا في بعض الحالات، فإن لذلك آثار مختلفة جداً بخلاف لو كان انتقال الفيروس عبر الهواء له دورٌ رئيسي في الإصابة بالعدوى.
ما يبعث على الإطمئنان قليلاً هو أن الإجراءات التي اُتخذت للحد من انتشار الفيروس، مثل التباعد الإجتماعي، كانت فعّالة إلى حدٍ كبير حتى الآن. ويشير ذلك إلى أنه حتى إذا كان من الممكن انتشار الفيروس عبر الهواء؛ فمن غير المحتمل أن يكون طريقاً رئيسياً لانتقال العدوى.
وبالنظر إلى ما نعرفه، فإن المعضلة الكبيرة هي: هل ينبغي علينا اتخاذ إجراءاتٍ وقائية بناءً على افتراض أن انتقال الفيروس بالهواء يلعب دوراً مهماً في العدوى، وبالتالي تعديل تدابير مكافحة العدوى الحالية وفقاً لذلك؟ قد يتخذ هذا الأمر عدة أشكال، بما فيها تشجيع ارتداء الأقنعة الواقية على نطاق واسع، والنظر في زيادة تهوية الأماكن المغلقة. النهج الآخر هو علينا الانتظار للحصول على أدلة أكثر دقة قبل تغيير نصائح الصحة العامة.
سننتظر باهتمام رد منظمة الصحة العالمية على الرسالة المفتوحة.