يحتاج أي فيروسٍ إلى مضيفٍ يستخدمه كمأوى لتطوره وتكاثره لذا فهو ليس كائناً حياً، ويتكون من حمضٍ نووي وبروتينات لا أكثر. عندما ينتشر وباء مثل فيروس كورونا الجديد فإن قصة منشأ المرض وتحديد مضيفه ومصدر العدوى تشكل جزءاً مهماً لعلماء الأوبئة؛ حيث تعد معرفة التركيب الجيني للفيروس هو الخيط الأول لصنع علاجٍ أو لقاحٍ له. بالتالي وقف انتشاره ومنع تفشيه في المستقبل. يشهد العالم هذه الأيام انتشار «فيروس كورونا نوفل»، فمن أين انطلق وكيف نشأ؟
تشير أصابع الاتِّهام إلى الخفافيش
يرتبط فيروس سارس (المُتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة) ارتباطاً وثيقاً بالفيروس الجديد؛ كلاهما ينتميان إلى عائلة فيروسات كورونا. تشمل هذه العائلة عدداً كبيراً من الفيروسات بعضها يُمرِض البشر، وبعضها يعيش في حيواناتٍ برية مثل الجمال والخفافيش، دون أن يُسبب أي أذى. بعد 4 أشهر من تفشي سارس في عام 2003، فحص فريقٌ في هونغ كونغ كلًا من «كلاب الراكون» و«زباد النخيل» و«الغرير» واكتشفوا أنها تحمل فيروساتٍ ذات صلة بفيروس كورونا المُسبب لسارس؛ وكان ذلك الدليل الأول على أن الحيوانات تُصاب بهذا المرض.
استمر البحث وتبين أن مصدر سارس على الأرجح هو «خفاش حذوة الحصان»، أفاد أيضاً أن خفافيشاً في آسيا وأفريقيا وأوروبا حملت هذا الفيروس في أجسادها لمدة أعوام. تُعد الخفافيش الآن هي المصدر الأصلي لكل عائلة فيروسات كورورنا؛ وحيث أن التركيب الجيني يقود إلى المصدر المضيف للفيروس، وفي حالة فيروس يوهان، وُجِد أن أقرب تطابقٍ لتسلسل الفيروس الجيني في الخفافيش.
لا تنتشر فيروسات كورونا عبر الهواء أو الجهاز التنفسي فقط، بل كذلك عبر فضلات الحيوانات، أو الزِبل (الذرق) في حالة الخفافيش، كما أشارت الدراسات الاستقصائية التي أجراها «تحالف الصحة البيئية» في الصين وفي أماكن أخرى في آسيا. تخيل خفاشاً يَقرض حبة تين ويلوثها بفضلاته الحاملة للفيروس، ثم تقع على الأرض ويصل إليها حيوانٍ آخر يُباع في سوق الحيوانات الأليفة في يوهان، هنا التينة هي نقطة نشر وانتقال فيروس كورونا.
براءة الثعابين
نشر فريقٌ بحثي في «مركز العلوم الصحية في جامعة بكين» بالصين في الثاني والعشرين من يناير/ كانون الثاني دراسةً مثيرةً تنص على أن مصدر الفيروس هو الثعابين، رغم أنه ما من دليلٍ يدعم احتمالية إصابة أي فصائل أخرى بهذا الفيروس باستثناء الثدييات والطيور. قارن الفريق البحثي بين تّسلسل معلومات النظام الجيني (الكودون) لفيروس كورونا نوفل بكودونات المُضيفين المحتملين بما في ذلك «القنافذ» و«الخفافيش» و«الدجاج» و«البشر» وأخيراً «الأفاعي».
أشار الباحثون إلى نوعين من الثعابين تتشابه مع الفيروس في التركيب الجيني، وبذلك من الراجح أن تكون هي منشأ فيروس كورونا نوفل. لكن لم يقدم الباحثون إثباتاً قوياً لهذا الرأي؛ ويدحضه أيضاً إثبات أن مصدر سارس كان من الثدييات، وينتمي كلا الفيروسين للعائلة نفسها. يشك الكثير من الباحثين في إمكانية تحديد مُضيف الفيروس دون إجراء المزيد من الفحوصات والاختبارات الجينية على البيئة التي عاشت فيها الحيوانات في سوق ووهان.
مُسبباتٌ أخرى
أفاد مصدر إعلامي صيني بأن 585 عينة فُحِصت من سوق الأحياء البرية، اِتضح أن 33 عينة تتطابق مع الحمض النووي لفيروس كورونا، 31 عينة منهم في منطقة يُباع فيها ثعابين وقنادس، ويُشير الجانب الآخر من البحث إلى أن المرض لم يأت من سوق الحيوانات البرية، بل أتى إليه في البداية. فترة حضانة الفيروس قبل ظهور أعراضه هي 14 يوماً. ظهرت الأعراض على المريض الأول في الأول من ديسمبر، ويُشير هذا إلى أن العدوى البشرية حدثت في نوفمبر/ تشرين الثاني.
كذلك تتشابه أعراضه مع أعراض الأنفلونزا، فربما نقله المريض الأول إلى آخرين قبل وقتٍ طويل من بدء البحث عن ماهية الفيروس وفحص السوق. ولا تزال سلسلة انتقال فيروس كورونا ومصدره يُمثلان لغزاً مُعقداً يُجرى حله.