دخلت أستراليا -وكل دول العالم- في حالة إغلاق عام (حجر صحي عام)، حيث مُنعت التجمعات العامّة لأكثر من شخصين، وبات الخروج من المنزل غير مسموح إلا لمجموعة محددة من الأسباب. يبدو أن التدابير الصارمة الأخيرة كان لها بعض التأثير، فقد تراجع معدل الإصابات المُسجلة يومياً في أستراليا، وأخذ في التباطؤ الآن.
بالرغم من أن ذلك مؤشر مشجّع على أن الوباء قد بدأ في التراجع، إلا أننا بحاجة إلى البدء بالتفكير حول متى وكيف يمكننا البدء بالتخفيف من الإجراءات الصارمة الحالية.
ما هي خياراتنا للخروج من حالة الحجر الصحي؟
في الواقع، تمنحنا حالة الحجر الصحي العامة بعض الوقت لمعرفة المزيد عن فيروس كورونا، والنظر إلى نجاحات وإخفاقات البلدان الأخرى والتعلّم منها. ولكّن ستبقى غالبية السكّان تفتقر إلى الحصانة ضد مرض كوفيد-19 الذي يسببه فيروس كورونا؛ إلى أن نحصل على لقاحٍ فعّال. وهذه هي الحال التي كنّا عليها عند ظهور أولى الحالات الوافدة إلى أستراليا.
وبالرغم من أنه يدور جدلاً كبيراً حول سرعة اتخاذ إجراءات إغلاق والحجر الصحي، إلا أنّ هناك نقاشاً يدور حالياً حول كيف ومتى يمكن تخفيف هذه التدابير دون التسبب في ارتفاع الإصابات مرة أخرى.
نبيّن هنا 4 سيناريوهات شاملة محتملة، متاحة للخروج من حالة الحجر الصحي العام، بعد أن نتأكد من سيطرتنا بشكل مبدئي على الوباء:
- إزالة إجراءات الإغلاق كلياً، مع إعطاء الأولوية للعودة إلى الحريات الاجتماعية والاقتصادية الطبيعية على منع العدوى.
- الحد من التنقّل داخل المدن، وضمان بقاء معدلات الحالات منخفضة للغاية حتى يتم تطوير لقاح.
- التشجيع على القضاء على الفيروس تماماً، وتجنب حدوث موجة ثانية عندما يتم تخفيف إجراءات التباعد الاجتماعي طالما ظلت الحدود مغلقة.
- تخفيف بعض الإجراءات، والسماح للعدوى بالاستمرار بطريقة مضبوطة جداً، مع توفير أقصى حماية للفئة الأكثر عرضة للإصابة.
لكلّ طريقة من هذه الطرق محاذير ومخاطر كبيرة.
مشاكل الخروج من الإغلاق (الحجر الصحي)
بالنسبة للخيار الأول، سيعاود الفيروس الظهور مجدداً، وسيؤدي ذلك إلى عواقب مشابهة لحالة الوباء غير المضبوط. الخيار الثاني سيسمح بالإبقاء على معدّل الإصابات منخفضاً إلى حين تطوير لقاح فعّال، أي عملياً تسطيح منحنى الإصابات، وجعله أفقياً تقريباً لكن دون القضاء على الوباء تماماً. يبدو أن هذا هو المسار الذي نتبعه الآن، ولكن ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كنا سنكون قادرين على إعادة افتتاح الأعمال والمطاعم والمدارس، والسماح بمواصلة التنّقل على مستوى منخفض.
إذا تابعنا في هذا المسار، يجب أن ندرك أنّ بعض أشكال الإغلاق يمكن أن تستمر. يمكننا تخفيف القيود تدريجياً، ولكن أيّ إشارة تفيد بارتفاع معدّل الإصابات مجدداً؛ سُيقابل بفرض إجراءات الإغلاق مجدداً. يمكننا دائماً التخفيف من عدد الإصابات والعودة بشكلٍ متقطّع إلى الإغلاق الصارم حتى الوصول إلى لقاح للفيروس.
ينطوي الخيار الثالث على محاولة القضاء نهائياً على جميع الفيروسات المُنتشرة، لكّن بالرغم من أننا سنكون قادرين على العودة إلى حياتنا السابقة، إلا أننا سنظل معرّضين بشدة لموجاتٍ جديدة، من خلال الحالات الوافدة إذا أردنا فتح الحدود مجدداً. إذا توجب علينا اتّباع هذا المسار؛ فسيكون من الضروري إشراك العامّة في هذا الجهد على نطاقٍ واسع، حيث نحتاج للبقاء في حالة الإغلاق لعدّة أسابيع بعد تسجيل الحالة الأخيرة، كما بجب توضيح الأساس المنطقي للمضي قدماً بهذه السياسة للقضاء على الفيروس بوضوح.
من غير الواضح هل هذه هي الإستراتيجية التي تنتهجها الصين أم لا، لكن أرقام الإصابات الجديدة المشجّعة تثبت أهميّة الإغلاق الصارم والمطوّل، لكن لن يتم اختبار جدوى هذه الإستراتيجية وخطورة حدوث موجاتٍ جديدة من المرض؛ إلا بعد رفع إجراءات الإغلاق الصارمة.
مناعة القطيع
قد ينطوي الخيار الرابع على السماح بانتقال مُتحكمٍ به بعناية لفيروس كورونا في مجموعاتٍ مختارة منخفضة المخاطر، وهو مسار خطير للغاية في الواقع. ومع ذلك، فإن الغياب شبه الكامل للوفيات بين الأطفال والشباب قد يسمح لنا بالنظر في الطرق التي يمكننا من خلالها زيادة المناعة على مستوى السكان، مع إعطاء الأولوية لحماية الفئة الأكثر عرضة للإصابة، لتجنب معدّل كبير في الوفيات.
في الواقع، لقد أثار مصطلح «مناعة القطيع» جدلاً كبيراً منذ بداية انتشار الفيروس، لكن ضمان أن نسبةً كبيرة من السكان سيطورون مناعة طبيعية ضد الفيروس -بطريقة مضبوطة للغاية- يمكن أن يكون السبيل الوحيد لإبطاء انتشاره، أثناء العودة إلى نمط حياتنا السابقة في ظلّ غياب لقاح فعال.
ما زلنا بحاجة إلى فهم أفضل للمخاطر التي يتعرّض لها الشباب من العدوى الطبيعية، وكذلك قوة ومدة المناعة الطبيعية، لكن المؤشرات الحالية تُظهر أن المرض «حميد نسبياً» لدى الشباب الأصحاء، وأنهم يكتسبون مناعة ضده. قد يوفر هذا النهج الفريد جداً مفتاح الخروج من حالة الإغلاق، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة تقليل المخاطر إذا فشل التطعيم الفعّال في المستقبل القريب.
يجب التحكم في هذا الخيار بعناية لضمان عدم انتقال الفيروس إلى الفئات الأكثر عرضة للإصابة. ولا يزال علينا النظر في كيفية تحقيق ذلك، لكّن هذا النهج قد ينطوي ذلك على خلق بيئات يمكن انتقال الفيروس فيها بسهولة بين متطوعين شباب أصحّاء، دون المخاطرة بانتشار الوباء على مستوى المجتمع كلياً.
إن اكتساب المناعة الطبيعية لدى نسبةٍ كبيرةٍ من جيل الشباب ستسمح لهم بالاستمرار في حياتهم دون تعريض الآخرين للخطر. كما أنه يعمل على إبطاء أي فاشيّات متكررة قد تحدث بمجرد تخفيف قيود الإغلاق.
في النهاية، بالرغم من عدم وجود إجابات سهلة الآن، إلا أننا بحاجةٍ إلى مناقشة إستراتيجية الخروج من حالة الإغلاق بنشاط أكثر، وجمع البيانات الضرورية لتوجيه عملية اتخاذ القرار. قد نضطر إلى التفكير في حلول مختلفة في بيئاتٍ مختلفة، ولكن مع إستراتيجية شاملة مُنسّقة على المستوى الوطني.