أكاديميون وصحفيون من الشرق الأوسط ينتقدون تغطية الأخبار العلمية في وسائل الإعلام العربية

أكاديميون وصحفيون من الشرق الأوسط ينتقدون تغطية الأخبار العلمية في وسائل الإعلام العربية
حقوق الصورة: ليون برخو.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أعرب العديد من الأكاديميين والصحفيين في المنتدى العربي الذي عُقد مؤخراً لمراجعة التغطية الإعلامية لأخبار العلوم في الشرق الأوسط، عن قلقهم العميق إزاء كيفية نقل نتائج الأبحاث العلمية لعامة الناس، كما انتقدوا الطريقة التي يتم بها حالياً نشر المؤلفات العلمية في العالم العربي.

عُقد المؤتمر في 29 مايو/ أيار واستمر 3 أيام، ونظّمته شركة سايكوم إكس (SciComm.X) الاستشارية في مجالات العلوم والاستدامة والتواصل، ومقرها الإمارات العربية المتحدة، كما استضافته جامعة الشارقة، وهي الجامعة الأكبر في الإمارات العربية المتحدة، وتحتلُ حالياً مكانةً مرموقةً في دولة الإمارات والمنطقة من ناحية الاستدامة والمنشورات العلمية. 

شهد المؤتمر أيضاً مناقشات محتدمة حول كيفية نقل المعلومات العلمية إلى الناس في العالم العربي والفائدة من المنشورات الأكاديمية الخاضعة لمراجعة الأقران في الجامعات العربية.

النشر العلمي في دول مجلس التعاون الخليجي

تولي أغلب الجامعات في دول مجلس التعاون الخليجي الست، التي تضم السعودية والبحرين والكويت وعمان وقطر والإمارات العربية المتحدة، الأولوية للنشر العلمي، وتُلزم الأكاديميين بنشر بحث أو بحثين سنوياً في المجلات العلمية المرموقة شرطاً للبقاء في وظائفهم؛ حيث يُطلب في بعض الجامعات من أعضاء هيئة التدريس تقديم أدلة على نشرهم عدداً معيناً من الأبحاث في المجلات الأكاديمية الرفيعة المستوى لتجديد عقود عملهم كل سنتين أو 3 سنوات، وإلّا فقد يفقدون وظائفهم فيها.

اقرأ أيضاً: لن نترك شخصاً خلفنا: دعوة لعقد اجتماعي جديد في يوم الشعوب الأصلية

في الأوساط الأكاديمية، يشير القول المشهور “انشر إنتاجك العلمي وإلّا خسرت مسيرتك الأكاديمية” (Publish or perish) إلى نجاح مجال العمل الجامعي في ترويج الحقائق العلمية، لكنه يتم من خلال إلزام الأكاديميين في أماكن كثيرة من العالم بنشر أعمالهم حصراً في مجلات علمية مرموقة خاضعة لمراجعة أقران مجهولين. وقد أسهم الالتزام الصارم بمبدأ “انشر إنتاجك العلمي وإلّا خسرت مسيرتك الأكاديمية” في العديد من الجامعات العربية، ولا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي، في صعودها سُلّم تصنيفات الجامعات العالمية. 

ومع ذلك، انتقد أعضاء هيئات التدريس والمهنيون الممارسون على حد سواء في المؤتمر هذه العقلية ودرجة اهتمام وسائل الإعلام العربية الرئيسية بالعلوم.

حضر المنتدى أكثر من 500 صحفي علمي عربي، لكن مكان انعقاده وإتاحة خيار المشاركة عبر الإنترنت سمح للعديد من الأكاديميين بالمشاركة أيضاً، لا سيما من جامعات دول مجلس التعاون الخليجي.

كما ناقشت النسخة الثالثة من المنتدى التي ركّزت على الحديث عن الاستدامة، زيادة النشر العلمي في العالم العربي وكيفية مشاركة نتائج البحث العلمي مع الجمهور العربي.

شهد العالم العربي ارتفاعاً حاداً في الإنتاج العلمي وفق مؤشر سيماغو جورنال رانك (SCImago Journal Rank: SJR)، الذي يقيّم جودة المقالات المنشورة في المجلات العلمية، حيث تُظهر الأرقام زيادة بنسبة 120% في المقالات العلمية المحكّمة التي نشرتها الجامعات العربية عام 2022 مقارنة بعام 2019.

تكشف بيانات المؤشر أن الجامعات العربية نشرت 211 ألف بحث عام 2022، بينما كان الرقم نحو 96 ألف بحث فقط عام 2019.

الأكاديميون غير راضين عن منحى النشر العلمي في العالم العربي

لكن، وعلى الرغم من الزيادة الملحوظة في عدد الأبحاث العلمية، فقد عبّر العلماء والمهنيون والاختصاصيون عن استهجانهم وتشكيكهم بهذه الأرقام. 

تُنشر جميع الأبحاث العلمية تقريباً في العالم العربي باللغة الإنجليزية في مجلات علمية تصدر في دول غير عربية. وبحسب الأكاديميين العرب، تكاد احتمالات أن تستفيد منها الدول العربية أو الجمهور أو القطاع العربي تكون معدومة.

اشتكى بعض الأكاديميين العرب، الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم بسبب حساسية الموضوع، من أن النشر باللغة العربية غير مُجدٍ لعدم وجود مجلات عربية تعتمد مراجعة الأقران يمكنها منافسة نظيراتها الأجنبية، ويقولون إنه حتى لو توفرت مجلات أكاديمية عربية فهي غير معتمدة من الجامعات العربية معياراً لترقيتهم أو تجديد عقودهم.

يقر تقرير اليونسكو للعلوم لعام 2021 بأن بعض الدول العربية أصبح يدرك ضرورة زيادة الإنفاق على البحث والتطوير، إذ تعد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من بين أفضل 50 دولة في العالم من حيث نصيب البحث العلمي من الناتج المحلي الإجمالي.

اقرأ أيضاً: ناسا تحتفي بصورة الرخام الأزرق التي غيّرت نظرتنا لكوكب الأرض إلى الأبد

ومع ذلك، فالإنفاق الإجمالي على البحث والتطوير في العالم العربي، الذي يُقدّر بنحو 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي، أقل بكثيرٍ من المتوسط العالمي البالغ 1.79%.

هناك أكثر من 20 دولة تتحدث اللغة العربية بصفتها اللغة الأم واللغة الرسمية، ويبلغ عدد سكانها معاً نحو نصف مليار شخص، ومع ذلك، لا تزال اللغة الإنجليزية وسيلة تعليم العلوم والتكنولوجيا والطب على مستوى التعليم العالي، بينما في دولة مثل آيسلندا الاسكندنافية الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها 370 ألف نسمة فقط، تُدرّس العلوم على المستوى الجامعي بصورةٍ أساسية باللغة الآيسلندية، وتُضاف برامج مخصصة باللغة الإنجليزية لتلبية احتياجات الطلاب الأجانب.

أصبحت الدول العربية الغنية، لا سيما دول الخليج، نقطة جذب للجامعات الأميركية والكندية والأوروبية الكبرى لفتح فروع تقدّم برامجها الدراسية كلها باللغة الإنجليزية. 

أنشأ بعض الدول مثل قطر والإمارات العربية المتحدة مراكز حديثة خصيصاً لجذب الجامعات الأجنبية. على سبيل المثال، تحظى هذه المؤسسات التعليمية في المدينة التعليمية بقطر، حيث يوجد بعض أعرق الجامعات الأميركية، بدعم مالي كبير من الحكومة على الرغم من رسومها الباهظة.

حيادية تغطية وسائل الإعلام العربية للعلوم ودقتها

إلى جانب تركيزه على الأبحاث الأكاديمية، ناقش المنتدى أيضاً درجة حيادية تغطية وسائل الإعلام العربية للعلوم ودقتها. 

وفقاً لسجلات شركة سايكوم إكس، هناك نحو 1,500 صحفي عربي يكتبون عن العلوم في 22 دولة عربية، داخل دول الشرق الأوسط وخارجها، ويغطون جميع أنواع الإنتاج العلمي.

ركّز المنتدى على طريقة تغطية العلوم وتأثيرها على جودة التغطية الإعلامية العربية ودقتها، كما سلّط الضوء على القضايا المتعلقة بالعلاقة بين العلم والمجتمع. فعلى الرغم من حقيقة أن معظم الجامعات في العالم العربي تربط نجاح أكاديمييها بمعدل نشر أبحاثهم العلمية، فقد لا يضمن ذلك بالضرورة وصول نتائج تلك الأبحاث بفاعلية إلى الجمهور العربي غير المتخصص. 

يقول الرئيس التنفيذي لشركة سايكوم إكس، سعد لطفي، في كلمته الافتتاحية بالمنتدى: “إن النتائج الكبيرة لا تُعد مؤشراً على نجاح جهود نشر الأبحاث العلمية ما لم تكن متوافقة استراتيجياً مع جمهور مستهدف وسياق ذي صلة”.

على الرغم من الإشارة إلى الارتفاع الكبير في أنشطة نشر نتائج الأبحاث العلمية، فقد لاقت كلمات لطفي القوية صدى كبيراً بين الأكاديميين الذين حضروا المنتدى شخصياً أو افتراضياً، كما أثارت نقطة نقاش بين المهنيين الممارسين الحاضرين حول أكثر الطرق فاعلية لنشر العلوم وإيصالها إلى الجمهور العربي.

اقرأ أيضاً: «التعافي تحت راية النزاهة» شعار اليوم الدولي لمكافحة الفساد

أجرى الباحثون المتخصصون في التواصل والصحافة أبحاثاً مكثّفة حول تغطية وسائل الإعلام للعلوم، لكن النتائج التي توصلوا إليها لم تصل إلى غرف الأخبار وربما لن تصل أبداً، لأن المختصين لا يخفون نفورهم من الكتابة الأكاديمية. ووفقاً للطفي، هناك هوة واسعة في العالم العربي بين العلوم والمجتمع كانت سايكوم إكس تسعى إلى ردمها.

اتفق أعضاء لجنة المؤتمر والمتحدثون في المنتدى على هذه الملاحظة، ومع ذلك تبين أن معظم الجامعات العربية عادةً ما تسند مهمة مشاركة العلوم مع المجتمع إلى أساتذتها بدلاً من المتخصصين والمدربين في هذا المجال.

كما شدد لطفي على الضرورة المُلحة لوجود مسؤولين متخصصين في التواصل لنقل نتائج الأبحاث إلى الجمهور في المؤسسات التي لديها نتائج بحثية مهمة.

الهوة بين الجامعات والمجتمع

في الواقع، يلاحظ المرء عند زيارة المواقع الإلكترونية للجامعات العربية البارزة أن اهتمامها الرئيسي الذي يتعلق بنقل المعلومات إلى المجتمع يتركز بصورةٍ مفرطة على الأرقام، لا سيما المتعلق منها بترتيبها في قوائم التصنيف الدولية وبين نظيراتها في المنطقة العربية.

وهناك تركيز مبالغ به على الأرقام المتعلقة بالإنتاج العلمي، وكذلك تصنيف المجلات والدوريات العلمية التي تنشر فيها هيئة التدريس وفهرستها، بينما لا يوجد سوى القليل من الاهتمام في الواقع بحقيقة أن الأرقام ليست ذات أهمية إلّا في سياق معين، والجمهور العربي يفتقد هذا السياق بشدة لأن البحث العلمي لا يمثّل فائدة تُذكر له ونادراً ما يُنقل إليه بدقة وحيادية.

يذكر مدير علوم الفضاء في جامعة الشارقة، الأستاذ الجامعي إلياس فيرنيني، بعض الأمثلة عن الخرافات المنتشرة في المجتمع، ويقول إن بعض النساء يأتين إليه حتى الآن لسؤاله ما إذا كان بمقدورهن قص شعرهن عندما يكون البدر مكتملاً، وأضاف أن بعض النساء الحوامل اتصلن به لسؤاله عما إذا كان من المقبول مغادرة المنزل في أثناء كسوف الشمس، وأنه طمأنهن بأنه لا ضرر من ذلك طالما أنهن يتخذن الاحتياطات اللازمة لحماية أعينهن.

اقرأ أيضاً: تضرر 4 مليار شخص: 20 عاماً من الكوارث الطبيعية بسبب المناخ

انخرط العلماء والاختصاصيون في نقاشات حول طبيعة المعلومات التي تُنقل إلى الجمهور العربي؛ هل هي علم حقيقي أمْ زائف؟ في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي في العديد من البلدان العربية، وبمعدل يُعد من أعلى المعدلات على مستوى العالم.

وتحدث المتحدثون والحضور في هذا الصدد عن حالات انتشرت فيها قصص علمية على وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي حظيت باهتمامٍ وشعبية كبيرين على الرغم من أنها خيالية ولا تمت للحقيقة بصلة.

تقول المنسقة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في موقع سايديف دوت نت (SciDev.Net)، المصدر الرائد على مستوى العالم لأخبار تطوير العلوم والتكنولوجيا، بثينة أسامة، إن هناك حاجة إلى مراسلين محترفين لتغطية أخبار العلوم في العالم العربي.

شهد المنتدى مناقشات محتدمة حول كيفية نقل المعلومات العلمية إلى الناس في العالم العربي والفائدة من المنشورات الأكاديمية الخاضعة لمراجعة الأقران في الجامعات العربية.