بدأ العمل بشكل رسمي على إنشاء منظومة تلسكوب راديوي جديدة تتألف جزئياً من أكثر من 130 ألف هوائي مخروطي الشكل في المناطق النائية في أستراليا. وفقاً للمدير العام لهذا المشروع، بمجرد إتمامه، ستصبح هذه المنظومة التي تحمل اسم منظومة الكيلومتر المربّع (Square Kilometer Array، أو إس كاي أيه اختصاراً) "أحد أكبر الأجهزة العلمية التي بناها البشر".
تم اقتراح هذا المشروع لأول مرة في تسعينيات القرن الماضي، وهو يجمع بين آلاف الهوائيات الموجودة في غرب أستراليا وشبكة من الأطباق الموجودة في منطقة نائية في جنوب إفريقيا لتشكيل نظام "أطباق افتراضية" كبير ومترابط يمكن اعتباره جهازاً واحداً عملاقاً.
اقرأ أيضاً: الصين تستكمل بناء أكبر تلسكوب في العالم لمراقبة النشاط الشمسي
نظام استشعار حساس للغاية
قال داني برايس (Danny Price) من معهد كورتن لعلم الفلك الراديوي لموقع فيزكس (Phys.org)، إن هذا التلسكوب سيكون حساساً للغاية لدرجة أنه سيستطيع تحديد موقع مصدر إشارة هاتف ذكي في جيب رائد فضاء على المريخ يبعد أكثر من 223.6 مليون كيلومتر عن الأرض. من المتوقع أن تكتمل المرحلة الأولى من المشروع في عام 2028. وهي تمثّل عشر عدد المراحل التي تهدف في النهاية إلى تركيب آلاف الأطباق ومليون هوائي.
سيتيح كل من البعد بين موقعي تركيب مكونات المنظومة والتداخل الراديوي الأدنى بين هذه المكونات لهذا التلسكوب استشعار الإشارات الخفيفة للغاية التي تولّدها المصادر التي توجد على بعد مليارات السنين الضوئية. يتم إصدار الإشارات الراديوية من قبل مجموعة واسعة من الأجرام السماوية، ولهذه الإشارات عادة صوت الضوضاء البيضاء، تستطيع التلسكوبات المتطورة مثل منظومة إس كاي أيه تحسس الإشارات التي أصدرت من نقاط تبعد مئات الملايين من السنين الضوئية، وستستخدم حواسيب المنظومة هذه الإشارات لإنشاء الصور وتحليلها.
اقرأ أيضاً: إنهاء العمل بنظام الثواني الكبيسة اعتباراً من عام 2035
من المحتمل أن يكون مصدر بعض الأرصاد التي سيجريها هذا التلسكوب في المستقبل هو الأجسام التي تشكّلت في أول مليار سنة من عمر الكون، مثل النجوم والمجرات المبكرة. قال مدير قسم الفضاء وعلم الفلك في منظمة الكومنولث للأبحاث العلمية والصناعية الأسترالية (CSIRO)، دوغلاس بوك (Douglas Bock)، لشبكة أيه بي سي نيوز أستراليا الإخبارية: "هذه الموجات الراديوية هي نفس الموجات التي تصدرها محطات إذاعة الراديو إف إم"، وأضاف: "هذه الموجات المبكّرة تكشف لنا كيف كانت حالة الكون المبكر، وكيف تطورت المادة لتشكل البشر على كوكب الأرض في النهاية".
تمنحنا هذه الأرقام منظوراً صارخاً عن العمر التقديري للمشروع والبالغ 50 عاماً، مع ذلك قد يكون التعاون الدولي لنصف قرن من الزمن كافياً لإيجاد الإجابات على بعض أقدم الأسئلة التي طرحها علماء الفلك حول الكون، بما في ذلك الاستفسارات حول نظرية النسبية لأينشتاين وطبيعة المادة المظلمة وربما حتى الطاقة المظلمة ووجود أشكال الحياة خارج كوكب الأرض. سيضاف خبر إطلاق مشروع إس كاي أيه إلى سنة من الإنجازات العظيمة في مجال التلسكوبات الراديوية. ففي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، أكملت الصين العمل على منظومة تلسكوب داوتشينع الشمسي الراديوي التي ستستخدم لدراسة التوهجات الشمسية وانفجاراتها البلازمية العديدة.
اقرأ أيضاً: الحديد كلمة السر: دراسة حديثة ترصد أصل المادة في مجرة درب التبانة
كانت عملية الحصول على الموافقة للبدء في مشروع منظومة الكيلومتر المربّع طويلة ومثيرة للخلافات. تعتبر المنطقة التي سيتم إنشاء هذه المنظومة فيها موطناً لشعب واجاري الأسترالي الأصلي. وعبّر الكثيرون في هذا المجتمع عن ترددهم وقلقهم وتشككهم عندما يتعلق الأمر بهذا المشروع. قال دواين مالارد (Dwayne Mallard)، أحد المفاوضين بالنيابة عن شعب واجاري، لشبكة أيه بي سي نيوز أستراليا: "احتلت المسؤوليات والالتزامات التاريخية لهذا الشعب الأولوية في [المفاوضات].
وتتمثل هذه المسؤوليات في الحفاظ على كرامة شعبنا وأرضنا وثقافتنا"، وأضاف: "لقد نجحنا في ذلك بأفضل طريقة ممكنة". عبّر آخرون عن قلقهم من أن يتم خرق الوعود التي قطعتها الجهات المسؤولة عن تنفيذ المشروع. وتتضمّن الشروط الواردة في اتفاقية استخدام الأراضي الخاصة بالسكان الأصليين الموقعة حديثاً تقديم مدفوعات نقدية سرية بالإضافة إلى توفير فرص العمل والتدريب والتعليم لشعب واجاري.