أثار بحثٌ جديد؛ أجراه فريق أمريكي - صيني، جدلاً أخلاقياً؛ حيث قاموا بحقن الخلايا الجذعية البشرية؛ وهي خلايا لديها القدرة على التطور إلى العديد من أنسجة الجسم المختلفة، في أجنة قرود «المكاك» النامية، وبقيت تلك الأجنة الهجينة على قيد الحياة، لمدة تصل إلى 20 يوماً في أطباق المختبر تُجرى الدراسات عليها.
أهداف علمية لتجربة مثيرة للجدل
أشار باحثون في تقريرٍ جديد نُشر يوم 15 أبريل/نيسان في دورية «سيل»، إلى أن هذه الأجنة البشرية والحيوانية يمكن أن تكون نماذجَ مفيدةً في الأمراض البشرية وتطور الجنين والشيخوخة؛ ذلك من خلال التركيز على التفاعل بين الخلايا البشرية والحيوانية في الأجنة، ويمكن للعلماء أيضاً تعلم كيفية مساعدة الخلايا البشرية على البقاء على قيد الحياة بين الخلايا الحيوانية؛ مما قد يؤدي إلى تعزيز جهود تنمية الأعضاء البشرية في نماذج حيوانية حية.
ستوفر مثل هذه الدراسات نافذةً على علم الأحياء البشري الذي قد يتطلب إجراء تجارب على البشر؛ مما يجعل مثل هذه الدراسات مستحيلةً حالياً، وبطبيعة الحال؛ فإن تطور الكائنات الوراثية البشرية والحيوانية -الكائنات الحية التي تحتوي على خلايا من نوعين أو أكثر- يثير مخاوفاً أخلاقيةً كثيرةً؛ لا سيما فيما يتعلق بالوقت الذي ينبغي فيه السماح لمثل هذه الأجنة بالنمو.
حاول العلماء في الماضي دمج الخلايا الجذعية البشرية في أجنة الخنازير والأغنام، بهدف زراعة الأعضاء البشرية في الماشية، لاستخدامها في عمليات زرع الأعضاء، لكن عدداً قليلاً جداً من الخلايا البشرية نجا من التجارب.
وقد يرجع ذلك الانخفاض في معدل البقاء على قيد الحياة إلى حقيقة أن الخنازير والأغنام ليست مرتبطةً ارتباطاً وثيقاً بالبشر من الناحية التطورية، بينما يمكن أن تقدم البيانات الجديدة التي تم جمعها من أجنة القرد البشري تلميحات حول كيفية نمو الخلايا البشرية بشكل أفضل في الحيوانات ذات الصلة البعيدة.
أحد الاهتمامات الرئيسية فيما يتعلق بالأجناس البشرية-الحيوانية، هو ما إذا كان سيتم إضفاء الطابع الإنساني على تلك الكائنات؛ أي على سبيل المثال، ما إذا كانت ستكتسب إدراكاً شبيهاً بالإدراك البشري أم لا، ومع ذلك؛ فإن هذه المخاوف لا تنطبق بالضرورة على التجربة الجديدة؛ نظراً لأنه لم يُسمح للأجنة بالنمو إلا لفترة محدودة، ولم يتم زرعها في الرحم، لكن بالنسبة للدراسات المستقبلية، ستكون مناقشة المدة التي يجب أن يُسمح فيها بالتجارب أمرٌ مفصلي.
الدمج بين خلايا القرد والبشر
لإنتاج أجنة الإنسان والقرد، جمع الباحثون أولاً البويضات؛ وهي مقدمة لخلايا البويضة الناضجة من قرود المكاك، وأنضجوا الخلايا في المزرعة، ثم حقنوها بحيوانات المكاك المنوية لتخصيبها. بعد ستة أيام، بطبيعة الحال؛ تنقسم الخلايا الملقحة إلى خلايا إضافية، ثم تتجمع في كريات مجوفة؛ تُعرف باسم «الكيسات الأريمية»، وفي الحمل الطبيعي، يتم زرع الكيسة الأريمية في الرحم، وتؤدي لاحقاً إلى تكوين جنين مكتمل النمو.
لكن في هذه التجربة، قام الفريق بنقل كيسات القرد الأريمية النامية إلى أطباق المختبر، واستخدموا الليزر لإزالة غلافها الخارجي الشفاف؛ المسمى بـ«المنطقة الشفافة»؛ إذ أنه بدون المنطقة الشفافة السليمة، تلتصق الكيسات الأريمية بطبق المختبر الذي توضع فيه؛ مما يحاكي إلى حد ما كيفية زرعها في جدار الرحم. قام الفريق بعد ذلك بتطبيق تقنية تمكن أجنة القرود من البقاء على قيد الحياة لمدة 20 يوماً خارج جسم الأم، وتتضمن هذه التقنية إجراء تعديلات دقيقة على محلول الزرع المحيط بالخلايا.
بعد ستة أيام من تخصيب خلايا القردة، حقن الباحثون 25 خلية جذعية بشرية في كل كيسة أريمية. يمكن لهذه الخلايا؛ التي تسمى «الخلايا الجذعية متعددة القدرات»، أن تتمايز إلى أنسجة جنينية وأنسجة «خارج المضغة»؛ التي تدعم الجنين النامي عن طريق توفير التغذية وإزالة الفضلات.
احتفظت جميع الأجنة الـ132 بالخلايا بشرية بعد يوم واحد من الزرع، ولكن تم ربط 111 جنيناً فقط بأطباق المختبر، ومن بينها، نجا 103 جنين حتى اليوم العاشر بعد الإخصاب، وانخفضت أعدادهم بشكل حاد بين اليوم 15 و 19، ولم يتبقَّ سوى ثلاثة أجنة على قيد الحياة بنهاية التجربة.
الخطوات التالية والاعتبارات الأخلاقية
بالإضافة إلى تتبع عدد الخلايا الجذعية البشرية التي نجت خلال التجربة، قام الفريق أيضاً بتحليل الجينات التي تم نشطت في تلك الأجنة أثناء التطور، والبروتينات التي أنتجتها. جمع الفريق نفس البيانات من مجموعة من أجنة القرود غير المعدلة، لمعرفة ما إذا كان التعبير الجيني يبدو مختلفاً في تلك الأجنة، ولاحظ الباحثون بعض التغييرات التي حدثت في خلايا القرود بعد إدخال الخلايا البشرية في جنين القرد؛ إذ كان هناك أشبه بالحديث المتبادل بين الخلايا البشرية وخلايا القرد.
ووجد الباحثون أنه بالمقارنة مع الأجنة غير المعدلة، قامت الأجنة الهجينة بتشغيل جينات إضافية وبنت مجموعة مختلفة من البروتينات، ويُفترض أن بعض هذه الجينات والبروتينات قد تشارك في «الاتصال» بين القرد والخلايا البشرية؛ على حد تعبيرهم، وأن خطوط الاتصال هذه قد تكون مفتاحاً لبقاء الخلايا البشرية حيةً لفترات طويلة. يخطط الفريق لدراسة مسارات الاتصال هذه بشكل أكبر، لتحديد أي منها ضروري لنجاح هذه العملية، وأضاف أنه إذا أمكن تكرار هذه التغييرات الجزيئية في أنواع أخرى؛ مثل الخنازير، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تحسين محاولات زراعة الأنسجة والأعضاء البشرية في هذه الحيوانات.
عند التفكير في مستقبل الأجنة الهجينة، يجب أن تدخل الأخلاقيات العلمية في المناقشة؛ حيث أن هذه الأجنة بطبيعتها، تثير مخاوف مختلفةً عن الزرع المباشر للخلايا والأنسجة البشرية في الحيوانات؛ فمع الزرع المباشر، يمكن للباحثين التنبؤ بكيفية اندماج الأنسجة المزروعة في الحيوان الأكبر، ويمكنهم تحديد ما إذا كانت عملية الزرع قد تدخل منطقةً مثيرةً للقلق؛ مثل الدماغ والغدد التناسلية، ولكن في جنينٍ هجين، من المحتمل أن يتم دمج الخلايا البشرية في جميع أنحاء الكائن الحي، بافتراض السماح للجنين بالنمو لبعض الوقت.
لم يتم نقل الأجنة إلى الرحم في هذه التجارب الجديدة؛ وبالتالي لا يمكن أن تؤدي إلى كائنات هجينة حية أو حتى أجنة، كما أن زراعة كائنات هجينة كاملة في الرحم ليس الهدف طويل المدى لهذا البحث؛ إذ أن زرع أجنة بشرية-قردية سيكون مثار جدل أخلاقي، وسيحتاج إلى مناقشته من قبل العلماء وعلماء الأخلاق والجمهور قبل المضي قدماً في مثل هذه التجارب. بالإضافة إلى ذلك؛ سيحتاج العلماء إلى النظر بجدية في صحة الحيوانات المشاركة في أبحاث التهجين المستقبلية، لا سيما تلك الخاصة بالرئيسيات غير البشرية، وكذلك قياس المخاطر والفوائد المحتملة على البشر.