اتخذت الطبيعة نهجاً للحفاظ على الأنواع، عُرف هذا النهج باسم التكاثر، وهو يحدث عند اجتماع الأمشاج (النطاف) المذكرة مع البويضات المؤنثة، فتحصل عملية الإخصاب، وينتج جنين ينمو تدريجياً حتى ينضج ويمر ببعض المراحل في حياته، ليصبح في النهاية قادراً على التكاثر، ما يحافظ على النوع الحي قائماً في الأرض إلى أن تأتي ظروف يصعب على هذا الكائن مجابهتها، ويصبح أمامه طريقان، إما التكيّف أو الانقراض. لكن اتضح أنّ هناك نوعاً آخر من التكاثر لا تحتاج فيه الأنثى إلى ذكر من أجل التكاثر وقد لا يحتاج فيها الذكر إلى أنثى للتكاثر أيضاً في حالات نادرة، وهذا النوع يُعرف بـ "التوالد البكري" أو "التوالد العذري". وتُوجد العديد من الأمثلة الطبيعية التي تتبع هذا النهج في التكاثر.
ما هو التوالد البكري؟
يأتي مصطلح "التوالد البكري" (Parthenogenesis) أو العذري من كلمتين يونانيتين، هما:
- كلمة (Parthenos): وهي تعني عذراء.
- كلمة (Genesis): تعني أصل أو منشأ.
وهو حالة من التكاثر اللاجنسي، وفيها تستطيع البويضة النمو وتكوين جنين دون الخضوع لعملية الإخصاب. يحصل هذا النوع من التكاثر بين أنواع معينة من الحيوانات اللافقارية مثل: النمل والنحل، أيضاً يحصل بين بعض الأنواع من النباتات. تستطيع العديد من الأنواع إجراء التكاثر البكري والتكاثر الجنسي معاً، ولكن تحت ظروف بيئية معينة. ويعتقد العلماء أنّ هناك ما يزيد عن 2000 نوعاً من الكائنات الحية تتكاثر عن طريق التوالد البكري.
اقرأ أيضاً: يحاول العلماء منع البكتيريا من التكاثر داخل البعثات الفضائية
كيف يحصل التوالد البكري؟
الجاميتات (الأعراس) خلايا تكاثرية أحادية العدد الصبغي، تنتج عن الانقسام الاختزالي (المنصف) للخلايا، وتُستخدم في عملية الإخصاب. في حالات التكاثر الجنسي، تتحد خليتان إحداهما مؤنثة والأخرى مذكرة، فتتكون البويضة المخصبة. أما في حالة التكاثر اللاجنسي، والتي تتضمن التوالد البكري، قد تنمو الخلية التناسلية أحادية العدد الصبغي دون إخصاب، فيتكون كائن حي. نفس الأمر في الخلايا ثنائية العدد الصبغي التي قد تتشكل مكونة كائناً حيّاً، لكن الفرق بين الاثنين أنّ الكائن الأول، خلاياه أحادية العدد الصبغي، والأخير خلاياه ثنائية العدد الصبغي.
وهذا يعني أنّ الإناث في بعض الأنواع تستطيع إجراء عملية التكاثر دون الحاجة إلى ذكر. وتتعدد أنواع التوالد البكري، وهناك بعض الأنواع التي تنجب فيها الأنثى ذكراً.
تنتشر عملية التكاثر البكري بين النباتات والحشرات وبعض الكائنات الأخرى، لكن ماذا عن الثدييات الكبيرة مثل الفئران مثلاً؟
اقرأ أيضاً: جين "هايلاندر" الجديد: لاستمرارية الأنواع ومقاومة الإلقاح الذاتي
التوالد البكري في الثدييات
نجح فريق من الباحثين من عدة مؤسسات في الصين والولايات المتحدة الأميركية في الحصول على نسل من بويضة ثديية غير مخصبة لفأر، ونُشرت نتائج الدراسة في 7 مارس/آذار 2022 في دورية "وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم" (PNAS).
لطالما حاول العلماء والباحثون من قبل تطبيق التوالد البكري على الثدييات، لكن لم يكن الأمر سهلاً، فالثدييات كائنات فريدة تتمتع بالبصمة الوراثية، وهذا مَثّل تحدياً للعلماء طوال الوقت.
حاول العلماء التغلّب على هذه المشكلة من خلال اتباع نهج جديد، وذلك باستخدام تقنية كريسبر لتعديل جينات البويضات، بحيث تصبح مشابهة لجينات البويضات التي خضعت لعملية الإخصاب، بعد ذلك، تمت زراعة البويضة في رحم الفأرة الأنثى لتنمو وتصبح جنيناً.
اتبع الباحثون هذه الطريقة مع عدد من البويضات ولاحظوا عملية الولادة، فقد وُلدت جميع الفئران الصغيرة بسلام، لكن فأراً واحداً فقط صمد إلى سن الرشد، وكانت له قدرة على الإنجاب. ويرى مؤلفو الدراسة أنّ هذه الطريقة مبشّرة، ولكنها تحتاج إلى مزيد من الأبحاث والدراسات، وإذا نجحت فمن الممكن أن تفيد في مجالات كثيرة مثل الزراعة والطب.