ثمة نوع من البكتيريا قريب وراثياً من البكتيريا التي تسبب مرض السلّ يحمل اسم المتفطّرة اللخنيّة (Mycobacterium smegmatis)، ويستطيع إجراء عملية طبيعية مثيرة للإعجاب. يمتص هذا النوع كميات قليلة من غاز الهيدروجين من الجو والمياه ويحولّها إلى طاقة عند الحاجة. بتعبير مبسّط: ما يفعله هذا النوع من البكتيريا هو أنه يحول الهواء إلى كهرباء.
بكتيريا المتفطرة اللخنية
على عكس البكتيريا التي تسبب مرض السلّ والمعروفة بـ "المتفطّرة السليّة" (Mycobacterium tuberculosis)، تُعتبر بكتيريا المتفطّرة اللخنيّة غير ممرضة كما أنها تعيش في التربة في مختلَف البيئات حول العالم؛ من الفوهات البركانية والقارة القطبية الجنوبية إلى أعماق المحيطات. يعود كل من الانتشار الواسع لهذه البكتيريا وقدرتها العالية على التحمل جزئياً إلى قدرتها على امتصاص كميات قليلة للغاية من الهيدروجين للتغذّي عليها.
وعلى الرغم من أن العلماء اكتشفوا ذلك منذ زمن، فإنهم لم يكتشفوا آلية عمل البكتيريا؛ ولكنهم تمكنوا من حلّ هذا اللغز في دراسة جديدة نُشرت في مجلة نيتشر (Nature) ما قد يبشّر ببداية عصر جديد لتوليد الطاقة النظيفة الثورية.
اقرأ أيضاً: بكتيريا خارقة تنجو لمدة ثلاث سنين في الفضاء
عصر جديد لتوليد الطاقة من البكتيريا!
اكتشف باحثون من معهد ديسكفري للطب الحيوي التابع لجامعة موناش الإنزيم الفريد في بكتيريا المتفطرة اللخنيّة الذي يمكّنها من تحويل الهيدروجين إلى طاقة كهربائية، وعزلوه وأطلقوا عليه اسم الإنزيم هاك (Huc). وقال أستاذ علم الأحياء الدقيقة والمؤلف الرئيسي المشارك للدراسة الجديدة، كريس غريننغ (Chris Greening)، في بيان صحفي أُصدر في أوائل شهر مارس/ آذار 2023: "إنزيم هاك ذو كفاءة عالية للغاية، وعلى عكس الإنزيمات والمحفّزات الكيميائية الأخرى، يمتص هذا الإنزيم الهيدروجين من الأوساط التي يكون فيها تركيز هذا الغاز أقل من تركيزه في الغلاف الجوي، وقد يصل هذا التركيز إلى 0.00005% فقط من الهواء الذي نتنفسه".
إنزيم هاك قادر على توليد الطاقة الكهربائية بتراكيز منخفضة جداً من الهيدروجين
استخدم الباحثون في الدراسة تقنية تحمل اسم "الفحص المجهري الإلكتروني فائق البرودة" (cryo-electron microscopy) لعزل الإنزيم الجديد وتحديد نوعه، وقذفوا الإلكترونات على عينات الإنزيم المجمّدة لإنشاء مخطط لبنيته الذرية والمسارات الكهربائية التي يعمل وفقها. استخدم الباحثون أيضاً نهجاً آخر يعتمد على الكيمياء الكهربائية (التي تدرس التفاعلات على سطوح الموصلات الكهربائية وأشباه الموصلات والمحاليل الشارديّة) لإثبات أن إنزيم هاك المنقّى قادر على توليد الطاقة الكهربائية باستخدام تركيز منخفض للغاية من الهيدروجين. بعد ذلك، بيّن الباحثون أن إلكترونات ذرات هذا الإنزيم تنتقل إلى دارة كهربائية وتولّد تياراً كهربائياً عند تثبيت الإنزيم على قطب كهربائي.
وعلى الرغم من أن هذا الاكتشاف حديث العهد نسبياً، يأمل الباحثون أن يتمكنوا من تركيب كميات كبيرة من إنزيم هاك المعزول حديثاً نظراً لسهولة إنماء كميات كبيرة من بكتيريا المتفطرة اللخنية في المختبرات. بالإضافة إلى ذلك، إنزيم هاك ليس الوحيد القادر على توليد الطاقة الكهربائية من الهيدروجين، فوفقاً للباحثين في جامعة موناش؛ تحتوي نسبة تتراوح بين 60% و80% من البكتيريا التي تعيش في التربة على إنزيمات مشابهة تمتص مجتمعة ما مقداره 70 مليون طن متري من الهيدروجين سنوياً. ويمكن أن تكشف الدراسات المستقبلية التي يمكن إجراؤها على هذه الإنزيمات، عن معلومات تساعد العلماء على ضمان استقرار الظروف في الغلاف الجوي تحت تأثير التغير المناخي.
اقرأ أيضاً: تطوير مضادات حيوية جديدة تستهدف نطاقاً واسعاً من البكتيريا
ولكن قبل إجراء هذه الدراسات، يمكن استخدام البطاريات التي تعتمد على إنزيم هاك بطريقة مشابهة لاستخدام الخلايا الشمسية بهدف تزويد الساعات الذكية والحواسيب، وحتى السيارات الكهربائية في المستقبل، بالطاقة الكهربائية. وقال زميل الأبحاث في معهد ديسكفري للطب الحيوي التابع لجامعة موناش والمؤلف الرئيسي المشارك للدراسة الجديدة، ريس غرينتر (Rhys Grinter)، في بداية شهر مارس/ آذار 2023: "سنتمكن من استخدام إنزيم هاك دون قيود لتوليد الطاقة النظيفة بمجرد إنتاجه بكميات كافية".