أخيراً، سيتخلى العالم عن الثانية الكبيسة قريباً، والتي كانت طريقة غير موفقة لموائمة الساعة الذرية مع التباين الطبيعي لدوران الأرض. في اجتماعٍ جرى في مدينة فرساي الفرنسية بوقت سابق من الشهر الماضي، صوّت المكتب الدولي للأوزان والمقاييس (BIPM) بالإجماع تقريباً على التخلي عن الاتفاقية المثيرة للجدل اعتباراً من عام 2035 ولمدة 100 عام على الأقل. كان علماء المقاييس (الأشخاص الذين يدرسون القياسات المعيارية) في السابق يأملون بأن يبتكر شخص ما حلاً أفضل لمشكلة مزامنة التوقيت الذي يتبعه البشر مع الطبيعة. ولكن ما أهمية ذلك؟
إنهاء العمل بنظام الثواني الكبيسة
لسوء الحظ بالنسبة لنا نحن البشر، الكون ليس منتظماً تماماً كما يتصوره البعض. في الواقع، تلائم القيم التقريبية الحياة اليومية جيداً، ولكنها لا تفي بمعايير القياسات العلمية أو التكنولوجيا المتقدمة. لنأخذ السنوات على سبيل المثال: هناك 365 يوماً في السنة، أليس ذلك صحيحاً؟ نعم، ولكنه غير صحيح أيضاً. في الواقع، تستغرق الأرض نحو 365.25 يوماً لتدور حول الشمس دورة كاملة، لذلك تتم إضافة يومٍ إلى التقويم كل 4 سنوات ليصبح عدد الأيام فيها 366 يوماً، حيث يحافظ يوم الكبيسة الإضافي على مواءمة تقويمنا مع الدوران الفعلي للأرض.
تزداد الأمور تعقيداً عندما تحاول قياس الأشياء بدقة أكبر. على سبيل المثال، يبلغ طول اليوم 86400 ثانية، تزيد أو تنقص بضعة أجزاء من الألف من الثانية، ويتباطأ دوران الأرض في الواقع بسبب العديد من العوامل المعقدة بما في ذلك المد والجزر في المحيطات والتغيرات في توزيع كتلة الأرض. تؤدي هذه العوامل مجتمعة إلى إطالة مدة اليوم لبضعة أجزاء من الثانية في كل مرة، فإذا واصلنا افتراض أن طول اليوم ثابت هو 86400 ثانية تماماً، فإن ساعاتنا ستنحرف عن التوافق مع الشمس، وإذا لم نعد ضبط الوقت لفترة طويلة من الزمن، فقد يأتي وقت تشرق فيه الشمس في منتصف الليل وفقاً لتوقيت ساعاتنا.
اقرأ أيضاً: الصين تستكمل بناء أكبر تلسكوب في العالم لمراقبة النشاط الشمسي
مشاكل استخدام نظام الثانية الكبيسة
في عام 1972، اعتمد المكتب الدولي للأوزان والمقاييس حلاً بسيطاً يتمثل في الثواني الكبيسة. على غرار السنوات الكبيسة، تتم إضافة الثواني الكبيسة لمواءمة التوقيت العالمي المنسق (UTC) مع التوقيت العالمي للأرض (UTI). وبشكل عام، ليست هناك حاجة لإضافة الثواني الكبيسة في كثير من الأحيان، فبدلاً من أن يكون هناك نمط منتظم لإضافة الثواني الكبيسة، يجمع المكتب الدولي للأوزان والمقاييس كل أجزاء الثواني الإضافية، وإذا كان من الضروري، يصدر تعميماً إلى الجميع بإضافة جزء واحد من ألف جزء من الثانية إلى الساعة. بين عام 1972 حتى الآن، تمت إضافة 27 ثانية كبيسة إلى التوقيت العالمي المنسق.
ربما لم تكن هذه الفكرة لمعالجة هذه المشكلة هي الأفضل حتى في السبعينيات، ولكن الثانية الكبيسة أصبحت فكرة أسوأ تدريجياً لأن الاعتماد المتزايد على الحواسيب يتطلب ضبط الوقت بدقة على نطاق واسع. في الواقع، عندما تم تبني الثانية الكبيسة، كانت الحاجة إلى الضبط الدقيق للوقت مقتصرةً على مختبرات الأبحاث والمنشآت العسكرية. ولكن في الوقت الحالي يمكن لأي هاتف ذكي الحصول على التوقيت العالمي المنسق بدقة تصل إلى 100 مليار جزء من الثانية عبر تكنولوجيا تحديد المواقع وأقمار الملاحة الصناعية الأخرى في المدار.
المشكلة هي أن جميع الحواسيب المتصلة بالإنترنت تستخدم التوقيت العالمي المنسق لكي تعمل بشكل صحيح وليس فقط من أجل القيام بالمهام البسيطة. على سبيل المثال، عندما يتم حفظ الملفات في قاعدة بيانات، يتم وسمها بالتوقيت العالمي المنسق، وعندما تلعب لعبة فيديو عبر الإنترنت، فإن تحديد سير اللعبة يعتمد على التوقيت العالمي المنسق أيضاً، وإذا نشرت تغريدة على تويتر، فسيتم أيضاً وسم توقيت نشرها اعتماداً على التوقيت العالمي المنسق. بالنسبة لشركات التكنولوجيا الكبرى مثل شركة ميتا، والتي أطلقت مؤخراً مدونة تدعو فيها إلى إلغاء الثواني الكبيسة، فإن تحديث كل شيء يمثل مشكلة كبيرة لأن هذه الشركات التكنولوجية تعتمد على التوقيت العالمي المنسق للحفاظ على مزامنة خوادمها وعملها بالشكل الصحيح.
اقرأ أيضاً: ما أهم مشاريع مصادم الجسيمات الأكبر في العالم بعد عودته للعمل؟
تتعارض عملية إضافة الثواني الكبيسة أو حتى حذفها، حيث يبدو أن دوران الأرض حول نفسها يتسارع مجدداً لسبب ما، مع القواعد الأساسية المتعلقة بطبيعة الوقت في الحواسيب. هذه القواعد بسيطة، تتكون الدقيقة من 60 ثانية، والوقت يتقدم دائماً ولا يتكرر ولا يتوقف وما إلى ذلك، وبالتالي فإن إضافة الثواني أو حذفها تؤدي إلى تعطيل المزامنة بين أي حاسوبين، وعندما يحدث ذلك، يسير كل شيء بشكل خاطئ.
لقد انهار موقع ريديت عام 2012 لمدة 40 دقيقة عندما تمت إضافة ثانية كبيسة، وانهار نظام مزود أسماء النطاقات في خدمة كلاود فلير في أول يوم من عام 2017 عندما تمت إضافة آخر ثانية كبيسة، وقد حدث ذلك على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها الشركات المعنية لتجنب أي مشكلات تنجم عن إضافتها.
على الرغم من أن الشركات الكبرى طورت تقنيات لتجاوز الآثار السلبية، مثل إضافة الثانية الكبيسة على أجزاء على مدار عدد من الساعات بدلاً من إضافتها كلها مرة واحدة، فإن الأمر سيكون أسهل بكثير عموماً إذا لم تضطر إلى القيام بذلك.
اقرأ أيضاً: ناسا تنجح في الحصول على أول عيّنة صخرية من المريخ
بالطبع، يقودنا ذلك إلى القرار المهم الذي اتخذ يوم الجمعة الماضي. اعتباراً من عام 2035، لن يتم العمل بالثواني الكبيسة. سيسمح المكتب الدولي للأوزان والمقاييس بتباعد التوقيت العالمي المنسق والتوقيت العالمي حتى عام 2135 على الأقل، على أمل أن يتمكن العلماء من التوصل إلى نظام أفضل لحساب الوقت الضائع، أو أن تصبح الحواسيب أكثر ذكاءً في التعامل مع تغيرات الوقت. ربما لن يكون هذا الحل مثالياً، ولكنه ومثل العديد من المشكلات الحديثة، ربما يكون التخلص منها الحل الأفضل المتاح.