لاحظت مجموعة بحثية في جامعة ميشيغان بالولايات المتحدة الأميركية أنّ أدمغة حشرة الجراد تستطيع التفريق بين الخلايا السليمة والخلايا السرطانية لدى البشر، ما يعني أنّ الجراد قد يكون بديلاً فعّالاً ومثالياً عن الأجهزة الطبية الحديثة للكشف عن أورام السرطان، ونُشرت الدراسة في مطبوعة "بيو ريكسيف" (BioRxiv) في يوم 25 مايو / أيار 2022 قبل نشرها في دورية طبية متخصصة.
لماذا علينا محاربة السرطان؟
السرطان واحد من أخطر الأمراض التي عرفها البشر على مر العصور، وهو ثاني أكثر الأمراض المسببة للوفاة، حيث يموت بسببه نحو 10 ملايين شخص كل عام، وتحصل 70% من تلك الوفيات في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسطـ. تُقدر التكلفة الإجمالية لعلاج السرطان بنحو 1.16 تريليون دولار أميركي سنوياً، فضلاً عن الآلام المبرحة التي يعاني منها مريض السرطان بسبب المرض أو العلاج الكيميائي، بالإضافة إلى الضغوطات النفسية والجسدية.
اقرأ أيضاً: لترك العلاج الكيميائي: فقاعات دقيقة تحمل الدواء إلى السرطان مباشرة
كيف يُفرق الجراد بين خلايا السرطان والخلايا السليمة؟
تُعد عملية التمثيل الغذائي واحدة من أهم العمليات الحيوية الضرورية للحياة، وهي أيضاً المفتاح الذي ساعد الجراد في الكشف عن السرطان، بسبب اختلاف المواد العضوية المتطايرة التي تنطلق أثناء عملية التمثيل الغذائي من الخلايا السليمة عن تلك المنبعثة من خلايا السرطان، وتستطيع الحشرات تتبع هذه الروائح والتفريق بينها.
وللكشف عن قدرات الجراد هذه، أجرى الباحثون في جامعة ميشيغان التجارب عبر توصيل أدمغة الحشرة بأقطاب كهربائية وتعريضها لخلايا سرطانية وأخرى سليمة، ومن ثمّ تحليل البيانات الناتجة. لاحظ الباحثون أنّ الجراد استطاع التمييز بين 3 أنواع من سرطان الفم والخلايا السليمة. ووجد الباحثون أيضاً أنّ هذه النتائج لم تتأثر عبر التجارب المختلفة التي تحاكي البيئات الطبيعية المتنوعة.
ما أهمية هذا الاكتشاف؟
يرى الباحثون أنّ هذا الاكتشاف بديل سريع وفعّال جداً للكشف عن الخلايا السرطانية، فكل نوع من سرطانات الفم الثلاثة، أعطى إشارة كهربائية مختلفة، إذ تعتمد الأساليب المتاحة في الوقت الراهن على استخدام المسحات للكشف عن وجود السرطان، والتي تستغرق نتائجها بين يومين إلى 10 أيام. لكن تستطيع هذه الطريقة البيولوجية إعطاء النتائج في خلال وقت قصير جداً، وتوفر الوقت والمجهود.
اقرأ أيضاً: لماذا لا يستخدم معظم الأطباء كلمة «شفاء» عند التعامل مع مرضى السرطان؟
الكائنات الحية في الكشف عن الأمراض
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تُستخدم فيها الحشرات في الكشف عن الأمراض، فقد أُجريت أبحاث سابقة كثيرة ووجدت أنّ هناك كائنات حية أخرى تستطيع الكشف عن السرطان عند البشر مثل النمل والكلاب والأنواع الأخرى، لكن لم يكن هناك اهتمام كبير بها، لأن تطبيق مثل هذه الأفكار على المستوى العملي ليس بسيطاً، ومن الممكن ألا يقتنع أصحاب الأعمال بتمويل مشاريع تستخدم حشرات وحيوانات تكشف عن الأمراض. من ناحية أخرى، استُخدمت الحشرات في الطب الشرعي والبحث في الجرائم بدقة منذ وقت طويل، حيث تستطيع الحشرات تحديد كيفية تحلل الجسم ووقت وسبب الوفاة.
على الرغم من أنّ تلك الأبحاث السابقة وجدت أنّ الكلاب مثلاً يمكنها الكشف عن سرطان الثدي والرئة عبر استنشاق أنفاس المريض. واستطاع فريق بحثي فرنسي تدريب النمل على التفريق بين الخلايا السرطانية والسليمة. مع ذلك، لا يعرف العلماء مدى استجابة الجراد لأنواع السرطان الأخرى، فقد أُجريت الدراسة على 3 أنواع مختلفة من سرطان الفم فقط.
ويسعى العلماء لإجراء المزيد من التجارب من أجل تحقيق فهم أفضل لكل ما له علاقة باستجابة الجراد لروائح أنواع السرطان المختلفة، وكم نوع من السرطان تستطيع التفريق بينها، ما يساعد في تحقيق أقصى استفادة من إمكانات تلك الحشرات، فقد ينجح استخدامها في التشخيص الطبي كم نجح استخدامها في الطب الشرعي من قبل.