اكتشف العلماء في الآونة الأخيرة حفرية سحلية كانت مهملة منذ خمسينيات القرن الماضي في خزانة في متحف التاريخ الطبيعي في لندن وحفريات لأنواع من جيش النمل كانت مخبأةٍ في جامعة هارفارد منذ نحو 100 عام. وقد تبين أخيراً أن هناك اكتشافاً أحفورياً ضخماً آخر لا يزال مخزناً في إحدى خزائن متحف ومعرض الفنون التسماني (TMAG) في هوبارت في تسمانيا. عثر الباحثون هناك على بقايا كانت مفقودة منذ فترة طويلة لآخر نمر تسماني معروف يُعرف بالببر التسماني (Thylacinus cynocephalus). كانت هذه البقايا مفقودة منذ أكثر من 85 عاماً.
اقرأ أيضاً: بلال سالم يشرح لـ «بوبيولار ساينس العربية» قصة اكتشاف ديناصور هابيل القاتل في مصر
كيف انقرض النمر التسماني؟
يقول الباحث وعالم النفس المقارن من الجامعة الكاثوليكية الأسترالية، روبرت بادل، في بيان: «لقد بحث الكثير من القيمين على المتحف والباحثين عن بقاياه لسنوات طويلة دون جدوى، حيث لم يتم تسجيل أي بقايا تعود للببر التسماني منذ عام 1936، لذك يُعتقد أنه قد تم التخلص من جثته».
كان النمر التسماني حيواناً لاحماً جرابياً بحجم الكلب ذا مخالب حادة، وكان موطنه الأصلي يمتد عبر غينيا الجديدة والبر الرئيسي الأسترالي وتسمانيا لمدة 4 ملايين سنة. تميز النمر التسماني بفرائه المتدرج بين اللونين الأصفر والرمادي مع شرائط النمر المميزة التي تغطي جسده، وقد اختفى لأول مرة من البر الرئيسي الأسترالي منذ نحو ألفي عام. ووفقاً للمتحف الوطني الأسترالي، يُعتقد أن هناك عوامل متعددة، بما في ذلك الصيد الجائر وإدخال كلب الدنغو، أدت إلى هذه الموجة الأولى من انقراض النمر التسماني.
بحلول أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بدأ الأوروبيون في الاستقرار في جزيرة تسمانيا- وهي جزيرة تقع على بعد نحو 240 كيلومتراً جنوب أستراليا. ألقى المستعمرون الجدد باللائمة على هذه الحيوانات الجرابية عن طريق الخطأ بشأن قتل الدواجن والماشية التي كانوا يربونها، ولذلك تم إعدام آلاف النمور التسمانية وسلخها، حتى أن الحكومة حينها رصدت جائزة لمن يأتي بجلودها. وبالإضافة إلى ذلك، دخل النمر التسماني في صراع على السيطرة مع كلاب الدنغو، ما أدى في النهاية إلى اختفائه. توفي آخر نمر تسماني معروف في حديقة حيوان بوماريس في هوبارت في 7 سبتمبر/أيلول عام 1936.
اقرأ أيضاً: أول دليل على أن الكائنات البحرية تنفست من ساقها منذ 450 مليون سنة
قصة صيد مشبوه لآخر نمر ببر تسماني
ومع ذلك، فإن نمور الببر التسمانية التي تظهر في الصور وغالباً ما يشار إليها على أنها آخر النمور التسمانية هي في الواقع النمور قبل الأخيرة. وفقاً لبادل، فإن آخر نمر ببر تسماني كان أنثى كبيرة السن، وهي العينة التي فُقدت في خزانة المتحف طوال هذه السنوات. (يشار إلى آخر فرد معروف من النوع أو النوع الفرعي عادةً بـ "الحيوان الأخير" أو "Endling"). كان صياد من وادي فلورنتين يُدعى إلياس تشرشل قد أمسك بالنمر التسماني الأخير وباعه قبل أن يموت إلى حديقة بوماريس للحيوان في مايو/ أيار عام 1936. تم بعد ذلك إخفاء الهيكل العظمي للعينة وجلدها في خزانة المتحف بسبب عملية شرائها المشبوهة نوعاً ما، وفقد الخبراء بعد ذلك أثرها.
يقول بادل في هذا الصدد: «لم تسجل حديقة الحيوان عملية البيع ولم تعلن عنها، لأن صيد الحيوانات البرية كان غير قانوني وكان من الممكن أن يتم تغريم تشرشل. عاش النمر التسماني لبضعة أشهر فقط، ونُقلت جثته عندما نفق إلى متحف ومعرض الفنون التسماني».
اكتشف القيمون على المتحف تقريراً لم يُنشر لأحد خبراء التحنيط في المتحف يعود تاريخه إلى الفترة بين 1936 و1937، وقاموا بمراجعته للتحقق من تاريخ وصول آخر عينة نمر تسماني إلى متحف ومعرض الفنون التسماني. وفقاً للقيّمة الفخرية والمتخصصة في الحيوانات الفقارية في المتحف، كاثرين ميدلوك، أشار التقرير إلى وجود نمر تسماني ضمن قائمة العينات التي عملت المؤسسة عليها خلال تلك السنة.
اقرأ أيضاً: هرباً من الافتراس: الحيوانات تجيد التظاهر بالموت
تقول ميدلوك في بيان: «تم سلخ النمر التسماني ومن ثم وُزع الهيكل العظمي المُستخلص منه على سلسلة من خمس بطاقات ليتم تضمينها في مجموعة العينات التعليمية التي شُكلت حديثاً والتي يُشرف عليها مدرس العلوم بالمتحف "السيد إيه جي بأول" (Mr. A W G Powell). يتيح ترتيب الهيكل العظمي على البطاقات لمعلمي المتحف شرح بنية النمر التسماني التشريحية للطلاب».
ويقول كل من بادل وميدلوك إن العينة ستأخذ مكانها إلى جانب الحمام المهاجر وببغاء كارولينا في المتحف، وسيتم نشر تقرير تفصيلي بالنتائج لاحقاً في مجلة "علم الحيوان الأسترالية" (Australian Zoologist).
جهود لإعادة إحياء النمر التسماني
تصدرت النمور التسمانية عناوين الأخبار مؤخراً بسبب الجهود المبذولة لإحيائها مجدداً. فقد أعلنت شركة "كلوسال بيوساينس أند لابوراتوريس" (Colossal Biosciences & Laboratories) الناشئة في مجال التعديل الجيني أنها تخطط لاستخدام تكنولوجيا المقص الجيني "كريسبر" لإعادة إحياء النمر التسماني. على الرغم من أن هذه التكنولوجيا المتقدّمة لم تصل لمرحلة تمكّن العلماء من إعادة نوع منقرض إلى الحياة بعد، فإن هذه الشركة التي أسسها رائد الأعمال في مجال التكنولوجيا "بن لام" وعالم الوراثة "جورج تشيرش" وضعت خطة مكونة من 10 خطوات لإعادة حيوان مشابه للنمر التسماني إلى البرية. وقد دخلت الشركة في شراكة واستثمار في مختبر أبحاث الاستعادة الوراثية المتكاملة للنمور التسمانية بجامعة ملبورن (TIGRR)، والذي يقوده حالياً عالم الأحياء الجرابية التطوري وخبير النمور التسمانية أندرو باسك، حيث قام المختبر بأول خطوة مهمة في هذا المسعى والمتمثلة بسلسلة معظم جينوم النمر التسماني.
اقرأ أيضاً: اكتشاف الهيكل العظمي الأكثر اكتمالاً لماموث عمره 30 ألف عام
ومع ذلك، لا يتفق الجميع مع هذه الجهود. فقد وصف الباحث في المركز الأسترالي للحمض النووي القديم، جيريمي أوستن، في مقابلة مع صحيفة سيدني مورننغ هيرالد في أغسطس/ آب الماضي جهود عكس الانقراض بأنها "علوم خياليّة"، وأضاف أن جهود إعادة النمر التسماني أو الماموث إلى الحياة تهدف إلى جذب اهتمام وسائل الإعلام أكثر من تركيزها على إنجاز الأبحاث العلمية الحقيقية. وفي المقابلة نفسها، يقول خبير في الحمض النووي للحيوانات الجرابية في جامعة لا تروب، مايك وسترمان إنه غير مقتنع بأنه يمكن إعادة الحيوانات المنقرضة إلى الحياة بالمعرفة التي نمتلكها حالياً. وأضاف: «أين ستعيش هذه الجماعات المكتفية ذاتياً على الأرض».