استطاع فريق دولي من الباحثين اكتشاف حفرية ديناصور مفترس يشبه في شراسته ديناصور الـ "تي ريكس" الشهير عاش في منطقة الواحات البحرية بالصحراء الغربية في مصر قبل 98 مليون سنة. ونُشرت الدراسة في دورية "رويال سوسيتي" (Royal Society) في يوم الأربعاء الموافق 8 يونيو/حزيران 2022. وكان المؤلف الرئيسي للدراسة هو "بلال سالم"، المعيد في كلية العلوم جامعة بنها، والباحث المصري في مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية، والمبتعث في جامعة أوهايو في الولايات المتحدة الأميركية للحصول على درجة الماجستير.
بداية القصة
منذ زمن سحيق، لم يكن هناك بشر يحكمون الأرض، وإنما حكمت الأرض كائنات أخرى عُرفت بـ "الديناصورات"، تعددت أشكالها وأنواعها، وانتهى بها المطاف في الانقراض الجماعي الخامس، لكنها تركت لنا بعض رفاتها لتُخبرنا أنها كانت هناك في يوم ما. وبمرور الوقت، ظهر الإنسان العاقل الذي طور مهاراته وأدواته رويداً رويداً، وعندما سأل عن تاريخ الأرض، لم يكن هناك بشر ليخبروه بما حصل بالضبط، فراح يُفتش بنفسه عن خبايا الماضي ويكشف الستار عن أنواع كثيرة انقرضت. وعلى مدار عقود اهتم العلماء والباحثون بتغذية السجل الأحفوري للأرض بالمعلومات والاكتشافات حول الأنواع والأحداث الماضية، ومن أبرز الأنواع المثيرة للاهتمام الديناصورات العملاقة.
نحو أرض الديناصورات
في عام 1911، حط عالم الحفريات الألماني "إرنست شترومر" رحاله على أرض مصر، لرغبته القوية في استكشاف ما فيها من أحافير، فتوجه نحو الواحات البحرية، وفي هذا الصدد، يروي "بلال سالم" لـ "بوبيولار ساينس العربية"، أنّ شترومر أخذ يبحث في الواحات البحرية حتى كُللت جهوده بالنجاح، وعثر على 4 حفريات لديناصورات، منها:
- ثلاثة من آكلي اللحوم، وهي: سبينوصورس (أضخم ديناصور عرفه البشر) ووكاركردونتوصورس وبحرياصورس.
- ديناصور واحد آكل للعشب: وهو ديناصور إيجيبتوصورس.
بعد عثور شترومر على الحفريات، عاد إلى ألمانيا واستطاع نقلها إلى هناك لدراستها جيداً، وأعطى كل حفرية اسماً خاصاً، ووُضعت الحفريات في متحف برلين للتاريخ الطبيعي، لكن حصلت المأساة الكبرى أثناء الحرب العالمية الثانية في عام 1944، حيث قُصف المتحف ودُمرت الحفريات. ويقول سالم "لذلك تُسمى الواحات البحرية في بعض الأحيان بـ "أرض الديناصورات الضائعة"، بسبب تدمير هياكل الحفريات في الحرب العالمية الثانية".
لكن نجح شترومر في لفت نظر العالم نحو أرض الديناصورات، فقد جاءت بعثة من جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأميركية إلى مصر في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، واكتشفت هياكل لحفرية ديناصور جديد مُنح اسم "باراليتيتان"، ما جعل الواحات البحرية تحصل على لقب "أرض الديناصورات" أو "واحة الديناصورات" كما يقول عنها الدكتور "هشام سلام"، أستاذ الحفريات في جامعة المنصورة والجامعة الأميركية بالقاهرة ومؤسس مركز "سلام لاب" في المنصورة، ويقول سلام إنّ تلك الواحات كانت مملوءة بأشكال الحياة المختلفة، وانتشرت فيها صراعات كثيرة على ضفاف نهر قديم يُطلق عليه "نهر العمالقة".
ويقول سالم لـ "بوبيولار ساينس العربية": "تُعد الواحات البحرية وجهة ومكاناً لكل الراغبين في دراسة الديناصورات على مستوى العالم، لأنها هي المكان الأول الذي عرّف العالم بالديناصورات التي كانت قاطنة لإفريقيا منذ 100 مليون سنة"، وأضاف: "الواحات البحرية مهد الديناصورات الإفريقية". ويتابع بأنها أيضاً مهد للإجابة عن الأسئلة المتبقية عن النظام البيئي الذي عاشت فيه الديناصورات الإفريقية في الفترة الزمنية من 100 مليون سنة. ويقول أيضاً: "الواحات البحرية، بيئتها مناسبة لحفظ عدد كبير جداً من الحفريات، فهي بمثابة بوابة للزمن الجيولوجي لحفريات أعمارها تصل إلى 100 مليون سنة".
اكتشاف ديناصور هابيل القاتل
يقول سالم لـ "بوبيولار ساينس العربية" إنه منذ عام 2012، بدأ مركز المنصور رحلاته الاستكشافية نحو أرض الديناصورات، لتجميع المزيد من الحفريات، وزيارة المواقع القديمة المنتجة للحفريات الفقارية.
وفي رحلة مشتركة بين وزارة البيئة المصرية ومركز جامعة المنصورة، عُثر على حفرية مُغطاة ببعض الرواسب من الرمل والحديد. وعند دراستها جيداً، وجدوا أنها حفرية للفقرة العنقية العاشرة من العمود الفقري لديناصور من عائلة "أبيلوصوريات" (Abelisauridae)، وهو أيضاً معروف باسم "ديناصور هابيل"، نسبة إلى "روبرتو آبيل" (Roberto Abel)، وهو عالم حفريات أرجنتيني يعود إليه الفضل باكتشاف أول حفرية من هذه العائلة.
وفي هذا الصدد، يقول سالم لـ "بوبيولار ساينس العربية": "هذا الاكتشاف يُمثل أول وأقدم تسجيل لهذه العائلة في الواحات البحرية بمصر وشمال إفريقيا بشكل عام".
تتميز ديناصورات هابيل القاتلة بشكلها المرعب الذي ينم عن افتراسها، ولديها أسنان حادة كأنصال السكاكين، وتساعدها قدماها الخلفيتان على الهجوم والافتراس على الرغم من قِصر أطرافها الأمامية، وكان الديناصور الذي تم الكشف عنه مؤخراً متوسط الحجم بطول بلغ 6 أمتار.
تحديد عمر الحفرية
تُشير الدراسة إلى أنّ عمر ديناصور هابيل القاتل يبلغ نحو 98 مليون سنة، وفي هذا الصدد، يشرح سالم لـ "بوبيولار ساينس العربية" طريقة تحديد العمر، ويشرح أنّ هناك نوعاً مطلقاً وآخر نسبياً، أما عن العمر المطلق، فيعني معرفة عمر الحفرية تحديداً، أما العمر النسبي، فهو تحديد العمر التقريبي للحفرية. على سبيل المثال، إذا كان الزمن أسبوعاً، يمكن تحديد العمر النسبي بيوم السبت، أما العمر المطلق فهو أي وقت من يوم السبت. ويتابع سالم بأنهم يستخدمون النظائر المشعة في تحديد فترة عمر النصف للحفرية، كما يعتمدون على الدراسات الأخرى التي أُجريت في نفس المنطقة لتحديد أعمار الصخور التي وُجدت فيها الحفرية، ما يُعطيهم عمراً تقريبياً.
اقرأ أيضاً: حفريات جديدة قد تكشف لغز اللحظات الأولى لانقراض الديناصورات
تي ريكس قارات العالم الجنوبية القديمة
تُعد ديناصورات هابيل من الزواحف الجنوبية على عكس شبيهتها الـ "تي ريكس"، التي تمركزت في الشمال، يوضح سالم هذا، ويقول: "ترجع القصة إلى 170 مليون سنة، عندما كانت عائلة ديناصورات هابيل، هي عبارة عن عائلة كبيرة جداً تعود إلى قارة (جندوانا)، وهي القارة الكبرى التي كانت تضم قارة أميركا الجنوبية وقارة إفريقيا وشبه القارة الهندية ومدغشقر وأستراليا والقارة القطبية الجنوبية، فعندما كانت كلها قارة واحدة، كانت عائلات هابيل تنتشر فيها، وعندما انفصلت القارة، ظلت الديناصورات في موضعها، ولذلك نجد أنّها عائلات منشؤها في العالم الجنوبي". من ناحية أخرى، أظهرت شجرة الأنساب وجود صلة قرابة بين ديناصور هابيل في مصر وأقرانه في أميركا الجنوبية.
وبحسب سالم، فالهدف من الخطة القادمة هو تكثيف العمل في منخفض الواحات البحرية، وإبراز دور البحث هناك في توضيح الخريطة الزمنية للبيئة في هذه الفترة، بالإضافة إلى نشر بعض الحفريات التي تم اكتشافها في السنوات الماضية والتي ستُكتشف مستقبلاً. ويعبر سالم عن شغفه بالزواحف التي عاشت في حقبة الحياة المتوسطة، خاصة العصر الطباشيري في مصر، وهذا هو الهدف من الورقة البحثية الخاصة به، وأشار إلى أنه يركز على مجموعة الأركصورات من مصر، وهي الزواحف مثل التماسيح والديناصورات والزواحف الطائرة بالإضافة للزواحف المائية.