وفقاً لموقع مكتب رئيس المخابرات الوطنية الأميركية، فإنه وبناءً على قانون تفويض الدفاع الوطني الأميركي للسنة المالية 2022، ينبغي على رئيس المخابرات الوطنية الأميركية بالتشاور مع وزير الدفاع الأميركي تقديم تقرير سنوي إلى الكونغرس عن الأجسام الطائرة مجهولة الهوية. وبالفعل، سُلِّم التقرير (pdf)، وجاء فيه أن عدد التقارير المبلغة عن الأجسام الطائرة مجهولة الهوية عام 2022 قد ارتفع أكثر من 3 أضعاف العدد الذي أُبلِغ عنه في عام 2021. فما هي الأجسام الطائرة مجهولة الهوية؟ هل هي مركبات فضائية غريبة؟ وماذا جاء في تقرير المخابرات الأميركية حول هذا الموضوع؟
اقرأ أيضاً: فشل أول عملية إطلاق تاريخية لأقمار صناعية في المملكة المتحدة
ارتفاع عدد تقارير الإبلاغ عن الأجسام الطائرة مجهولة الهوية وفقاً لتقرير المخابرات الأميركية
وفقاً للتقرير غير السري الذي صدر عن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في 12 يناير/ كانون الثاني لعام 2023، فقد بلغ عدد مشاهدات الأجسام الطائرة مجهولة الهوية أو ما يُعرف بالظواهر الجوية مجهولة الهوية في الولايات المتحدة الأميركية 510 حالات إبلاغ، 366 حالة منها هي حالات حديثة رُصدت عام 2022، و144 حالة منها هي حالات قديمة من سجلات تعود لقبل 17 عاماً. ومن بين 366 حالة حديثة، فُسرت 195 حالة على أنها ناتجة عن مشاهدة طائرات دون طيار أو مناطيد، أو نتيجة ما يعرف بالفوضى الجوية الناتجة عن الطيور والطقس وأكياس بلاستيكية محمولة جواً.
في حين أن 117 حالة لا تزال غير مفسرة نتيجة نقص البيانات الدقيقة الكافية لإسنادها لسبب ما، وهي تعود لأجسام تتحرك بطرق غير عادية أو لا يمكن تفسيرها، وأضاف التقرير أن معظم المشاهدات الحديثة تأتي من طياري البحرية والقوات الجوية الأميركية.
اقرأ أيضاً: بدء بناء أكبر تلسكوب في العالم مكون من 130 ألف هوائي
ما هي الأجسام الطائرة مجهولة الهوية؟
الأجسام الطائرة مجهولة الهوية أو الصحون الطائرة أو الظواهر الجوية المجهولة حسب التسمية الأحدث، هي أيّ جسم جوي أو ظاهرة بصرية لا يستطيع المراقب التعرف إليها أو تحديد ماهيتها بسهولة، وقد أصبحت موضوع اهتمام كبير بين الناس بعد تطور علم الصواريخ في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، وقد اعتقد العديد من الناس وبعض الباحثين أنها حضارة فضائية تزور الأرض.
متى بدأت الأجسام الطائرة مجهولة الهوية بالظهور؟
حدثت أول رؤية معروفة للأجسام الطائرة عام 1947، عندما ادّعى رجل الأعمال الأميركي كينيث أرنولد رؤية 9 أجسام غريبة عالية السرعة تطير بالقرب من جبل رينييه في واشنطن، وذلك أثناء تحليقه بطائرته الصغيرة، وقد قدّر سرعة هذه الأجسام بعدة آلاف من الكيلومترات في الساعة، وشبّه حركتها بحركة الصحون التي تتخطى الماء، فورد خطأ في تقرير الصحيفة الذي نُشر إفادته لاحقاً أن الأشياء التي رآها أرنولد كانت على شكل صحن، ومنها ولدت تسمية الصحون الطائرة.
ثم بدأت تزداد نسبة مشاهدة الظواهر الجوية غير المعروفة. وفي عام 1948، بدأ سلاح الجو الأميركي تحقيقاً في هذه التقارير في مشروع سُمي مشروع ساين (Project Sign)، وقد كان التفسير الأول لخبراء المشروع أن الأجسام الطائرة المجهولة هي على الأرجح طائرات سوفيتية متطورة، في حين اقترح بعض الباحثين أنها قد تكون مركبات فضائية قادمة من عوالم أخرى، وهو ما سمي بفرضية المخلوقات الفضائية (Extraterrestrial hypothesis).
اقرأ أيضاً: ما أطول زمن قضاه الإنسان في الفضاء وما التحديات التي واجهته؟
بعد ذلك، استُبدِل مشروع ساين بمشاريع أخرى، وتشكلت لجان عديدة، ومنها مشروع الكتاب الأزرق (Project Blue Book) الذي جمع ودرس أكثر من 12,000 مشاهدة أو حدث جوي غريب خلال الفترة الممتدة من 1952 إلى 1969، وقد صنف 96% من هذه الأجسام الطائرة المجهولة على أنها مشاهدات محددة بكونها ظواهر فلكية أو جوية أو اصطناعية من صنع الإنسان، في حين أن 6% من المشاهدات كانت غير محددة بسبب الافتقار للمعلومات الكافية اللازمة لتحديد الظاهرة.
وهكذا استمر الهوس الأميركي بظاهرة الأجسام الطائرة مجهولة الهوية، واستمرت الحكومات الأميركية بتأسيس لجان من الخبراء والعلماء للتحقيق فيها، وجميعها كانت تنتهي بالخلاصة نفسها، وهي أن الأجسام الطائرة المجهولة تعزى بسهولة إلى الظواهر الفلكية والأرصاد الجوية، كالكواكب والنجوم الساطعة والنيازك والشفق القطبي والسحب الأيونية أو إلى أجسام أرضية مثل الطائرات والبالونات والطيور والمصابيح الكاشفة وغيرها، ولا يوجد أي تهديد أمني ناتج عن مخلوقات فضائية. لكن وبسبب احتفاظ الحكومة الأميركية بأجزاء من تقارير اللجان بشكل سري، فقد أثيرت الشكوك حول هذا التستر الحكومي.
وعلى الرغم من أن فرضية المخلوقات الفضائية لم تكن إلا فرضية فاشلة بالتزامن مع تحقيقات لجان الخبراء، فإن عدداً قليلاً من العلماء والمهندسين أبرزهم عالم الفلك جاي ألين هاينك الذي شارك في العديد من المشاريع التي تتحرى عن هذه الأجسام، قد خلص إلى أن جزءاً صغيراً من تقارير الأجسام الطائرة الأكثر موثوقية قد أعطت مؤشرات محددة لوجود زوار من خارج كوكب الأرض، وقد أسس مركزاً لدراسة الأجسام الطائرة مجهولة الهوية يواصل فيه التحقيق في هذه الظاهرة.
من جهة أخرى، فقد انتشرت آراء أخرى مفادها أن الحكومات تشجّع الناس على الاعتقاد بأن هذه الأجسام قد تكون مركبات فضائية، من أجل إخفاء طبيعتها الحقيقية المتمثلة بأنها اختبارات سرية لصواريخ عسكرية متقدمة.
اقرأ أيضاً: الصين تستكمل بناء أكبر تلسكوب في العالم لمراقبة النشاط الشمسي
ناسا تهتم أيضاً بدراسة الظواهر الجوية مجهولة الهوية
شكلت ناسا مؤخراً فريقاً مكوناً من 16 فرداً من العلماء الرائدين على مستوى العالم ومحللي البيانات وخبراء الذكاء الاصطناعي وخبراء سلامة الطيران وغيرهم، من أجل دراسة الظواهر الجوية مجهولة الهوية التي لا يمكن تحديد هويتها فيما إذا كانت مركبات جوية أو ظواهر طبيعية. وقد بدأ الفريق بالدراسة المستقلة في 24 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2022، ومن المقرر أن يستمر بالعمل لمدة 9 أشهر، ثم يصدر تقريراً كاملاً بنتائج الدراسة في منتصف عام 2023. لكن لماذا تبدي ناسا كل هذا الاهتمام للتحقيق في الأجسام الطائرة المجهولة، هل تبحث عن مركبات فضائية؟
في الواقع، ووفقاً لصحيفة الغارديان الأميركية، فإن التحقيقات التي تجريها وكالات المخابرات الأميركية والبنتاغون وناسا بخصوص الأجسام الطائرة مجهولة الهوية لا تنبع من مخافة أن تكون هذه الظواهر عبارة عن مركبات فضائية قادمة من عوالم خارجية، وإنما لأنها قد تكون قدرات أو وسائل تجسسية غير معروفة لدول منافسة.
اقرأ أيضاً: ناسا تعلن عن نيتها الجادة لدراسة الأجسام الطائرة المجهولة في محاولة لفهم ماهيتها
ختاماً، يشار إلى أن مشاهدة الأجسام الطائرة مجهولة الهوية لا تقتصر على أميركا فحسب، بل إن كثيراً من الدول الأخرى تحتفظ بسجلات عن هذه المشاهدات، مثل كندا والمملكة المتحدة والسويد والدنمارك وأستراليا واليونان وروسيا والصين وغيرها. ومع ذلك، فإن عدد مشاهدات هذه الظاهرة في الولايات المتحدة أكبر بكثير من باقي الدول، وهذا ما دفع البعض لأن يسأل: لماذا لا تهبط المركبات الفضائية إلا في أميركا؟