كيف يساعد التحليل الكيميائي على كشف الأسرار الأثرية لمدينة بومبي الرومانية؟

كيف يساعد التحليل الكيميائي على كشف الأسرار الأثرية لمدينة بومبي الرومانية؟
حقوق الصورة: ديبوزت فوتوز.

أنقاض مدينة بومبي الرومانية القديمة مليئة بالأسرار الرهيبة؛ إذ مسح ثوران بركاني هذه المدينة التي كان يتراوح عدد سكانها بين 10 آلاف و20 ألف نسمة في عام 79 ميلادي. انطلقت أعمدة الرماد البركاني والخُفاف الضخمة من جبل فيزوف، وغطّت سكان مدينة بومبي المنكوبين وخنقتهم. عثر علماء الآثار على بقايا أكثر من 1,300 ضحية في موقع جنوب شرق مدينة نابولي الإيطالية على مدار الـ 250 عاماً الماضية.

حُفظ أيضاً بعض جثث سكان بومبي في الجص، لكن لم ينتج ذلك على بركان جبل فيزوف ولم يحدث في عام 79 ميلادي. سكب علماء الآثار بقيادة جوسيبي فيوريلي الجص في الفراغات التي خلفتها الجثث المتحللة في ستينيات وسبعينيات القرن التاسع عشر. تحتوي هذه القوالب عادة على بقايا الهياكل العظمية المندمجة بالجص الذي يحافظ على شكل الجسم ويوفّر صوراً واقعية لضحايا الثوران البركاني.

تقنية تألق الأشعة السينية المحمول

قال عالم الآثار في جامعة فالنسيا في إسبانيا، جياني غاليلو، لبوبساي: "مدينة بومبي هي واحدة من أهم المناطق من الناحية الأثرية؛ فقد حُفظ المجتمع الروماني بأكمله في اللحظة التي تلت ثوران البركان، وكأنه عالق في الزمن".

مع ذلك، وفقاً لدراسة نشرت بتاريخ 23 أغسطس/ آب 2023 في مجلة بلوس ون (PLOS One)، من المحتمل أن الجص غيّر التركيب الكيميائي للعظام. على الرغم من هذا الأثر للجص، لا يزال التحليل الحيوي يدعم الفرضية التي تنص على أن هؤلاء الضحايا بالتحديد ماتوا بسبب الاختناق وليس بسبب الحرق أو الصدمة القوية من الصخور.

غاليلو هو أحد المؤلفين المشاركين في الدراسة الجديدة، وهو متخصص في تطبيق الكيمياء التحليلية على الاكتشافات الأثرية. طبّق غاليلو تقنية تحمل اسم تألّق الأشعة السينية المحمول لفحص التركيب الكيميائي العنصري للعظام والجص من دون إتلافها لأول مرة.

اقرأ أيضاً: ما تبقّى من حياة الرهبان: مصر تكشف عن آثار مسيحية في الواحات البحرية

يقول غاليلو: "تعتمد هذه التقنية على جهاز محمول يكشف التركيب الكيميائي للمواد بطريقة غير مرئية. كانت العظام جميعها تلامس الجص، لذلك من المحتمل أنه غيّر تركيبها الكيميائي. كما يحتوي الجص أيضاً على نسب عالية من المركّبات المشابهة لتلك التي تحتوي عليها العظام".

فحص غاليلو وزملاؤه في الدراسة الجديدة 6 قوالب جصية من منطقة بورتا نولا (منطقة البوابة) في مدينة بومبي، وقالباً واحداً من حمام تيرميه سوبوربانيه العام (أو حمام الرسوم الجدارية) في المدينة لإجراء تحليل أنثروبولوجي متعدّد العناصر. قارن الباحثون أيضاً هذه العظام بالعظام المحترقة الموجودة في مقبرة رومانية، وتلك الموجودة في مقبرة إسبانية إسلامية.

تحليل عينات من مصادر متعددة

يقول غاليلو: "تحليل العينات من مصادر متعددة مهم بالنسبة لعلماء البراكين وعلماء الأنثروبولوجيا؛ إذ إنها توفّر بيانات إضافية [تفيد في] إعادة إنشاء الأدلة. تساعدنا التحليلات الأنثروبولوجية على استنتاج أن الأشخاص الذين ماتوا في أثناء هروبهم من الثوران البركاني ماتوا بسبب الاختناق على الأرجح، في حين تبيّن لنا البيانات الأثرية ما إذا حدث ذلك خلال الجزء الثاني من الثوران".

جياني غاليلو (في الأمام) يقيس القالب رقم 57 باستخدام جهاز تألّق الأشعة السينية المحمول، مع لورينس ألابونت (في الخلف) في منتزه بومبي الأثري. المصدر: ألابونت وآخرون.

وجد الباحثون باستخدام جهاز تألّق الأشعة السينية المحمول أن الجص من مدينة بومبي كان مختلفاً تماماً عن العظام المحترقة وغير المحترقة من المجموعة الأخرى. أضاف اختبار هذه الطريقة على قوالب الجص المستخرجة من بومبي لأول مرة المزيد من المعلومات إلى الفرضيات السائدة التي تهدف لكشف سبب مقتل هؤلاء السكان المحددين في بومبي خلال ثوران البركان. على الرغم من أن تلويث الجص للعظام يجعل دراستها أصعب، يدعم التحليل الكيميائي الفرضية التي تنص على أن الضحايا اختنقوا بسبب الرماد البركاني.

يقول غاليلو: "لم ندّعِ أننا نعرف كيف مات هؤلاء بدقة. لكن ما نفعله هو تقديم المزيد من الأدلة والبيانات التي ستساعد علماء البراكين الذين يعملون بجدّ في بومبي على إجراء الدراسات".

اقرأ أيضاً: اكتشاف نظام كتابة بدائي قد يكون أقدم من الكتابة المسمارية

يأمل الفريق أنّ استخدام تقنيات لا تتسبب بتلف العينات، مثل هذه، بدراسة الاكتشافات الأثرية الأخرى والهياكل العظمية المصبوبة يساعد في العثور على أدلة أكثر رصانة واستخلاص استنتاجات أدق حول أسباب وفاة الضحايا.

يقول غاليلو: "إنه لشرف كبير أن أعمل في بومبي. نحن نعمل في المجال الذي نحبه، وهذا ليس عملاً بالنسبة لنا".

المحتوى محمي