وجد باحثون في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو الأميركية- بالتعاون مع علماء هولنديين- أن بعض المستقلبات؛ وهي جزيئات صغيرة تنتجها عملية التمثيل الغذائي، قد تكون مؤشرات تنبؤية للأشخاص المعرضين لخطر الإصابة باضطراب اكتئابي رئيسي متكرر، ونُشرت نتائج الدراسة في دورية «ترانزليشنال سايكاتري».
الاضطراب الاكتئابي الرئيسي المتكرر -أو الاكتئاب السريري- هو اضطراب مزاجي يتميز بأعراض متعددة مجتمعة؛ الشعور بالحزن أو اليأس، والغضب أو الإحباط، وفقدان الاهتمام، واضطرابات النوم، والقلق، والتباطؤ أو صعوبة التفكير، مصحوبين بأفكارٍ انتحارية و مشاكل جسدية غير مبررة عضوياً؛ مثل آلام الظهر أو الصداع.
يُعدّ الاكتئاب الشديد من بين أكثر الأمراض العقلية شيوعاً في العالم، إذ يقدَّر معدل انتشاره على مدى الحياة بنسبة 20.6% في الولايات المتحدة وحدها؛ مما يعني أن واحداً من كل خمسة أميركيين سيعاني على الأقل من نوبة واحدة خلال حياته. بالنسبة للمرضى الذين يعانون الاكتئاب الشديد المتكرر، فإن خطر تكرار النوبة خلال مدة خمس سنوات يصل إلى 80%.
وظّف الباحثون من أجل دراستهم 68 شخصاً مصابين بالاكتئاب الشديد المتكرر؛ 45 أنثى و 23 ذكر في فترة التوقّف عن أخذ مضادات الاكتئاب، وخاضعين لضوابط عديدة بشأن العمر والجنس. بعد جمع الدم من أولئك المرضى، تمت متابعتهم مستقبلياً لمدة عامين ونصف، وأظهرت النتائج أن التوقيع الأيضي؛ الذي تم العثور عليه عندما كان المرضى بصحة جيدة، يمكن أن يتنبأ بالمرضى الأكثر عرضة للانتكاس لمدة عامين ونصف في المستقبل.
كانت دقة هذا التوقع أكثر من 90%، إذ وجد تحليل المواد الكيميائية؛ الأكثر تنبؤيةً بالمرض، أنها تنتمي إلى أنواع معينة من الدهون -الدهون التي تشمل «الإيكوسانويدات» و «السفينجوليات»- والبيورينات؛ أحد القواعد النيتروجينية التي تدخل في تركيب المواد الوراثية في الخلية.
تُصنع البيورينات من جزيئات مثل «ATP» و «ADP»؛ المواد الكيميائية الرئيسية المستخدمة لتخزين الطاقة في الخلايا، ولكنها تلعب كذلك دوراً في الاتصالات التي تستخدمها الخلايا تحت الضغط؛ والمعروفة باسم «التأشيرات بيورينية الفعل»، ووجد الباحثون أن إحداث تغيراتٍ في نواتج معيّنة في ستة مسارات استقلابية محددة، أدى إلى تغييرات أساسية في الأنشطة الخلوية المهمة لدى الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب الشديد المتكرر.
هذا دليل على وجود صلة وثيقة بين المصوَّرات الحيوية والاكتئاب، وبالرغم من أنها دراسة صغيرة، لكنها الأولى التي تُظهر إمكانية استخدام الواسمات الأيضية كمؤشرات سريرية تنبؤية للمرضى المعرضين لأكبر خطرٍ -ومخاطر أقل- لتكرار نوبات أعراض الاكتئاب الرئيسية.
يُعدّ هذا الكشف توقيعاً كيميائياً حيوياً أساسيّاً جديداً يميز المرضى المشخصين بالاكتئاب الشديد المتكرر عن الأشخاص الأصحاء، وتكون هذه الاختلافات غير مرئية عادةً من خلال التقييم السريري العادي، لكنّ الباحثين حرصوا على وجوب التحقق من صحة هذه النتائج الأولية التي توصلوا إليها، من خلال دراسةٍ أكبر؛ تشمل على الأقل 198 فرداً من الإناث و 198 فرداً من الذكور.