ما بين ظروف الإغلاق وتفويت الأحداث المهمة مثل الحفلات الموسيقية السنوية أو حفلات التخرج، والقلق العام بشأن مصير العالم في السنوات القليلة الماضية، مر الناس، ولا سيما المراهقين، بأوقات صعبة.
ارتفعت نسبة الإبلاغ عن حالات القلق والاكتئاب بين البالغين بأكثر من 25% في عام 2020، وتشير بعض الأبحاث الجديدة إلى أن آثار الجائحة النفسية والعصبية ربما كانت أشد وطأة على المراهقين من البالغين.
كيف أثرت الجائحة على أدمغة المراهقين؟
بدأ العلماء بدراسة كيف أثرت سنتان ونصف من عمر الجائحة على أدمغة المراهقين. وفي هذا الصدد، تشير دراسة نُشرت نتائجها في مجلة "بيولوجيكال بسايكتري: غلوبال أوبن ساينس" إلى أن الضغوطات المرتبطة بجائحة كوفيد-19 قد غيّرت أدمغة المراهقين من الناحية المادية، ما جعل هياكل أدمغتهم تبدو أكبر عدة سنوات مقارنة بأدمغة المراهقين الذين كانوا في مثل عمرهم قبل الجائحة.
اقرأ أيضاً: ما هي العلاقة الجينية بين فيروس الإنفلونزا العادي وفيروس إنفلونزا 1918 القاتل؟
يقول مؤلف الدراسة وأستاذ علم النفس في كلية العلوم الإنسانية والعلوم بجامعة ستانفورد، إيان غوتليب في بيان: "نعلم من الأبحاث العالمية أن الجائحة أثرت سلباً على الصحة العقلية للشباب، لكننا لم نكن نعلم إن كان لها أي تأثير مادي على بينة أدمغتهم".
في الواقع، تحدث تغييرات في بنية الدماغ بشكل طبيعي مع تقدمنا في السن. حيث يشهد كل من الحصين (الذي يتحكم في الوصول إلى ذكريات محددة) واللوزة الدماغية (التي تساعد في التحكم بالمشاعر) نمواً سريعاً خلال المراهقة المبكرة وفي سن البلوغ، مثل باقي أعضاء الجسم، وتصبح أنسجة القشرة المخية، والتي تتحكم في الوظائف التنفيذية (العمليات المعرفية)، أقل سماكة في نفس الوقت.
لدراسة التغيرات في بنية الدماغ عند المراهقين بشكل أفضل، قارن غوتليب وفريقه بين مسوحات التصوير بالرنين المغناطيسي لـ 163 مراهقاً تم أخذها قبل وأثناء الجائحة، وقد أظهرت النتائج أن عملية تطور الدماغ هذه قد تسارعت بين المراهقين خلال عمليات الإغلاق المرتبطة بالجائحة. وفقاً لغوتليب، لا يحدث التغيير المتسارع في "عمر الدماغ" عادةً إلا عند الأطفال والمراهقين الذين مروا بأوقات عصيبة مزمنة (مثل إهمال الأسرة والتعرض للعنف والتفكك الأسري وما إلى ذلك)، ويمكن ربط مشكلات الصحة العقلية التي تحدث في وقت لاحق من الحياة بهذه الأنواع من التجارب السلبية المبكرة.
ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت التغييرات في بنية الدماغ التي لاحظتها هذه الدراسة سترتبط بالتغيرات في الصحة العقلية في وقت لاحق في الحياة.
اقرأ أيضاً: كيف تؤثر الأحياء الفقيرة على نمو الدماغ والمعرفة للأطفال؟
عواقب وخيمة قادمة
ويقول غوتليب: "ليس من الواضح أيضاً ما إذا كانت هذه التغييرات دائمة، وما إذا كان عمر الأطفال الزمني سيتوافق في نهاية المطاف مع عمر دماغهم. إذا بقيت أدمغتهم أكبر عمراً مقارنة بعمرهم الزمني بشكل دائم، فمن غير الواضح ما هي النتائج التي ستترتب على ذلك. في الحقيقة، يمكن توقع بعض المشكلات المعرفية والذاكرة بناءً على التغيرات في الدماغ بالنسبة لشخص يبلغ من العمر 70 أو 80 عاماً، ولكن بالنسبة لطفل يبلغ 16 عاماً، ما نتيجة تقدم عمر دماغه قبل الأوان؟".
يمكن أن تكون لنتائج هذه الدراسة آثار على بعض الدراسات التي أجريت خلال فترة الجائحة. سيتعين على العلماء أخذ معدلات نمو الدماغ غير الطبيعية بعين الاعتبار في أي أبحاث لاحقة تتناول هذا الجيل إذا ما أظهر من عانى من الجائحة بشكل عام هذا التغيير السريع في الدماغ.
يقول غوتليب: "الجائحة ظاهرة عالمية، وليس هناك شخص لم يعانِ منها، لذلك، لا توجد هناك مجموعة تحكم في الواقع".
وقال المؤلف المشارك للدراسة والأستاذ الجامعي المساعد للعلوم النفسية في جامعة كونيتيكت، جوناس ميلر: "قد تكون لنتائج هذه الدراسة عواقب وخيمة على هذا الجيل في وقت لاحق من حياتهم".
اقرأ أيضاً: 50 عاماً من التجارب على الخلايا الجذعية تقود لأول حالة شفاء من السكري
ويضيف ميلر: "المراهقة هي فترة إعادة التنظيم السريع في الدماغ، وترتبط بالفعل بمعدلات أعلى من مشكلات الصحة العقلية والاكتئاب والسلوكيات الخطرة. أضف إلى ذلك هذه الجائحة العالمية، حيث واجه الجميع نوعاً ما من المصاعب تجلى في اضطراب في روتينهم اليومي، لذلك ربما أثرت هذه الجائحة على أدمغة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عاماً ولم تعد قابلة للمقارنة بأدمغة من كانوا في عمرهم قبل بضع سنوات فقط".
يخطط غوتليب لمتابعة مجموعة المراهقين المشاركين في هذه الدراسة حتى مرحلة المراهقة المتأخرة وصولاً إلى مرحلة الشباب البالغ، وذلك لمعرفة ما إذا كانت الجائحة قد غيّرت مسار تطور الدماغ على المدى الطويل بالإضافة إلى تتبع صحتهم العقلية. ويخطط أيضاً لمقارنة هياكل الدماغ لأولئك الذين أصيبوا بفيروس كورونا بالذين لم يُصابوا به بهدف تحديد أي اختلافات في الدماغ قد تكون ناجمة عن العدوى.