توصّل باحثون في جامعة ريدنج البريطانية إلى أنّ الخلايا السرطانية تنتشر عن طريق تشغيل وإيقاف قدراتها، لاستشعار محيطها والتحرُّك والتخفي لإنماء أورام جديدة، ونُشرت نتائج الدراسة في دورية «بروسيدنجز أوف ذا رويال سوسيتي بي» العلمية.
طوّر الباحثون طريقةً جديدةً؛ تَجمع بين علم الأحياء التطوري وتقنيات الذكاء الاصطناعي، لدراسة حركة الخلايا السرطانية وشكلها بمزيد من التفصيل، لمعرفة السبب الذي يجعل البعض ينتقل بسهولة أكبر إلى أجزاء مختلفة من الجسم مع إنماء أورام جديدة.
وجد الباحثون أنّ بعض الخلايا أظهرَت «وعياً» واضحاً وقدرةً على الاستجابة للمحيط المتواجدة به؛ مما يعني أنها قد تكون قادرة على تكييف شكلها لتجاوُز الحواجز؛ مثل جدران الأوعية الدموية أو الخلايا المنافسة الأخرى، بشكلٍ أكثر كفاءةً من أجل التكاثر في مكانٍ آخر.
وضع العلماء أولاً عينة من خلايا سرطان الثدي من خلال عملية انتقاء طبيعية، من أجل تطوير مجموعات ذات سمات حركة أو استعمار محسّنة، ووُضعت بعض الخلايا في مسار يحاكي الحركة حول جسم الإنسان، مع فصل الخلايا الأكثر نجاحاً إلى مجموعة ذات سمات حركية قوية، وتمّت مقارنة مجموعتَيّ الخلايا بمجموعة تحكُّم في المختبر، حتى يتمكن العلماء من فحص الاختلافات بينهما بالتفصيل ومعرفة ما الذي يجعل بعضها أفضل في الحركة من غيرها.
تم استخدام برنامج الذكاء الاصطناعي لمراقبة سلوك الخلايا في الأطباق البلاستيكية، وتحليل شكلها وحركتها بسرعة أكبر بكثير مما يستطيع الإنسان، ولوحظ أنّ مجموعة الخلايا المتنقلة؛ التي كانت مُعبّأة بشكل وثيق مع بعضها البعض، تُغيّر شكلها بسرعة أكبر لتجنُّب الخلايا المجاورة، بينما تُغيّر شكلها بشكل أقل في البيئات المتناثرة. يشير هذا إلى أنهم قادرون على رفع أو خفض وعيهم المكاني اعتماداً على محيطهم لجعلهم أكثر كفاءةً في جميع البيئات.
أكد الباحثون أنه -على عكس الخلايا البشرية السليمة- كان يُعتقد أنّ الخلايا السرطانية تفقد إحساسها بما هو حولها في وقت مبكر من تطوُّر السرطان؛ مما يعني أنها معصوبة العينين تجاه محيطها، وبالتالي تركّز بدلاً من ذلك على التكاثر لتشكيل الورم الأساسي. قال الباحثون: «أظهرت ملاحظاتنا لأول مرة أنّ بعض الخلايا السرطانية قادرة على إعادة هذا الوعي مرة أخرى، لمساعدتها على الانتقال إلى مواقع أخرى بشكل أكثر كفاءةً».
أضاف الباحثون أنّ هذه الخلايا الواعية تتفاعل مع محيطها عن طريق تغيير شكلها عندما تصادف خلايا أخرى، وربما تسمح لها بالانزلاق عبر الخلايا الأخرى أو الأغشية في مجرى الدم، والوصول إلى أجزاء أخرى من الجسم، وبالتالي تعود إلى وضع التكاثر وتشكل أوراماً جديدة.
أكد الباحثون أنه يمكن أيضاً استخدام الأساليب الجديدة لتحليل رؤية الذكاء الاصطناعي التي طورها الفريق في سياقات طبية أخرى؛ على سبيل المثال، لقياس تكوين جلطات الدم أو تتبُّع حركات خلايا الحيوانات المنوية.
ربما تساعد نتائج هذه الدراسة في تفسير سبب شراسة بعض أنواع السرطان أكثر من غيرها، ويمكن أن تسمح في المستقبل للأطباء باستهداف هذه «الخلايا الفائقة» قبل انتشارها؛ مما يمنح مرضى السرطان في المستقبل فرصةً أكبر للشفاء.