تجاوز عدد الإصابات فيروس كورونا 204 مليون حالة عالمياً، نجم عنها وفيات تجاوزت 4 مليون و300 ألف حالة، وشفاء أكثر من 184 مليون و350 ألف شخص، ولا يزال وضع الإصابات حتى الآن في تزايد وإن كان أقل حدة من العام المنصرم بسبب توافر اللقاحات، والجيد في القصة أن خبراء الصحة العامة يرون أنه من الممكن أن نقضي على فيروس كورونا بجدوى أكبر من شلل الأطفال.
دراسة حديثة تطرق أبواب الأمل
القضاء على الأمراض واستئصالها من بين الأهداف النهائية للصحة العامة حول العالم، وقضى التطعيم بالفعل على الجدري والطاعون البقري على مستوى العالم، و2 من السلالات الثلاثة المسببة لفيروس شلل الأطفال.
انطلاقاً مما سبق؛ أجرى باحثون في جامعة أوتاغو النيوزيلندية مقارنةً بين الجدري وشلل الأطفال وفيروس كورونا لمعرفة مدى إمكانية القضاء على فيروس كورونا، وتوصل الباحثون إلى أنه من المحتمل أن يكون القضاء على فيروس كورونا ممكناً عالمياً، وبشكل أكثر جدوىً من شلل الأطفال؛ ولكن أقل بكثير من الجدري، ونُشرت الدراسة في دورية بي إم جيه غلوبال هيلث.
جاء في الدراسة أن تلقّي اللقاح ومراعاة تدابير الصحة العامة والاهتمام العالمي، يساهمون في تحقيق هدف القضاء على فيروس كورونا؛ لكن التحديات الرئيسية تكمن في تأمين تغطية عالية بما فيه الكفاية للقاح، والقدرة على الاستجابة بسرعة كافية للمتغيرات التي قد تتخطى [tooltip content="تسمى أيضاً المناعة النوعية؛ وهي النوع الثاني من أنواع المناعة في الجسم، وتكون أكثر فاعليةً ودقةً من المناعة الطبيعية، فهي تمتلك ذاكرةً للإصابة تمكّنها من التعرف مباشرةً على العامل الممرض فتوجه له الأضداد لتقتله، ويطورها الجسم مع الوقت عبر تعرضه لعواملَ ممرضة من البيئة. أيضاً بإمكاننا توفير المناعة المكتسبة عبر اللقاح وحقنه في الدم ليكتسب الجسم هذه القدرة المناعية النوعية." url="" ]المناعة المكتسبة[/tooltip] من الفيروس.
ماذا يعني القضاء على الفيروس؟
علمياً فإن مصطلح مكافحة المرض يعني الحد من حدوث المرض أو انتشاره أو معدلات الإصابة أو الوفيات إلى مستوىً مقبول محلياً نتيجةً للجهود المدروسة والتدابير اللازمة، أما القضاء على المرض فهو يعني خفض حالات الإصابة بهذا المرض في منطقة جغرافية محددة إلى الصفر نتيجة الجهود المدروسة وتدابير التدخل المستمر.
لتقدير جدوى القضاء على فيروس كورونا؛ والذي يعني التخفيض الدائم للعدوى العالمية والوصول إلى صفر إصابات نتيجة الجهود المدروسة والتدابير اللازمة، قارن الباحثون فيروس كورونا مع 2 من الفيروسات الأخرى التي تم استخدام اللقاحات لها؛ وهي الجدري وشلل الأطفال، واستخدم الباحثون للتقييم مجموعةً من العوامل التقنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
استخدم الباحثون نظام تسجيل من 3 نقاط لكل من 17 عامل؛ شملت هذه العوامل توافر لقاح آمن وفعال، ومناعة مدى الحياة، وتأثير تدابير الصحة العامة، والإدارة الحكومية الفعالة لرسائل مكافحة العدوى، والقلق السياسي والعام بشأن الآثار الاقتصادية والاجتماعية للعدوى، والقبول العام لإجراءات مكافحة العدوى.
ما وجدته الدراسة
وصل متوسط الدرجات الإجمالية في التحليل بالنسبة إلى الجدري «43/48»، وفيروس كورونا «28/51» وشلل الأطفال «26/51»؛ وهذا يعني أن القضاء على الجدري كان الأكثر نجاحاً يليه فيروس كورونا وأخيراً شلل الأطفال، وقال الباحثون: «في حين أن تحليلنا هو جهد أولي، مع العديد من التحليلات الذاتية؛ إلا أنه يبدو أنه يضع إمكانية القضاء على فيروس كورونا في العالم ممكنة».
وأكد الباحثون أن التحديات التقنية لاستئصال فيروس كورونا تشمل ضعف قبول اللقاح، وظهور متغيرات أكثر قابليةً للانتقال؛ والتي قد تتخطى المناعة المكتسبة سواء الطبيعية أو عبر اللقاح؛ والتي من المحتمَل أن تفوق برامج التطعيم العالمية.
مع ذلك؛ أوضح الباحثون أن هناك بالطبع حدوداً للتطور الفيروسي، ولذلك يمكن للعلماء توقع أن يصل الفيروس في نهاية المطاف إلى ذروة النشاط؛ وبالتالي يمكن الباحثون والعلماء من صناعة لقاح مبتكر. أيضاً أكد الباحثون أن التحديات الأخرى تتمثل في التكاليف الأولية المرتفعة سواء للتطعيم، أو تحسين النظم الصحية، أو حتى تحقيق التعاون الدولي الضروري في مواجهة «قومية اللقاح».
اقرأ أيضاً: إليك المستقبل: ماذا لو لم يختفٍ فيروس كورونا أبداً؟
لقاحات فيروس كورونا
تعتمد الدراسة على تلقي الأشخاص حول العالم اللقاح المضاد لفيروس كورونا للقضاء عليه، ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية فقد تم التطعيم ضد فيروس كورونا بما لا يقل عن 13 لقاحاً مختلفاً حول العالم، منذ أن بدأ برنامج التطعيم الجماعي الأول في أوائل ديسمبر/كانون الأول 2020.
برنامج التطعيم ضد فيروس كورونا حول العالم وهو لا يزال جارياً حتى الآن؛ يتزايد تدريجياً ففي 15 فبراير/شباط 2021 كانت هناك 175,3 مليون جرعة لقاح قد استُخدمت، وحتى الآن أدرجت منظمة الصحة العالمية عدة لقاحات ضد فيروس كورونا؛ وهم لقاح فايزر/بيوتنيك ونسختان من لقاح أسترازينيكا وجونسون آند جونسون، ومودرنا، وسينوفارم، وسينوفاك.
اقتراحات الدراسة
يرى الباحثون أن هناك إرادةً عالميةً للتصدي لفيروس كورونا، وأشاروا إلى أن النطاق الهائل للتأثيرات الصحية والاجتماعية والاقتصادية للفيروس في معظم أنحاء العالم قد ولّد اهتماماً عالمياً غير مسبوق بمكافحة الأمراض واستثمارات ضخمة في التطعيم ضد الوباء.
وعلى عكس الجدري وشلل الأطفال، فإن مواجهة فيروس كورونا مع التدابير الإضافية للصحة العامة؛ مثل التباعد الاجتماعي وتتبع الحالات المصابة، وارتداء الأقنعة، تجعله ممكناً، ويمكن أن تكون تلك التدابير فعالةً جداً إذا تم تعميمها بشكل جيد.
يقترح الباحثون أن تحسين الأنظمة الصحية للتخلص من الفيروس يمكن أن يساعد أيضاً في السيطرة على الأمراض الأخرى المعدية، وقد تمتد للمساعدة في القضاء على الحصبة.
لمنظمة الصحة العالمية أقوال أخرى
رغم أن هذه الدراسة تطرق أبواب الأمل في القضاء على فيروس كورونا، والعودة للحياة الطبيعية؛ إلا أن منظمة الصحة العالمية في آخر بيان صحفي لها في مطلع الشهر الجاري رأت غير ذلك، وأكدت أن العالم الآن في خطر حقيقي، وأن العديد من المكاسب التي تم تحقيقها تآكلت، قال تيدروس أدهانوم غيبريسوس؛ المدير العام لمنظمة الصحة العالمية: «تضيع المكاسب التي حققناها بشق الأنفس، وتغرق النظم الصحية في العديد من البلدان؛ حيث يؤدي العدد المتزايد من الإصابات إلى نقص في العلاجات المنقذة للحياة».
وأكدت منظمة الصحة العالمية أنه حتى الآن تم إعطاء أكثر من 4 مليارات لقاح على مستوى العالم؛ ولكن ذهب أكثر من 80٪ من تلك الجرعات إلى البلدان ذات الدخل المرتفع والمتوسط، وأضافت المنظمة أن العاملون في مجال الرعاية الصحية والأشخاص الأكثر تعرضاً للخطر في البلدان منخفضة الدخل لا يتلقون اللقاحات، بينما تقوم بعض البلدان بتلقيح أولئك المعرضين لخطر الإصابة بأمراض خطيرة فقط؛ وبالتالي ترى المنظمة أن هذا خطأ، وتضيع المكاسب التي تحققت.
وكشفت منظمة الصحة العالمية أن البلدان ذات الدخل المرتفع أعطت الآن ما يقرب من 100 جرعة لكل 100 شخص، وفي الوقت نفسه؛ لم تتمكن البلدان منخفضة الدخل إلا من إعطاء 1.5 جرعة لكل 100 شخص، بسبب نقص الإمدادات، وقال غيبريسوس: «في حين أن نسبة كبيرة من سكان العالم لا يزالون ينتظرون جرعتهم الأولى، فإن بعض البلدان تتجه نحو الجرعات المعززة»، وأضاف: «أتفهم اهتمام جميع الحكومات بحماية شعوبها من متغير دلتا؛ لكن لا يمكننا قبول البلدان التي استخدمت بالفعل معظم الإمدادات العالمية من اللقاحات باستخدام المزيد منها، بينما يظل الأشخاص الأكثر ضعفاً في العالم غير محميين».
في النهاية؛ تعمل منظمة الصحة العالمية على إيجاد طرق جديدة لتوسيع نطاق إنتاج اللقاحات، ولا يزال هدف منظمة الصحة العالمية يتمثل في دعم كل دولة لتطعيم ما لا يقل عن 10٪ من سكانها بحلول نهاية سبتمبر/ أيلول المقبل، وما لا يقل عن 40٪ بحلول نهاية العام الجاري، و70٪ من سكان العالم بحلول منتصف العام المقبل، ويبدو أن هذا الهدف ربما يكون كافياً مع التدابير الصحية العامة والاجتماعية لبداية القضاء على فيروس كورونا؛ وهو ما خلصت إليه الدراسة التي تناولناها بالفعل.
اقرأ أيضاً: 2020 أو للدقة ميلاد كورونا: سيرة فيروس جعل العالم يخلد للنوم مبكراً