كشف فريقٌ عالميّ من الباحثين أنّ كتلة كل شيءٍ بناهُ وصنعهُ الإنسان؛ من الأرصفة الخَرَسانية وناطحات السحاب المصنوعة من الزجاج والمعدن إلى الزجاجات البلاستيكية والملابس وأجهزة الكمبيوتر، أصبحت الآن مساويةً تقريباً لكتلة الكائنات الحية على الأرض، ويُمكِن أن تتجاوز ذلك مع نهاية هذا العام، وفقاً لبحثٍ نُشر في دورية «نيتشر».
قد يُعزّز هذا الاكتشاف الحُجة القائلة بأنّ الأرض دخَلت «الأنثروبوسين»؛ وهي حُقبة جيولوجية مُقترحة يكون فيها البشر القوةَ المهيمنةَ على تشكيل الكوكب. وهذا لا يحدث مرةً واحدةً في العمر فحسب، بل مرةً واحدةً في كل عصر. وفي حين أنّ هذه البصيرة رمزية أكثر من كونها ذات مغزىً علميّ، فإنّ المقياس المادي للمشروع البشري يساعد في تفسير كيف تَمكَّن البشر من تغيير دورات المُغذّيات العالمية، وتغيير المناخ، ودَفْع عددٍ لا يُحصى من الأنواع إلى حافة الانقراض.
للوصول إلى هذه النتيجة، عَمِل الباحثون على تجميع العديد من البيانات المنشورة مُسبقاً حول كتلة المواد الاصطناعية، والمواد الطبيعية، ووضعوا جدولاً زمنياً لكيفية تَغيُّر الاثنين منذ عام 1900 إلى يومنا هذا. وحصل الفريق على تقديراتٍ للكتلةِ بشريّةِ المَنشأ على مدار الـ120 عاماً الماضية، بمساعدة بحثٍ سابق في مجال البيئة الصناعية، كما قدّمت بيانات الأقمار الصناعية، ونماذج الغطاء النباتي العالمية معلوماتٍ تاريخيةً مثيرةً عن تحولات الكتلة الحيوية العالمية.
في بداية القرن العشرين، كانت كتلة الأشياء التي صنعها الإنسان تَزِن 35 مليار طن، أو ما يقارب 3% من الكتلة الحيوية العالمية. منذ ذلك الحين، نَمَتِ الكتلةُ بشريّةُ المَنشأ بشكلٍ كبير إلى ما يقارب 1.1 تريليون طن اليوم، إذ يزيد التراكم الآن بمعدل 30 مليار طن سنوياً؛ وهو ما يعادل إنتاجَ كل شخصٍ على الأرض أكثر من وزنه من المواد المُصنّعة كل أسبوع.
تتكوّن معظم هذه الأشياء من الخَرَسانة، يليها الحَصى والطوب والإسفلت والمعادن، وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، فإنّ هذه المواد المُصنّعة سوف تَزِن حوالي 2.2 تريليون طن؛ أي أكثر من ضِعف كافة أشكال الحياة على الأرض، بحلول عام 2040. بينما يتكوّن ما يقارب 90% من العالم الحي، من حيث الوزن، من النباتات؛ ومعظمها من الأشجار والشجيرات. ولكن مع زيادة تصنيع البشر للمواد كل عام، بقي وزن نباتات الأرض ثابتاً نسبياً.
في حين أنّ المقارنة بين الكتلة البيولوجية والكتلة التي من صنع الإنسان هي مؤشر واضح لتأثير البشر، إلا أنه من المهم ملاحظة أنّ الكتلة الحيوية للأرض قد تغيَّرَت بشكلٍ عميق من قَبل البشرية أيضاً؛ إذ تشير الدراسة إلى أنه ربما كان هناك ضِعف الكتلة الحيوية النباتية على الأرض في بداية الثورة الزراعية منذ حوالي 12 ألف عام، قبل أن يبدأ الناس في إزالة مساحات شاسعة من الغابات لزراعة الأراضي. وفي الوقت نفسه، يفوق البشر وماشيتهم الآن جميع الثدييات والطيور البرية على الأرض بمعامل يقارب الـ20 ضِعف.
يعترف الباحثون أنّ تَقلُّب البيانات يجعل من الصعبِ تحديدَ متى ستكون الأرض صناعيةً أكثرَ من كونها بيولوجية من حيث الكتلة. ولكن بالنظر إلى حجم الاختلاف بين أوائل القرن العشرين، منتصف القرن العشرين وأواخره، والآن؛ أوائل القرن الحادي والعشرين، من الصعب رؤية كيف يمكن تغيير هذا النمط.