أنشأ باحثون في جامعة ساسكس البريطانية طريقةً لتشغيل أجهزة الكمبيوتر المكتبية بآلية الشحن التوربيني، لمنحها نفس القدرة التي تتمتع بها أجهزة الكمبيوتر العملاقة؛ التي تبلغ قيمتها عشرات الملايين من الدولارات؛ إذ استخدموا أحدث وحدات المعالجة الرسومية لمنح الكمبيوتر المكتبي القدرة على محاكاة نماذج الدماغ ذات الحجم غير المحدود تقريباً، ونُشرت تفاصيل الابتكار في ورقة بحثية ضمن دورية «نيتشر» العلمية.
تعدّ تكلفة أجهزة الكمبيوتر العملاقة باهظة للغاية في الوقت الحالي؛ إذ لا يمكن تحمّلها إلا من قبل المؤسسات العملاقة والوكالات الحكومية، وبالتالي لا يمكن الوصول إليها من قبل أعداد كبيرة من الباحثين. بالإضافة إلى توفير عشرات الملايين من الدولارات من تكاليف الكمبيوتر العملاق، تتطلب عمليات المحاكاة هذه؛ التي يتم تشغيلها على جهاز كمبيوتر مكتبي تقليدي، طاقةً أقل بحوالي 10 مرات؛ مما يحقق فائدةً كبيرةً للاستدامة أيضاً.
الفائدة الرئيسية لهذا الابتكار هي إمكانية الوصول؛ فخارج هذه المنظمات الكبيرة، يتعين على الأكاديميين عادةً التقدم للحصول على وقت محدود على كمبيوتر عملاق لغرض علمي معين؛ وهذا عائق كبير جداً من شأنه أن يعيق أو يؤخر الكثير من الأبحاث المهمة.
يأمل الباحثون الآن تطبيق هذه التقنيات على التعلم الآلي المستوحى من الدماغ البشري، حتى يتمكن من المساعدة في حل المشكلات التي تتفوق فيها الأدمغة البيولوجية، ولكنها تفتقر حالياً لإمكانية المحاكاة.
يعتمد البحث على العمل الرائد للباحث الأمريكي «يوجين إيزيكيفيتش»؛ الذي ابتكر طريقة مماثلة لمحاكاة الدماغ عام 2006، لكن في ذلك الوقت، كانت أجهزة الكمبيوتر بطيئة للغاية بحيث لا يمكن تطبيق هذه الطريقة على نطاق واسع؛ مما يعني أن محاكاة نماذج الدماغ واسعة النطاق لم تكن ممكنة حتى الآن إلا للقليل من الباحثين المتميزين للوصول إلى أنظمة الكمبيوتر العملاقة.
طبق الباحثون تقنية «إيزيكيفيتش» على وحدة معالجة الرسوميات الحديثة أقوى بـ2000 مرة تقريباً من قوة الحوسبة التي كانت متاحة منذ 15 عاماً، لإنشاء نموذج متطور للقشرة البصرية لقرد المكاك؛ المكونة من 4.13 × 106 عصبون و 24.2 × 109 مشبك، والتي كانت في السابق ممكنة فقط على على كمبيوتر عملاق.
استغرق بدء نموذج الباحثين 6 دقائق، واستغرقت محاكاة كل ثانية بيولوجية حوالي الـ8 دقائق؛ أي توفير ما يصل إلى 35% من وقت أسرع محاكاة سابقة لكمبيوتر عملاق، إذ أنه في عام 2018، استغرقت عملية تهيئة الكمبيوتر العملاق «IBM Blue Gene/Q» للنموذج ذاته حوالي خمس دقائق، واستغرقت محاكاة ثانية بيولوجية واحدة حوالي 12 دقيقة.
يعد هذا البحث بمثابة مغيّر لقواعد اللعبة بالنسبة للباحثين في علم الأعصاب والذكاء الاصطناعي الذين يمكنهم الآن محاكاة دوائر الدماغ على محطات العمل المحلية الخاصة بهم، كما يسمح أيضاً للأشخاص خارج الأوساط الأكاديمية بتحويل أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم إلى أجهزة كمبيوتر عملاق تستطيع تشغيل شبكات عصبية كبيرة.