في وقت متأخر من صباح يوم 3 مايو/أيار، انطلق صاروخ إلى السماء من منصة إطلاق في نيوزيلندا. بعد دقائق، ومع استمرار المرحلة الثانية منه في الصعود نحو المدار، هبطت المرحلة الأولى من الصاروخ بالمظلة ليمسك به خطّاف كان ينتظرها متدلياً من مروحية الاسترداد. علق الخطاف بحبل المظلة، لكنه ما لبث أن تحرر مجدداً. تسلط عملية الإطلاق هذه، والتي كانت بمثابة رحلة مدارية ناجحة واختباراً مفيداً لشركة تصنيع الصواريخ "روكيت لاب" في نفس الوقت، الضوء على شكل مستقبلي محتمل لإطلاق الصواريخ القابلة للاسترداد.
أهمية استعادة مكونات الصواريخ
كانت محاولة الاسترداد الجديدة حجر الزاوية في عملية الإطلاق. في الواقع، تُعد عملية الوصول إلى المدار مكلفةً، ويمكن أن تخفض القدرة على استعادة مكونات الصواريخ وإعادة استخدامها من تكلفة كل عملية إطلاق. تمت عملية الاسترداد في هذه العملية باستخدام طائرة هليكوبتر من طراز "سيكورسكاي".
اقرأ أيضاً: انفجارٌ مدوٍّ: فشل المحاولة الثالثة لإطلاق صواريخ سبيس اكس
تقول شركة روكيت لاب في بيان: «على ارتفاع ألفي متر تقريباً، التقت مروحية الشركة "سيكورسكاي إس-92" مع المرحلة العائدة من الصاروخ واستخدمت خطافاً على حبل طويل لالتقاط حبل مظلته. بعد إمساكها، لاحظ قائد المروحية أن خصائص الحمولة كانت مختلفة عن تلك التي اختبرها سابقاً في الاختبارات السابقة، فأفلت الحمولة وتركها تهبط بنجاح على سطح الماء».
بالنسبة لهذا الإطلاق تحديداً، لم تتجاوز مهمة التقاط الحمولة إمساكها لفترة وجيزة ومن ثم إفلاتها، لكن هذه المحاولة لا تزال تمثل طريقة مهمة لإثبات جدوى الخيار. إن معرفة أن تحرير الحمولة نجح -أي أن طاقم المروحية كان قادراً على التقاط الصاروخ المعزز ثم تحديد أنه يجب التخلص منه- هي جزء أساسي من إثبات أن العملية يمكن أن تنجح. تنطوي الطريقة على استخدام طائرات الهليكوبتر، لكن على الرغم من أنها تزيد من إمكانية إعادة استخدام مكونات الصاروخ، إلا أنها تعرض الطاقم البشري للخطر.
الصعوبة في عملية استرداد الصاروخ
أشار بيتر بيك، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة روكيت لاب، إلى أن العملية ديناميكية صعبة. ويقول في مكالمة مع إحدى وسائل الإعلام: «بمجرد أن نتلقى تأكيداً بأن المظلة التي تحمل الصاروخ قد فتحت بأمان، سيكون لدينا 10 دقائق للوصول إلى المحطة والالتقاء بالصاروخ. إنه ليس مجرد موعد مع الصاروخ في موضع في الفضاء فقط، إذ أن هناك ارتفاع محدد وارتفاع هابط يجب أخذهما بعين الاعتبار، الأمر أشبه بمشكلة ثلاثية الأبعاد إذا صح التعبير».
وتقول روكيت لاب في البيان: «إنها المرة الأولى التي تُستخدم فيها طائرة هليكوبتر في عملية الاسترداد، وستساعد مهمة اليوم في التخطيط بشكل أفضل لعمليات الاسترداد بواسطة طائرات الهليكوبتر في المستقبل».
بالإضافة إلى تأثير الهليكوبتر، تم إبطاء الصاروخ أيضاً من خلال مظلة الإرساء الأولية بالإضافة إلى مظلة رئيسية كبيرة. استقرت مظلة الإرساء وأبطأت سرعة سقوط المعزز، في حين فتحت المظلة الرئيسية وكان تأثيرها أكبر في إبطاء الصاروخ. فتحت كلا المظلتين بحلول وقت اعتراض المروحية.
اقرأ أيضاً: من سيأخذنا إلى القمر أولاً: صواريخ ناسا أم سبيس إكس؟
يقول بيك: «توجد مظلة صغيرة خلف المظلة الرئيسية بحبل طوله 45 متراً، وهناك حبل طوله 45 متراً أيضاً يتدلى من المروحية مع آلية التقاط في نهايته. بطريقةٍ ما، إنها عملية أشبه بصيد الأشباح، فأنت تحتاج أن يتقاطع هذان الحبلان، الحبل الطويل المتدلي من المروحية والحبل الفاصل بين المظلة الرئيسية والأولية، إلى أن تثبت آلية التعليق، لتقوم المروحية بعد ذلك بإبطاء سرعة هبوط المعزز رويداً رويداً».
بعد انتشال المعزز من المحيط، أُعيد إلى مقر الشركة التي صنعته لإجراء مزيد من عمليات التحليل عليه لاحقاً.
يقول بيك: «إنه عرض مذهل للخدمات اللوجستية والأجزاء المتحركة. لقد كان التقاط جسمٍ يدخل من الفضاء بسرعة تبلغ سبعة أضعاف سرعة الصوت على قوس باليستي بواسطة طائرة هليكوبتر إنجازاً مذهلاً. لدينا صورة له عندما أعيد إلى الشركة على متن قارب. كان مبتلاً بالماء ورطباً أكثر مما كنا نأمل، لكن العملية كانت ناجحة بشكلٍ لا يُصدق».
تتمتع الشركة بتاريخ طويل من التكيف مع النتائج الأولية غير المثالية. عندما أطلقت روكيت لاب صاروخها الأول من طراز «إلكترون» عام 2017، لم يصل إلى المدار تماماً كما كان مخططاً له.
منذ ذلك الحين، تدعي الشركة أنها نفذت 26 مهمة عبر صاروخ إلكترون، ونشرت ما مجموعه 146 قمراً صناعياً، 34 منها كان خلال عملية الإطلاق الأخيرة، والتي تضم حسب روكيت لاب أقماراً صناعية مصممة لمراقبة التلوث الضوئي وتجربة تقنياتٍ لإزالة النفايات الفضائية ومعالجة مشكلات الطاقة في الأقمار الصناعية الصغيرة والتحقق من سلامة التكنولوجيا لأنظمة الأقمار الصناعية المستدامة التي يمكنها تجنب الاصطدامات مع الأجسام الفضائية غير القابلة للتتبع، بالإضافة إلى تمكين الإنترنت الفضائي وإنشاء نظامٍ للمراقبة البحرية.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر التلوث الضوئي وغياب سماء الليل على كوكب الأرض؟
ما الذي يعنيه ذلك لصناعة الأقمار الصناعية؟
تطلق الشركة بشكلٍ أساسي أقماراً صناعية صغيرة مناسبة للعمل معاً كمجموعات وأنظمة مشتركة. وما زالت الشركة، منذ عام 2016 على الأقل، تستهدف عن عمد عمليات الإطلاق على نطاق غير منطقي بالنسبة للصواريخ الأكبر حجماً. تستخدم سبيس إكس، على سبيل المثال، صواريخ معززة كبيرة قابلة للاسترداد يمكنها الاحتفاظ بالوقود من أجل إبطاء الهبوط. في نهج العودة هذا، والذي يمكن أن يتم على منصات الإطلاق أو على منصات مخصصة لهبوط الطائرات بدون طيار في البحر، تتم إعادة تشغيل محركات الصواريخ عند اقترابها من السطح، ثم تهبط بطريقةٍ مراقبة (إذا ما سار كل شيٍ بسلاسة). وتقوم شركة "بلو أوريجين" أيضاً بعمل مشابه.
إذاً لماذا لا يقوم صاروخ إلكترون بالهبوط بنفس الطريقة التي تهبط من خلالها صواريخ سبيس إكس؟ وفقاً لشبكة سي إن إن، فإن الشركة تقول إن صارخ إلكترون ليس كبيراً بما يكفي لحمل إمدادات الوقود اللازمة لتنفيذ عملية الهبوط في وضعٍ عمودي، في حين أن الهبوط في مياه المحيط المالحة يمكن أن يتسبب بتآكل الصاروخ وإلحاق ضرر مادي به.
اقرأ أيضاً: إطلاق الصواريخ إلى الفضاء الخارجي بأسلوب شركات الطيران… مع حسومات أيضاً
لا تؤدي إعادة استخدام المعززات إلى توفير تكاليف المواد فحسب، بل توفر أيضاً الوقت المستغرق في التصنيع. وشريطة ألا يتضرر الصاروخ بشدة بسبب المياه المالحة، فإن إصلاحه يعد خطوة أسرع للاستعداد من البدء من نقطة الصفر.
إذا نجح أسلوب خطاف الهليكوبتر في المستقبل، فإن الهبوط الموجه والبطيء سيقلل من وقت الاستعداد أكثر من ذلك، ما يزيد من احتمالية أن تتمكن الشركة من إنجاز أكبر عدد ممكن من عمليات الإطلاق في الوقت المحدد ووضع المزيد من الأقمار الصناعية في المدار.
في مقطع فيديو تم تصويره من كاميرا مثبتة على المروحية لمحاولة الالتقاط، يمكن رؤية الخطاف متدلياً في الهواء في الأسفل وحبلٍ أصفر يتأرجح في الهواء. يظهر الصاروخ المعزز في الصورة مع فتح المظلة. السماء تحت مدار الأرض شاسعة، وهناك مساحة كبيرة للتجربة والخطأ. تركز روكيت لاب على الالتقاط الناجح للمعزز، لكن إفلاته بهدف إنقاذ المروحية يثبت أنه يمكن تجربة المفهوم مرة أخرى مع طيارين اكتسبوا خبرة أكبر الآن ويعرفون كيف تبدو عملية التقاط وتحرير المعزز.