أثمر التعاون بين مركز هارڤارد- سيمثونيان الأميركي لأبحاث الفضاء والجامعة الوطنية الأسترالية والمعهد الكوري لعلوم الفضاء وعدة مؤسسات عالمية أخرى عن مشروع تلسكوب ماجلان العملاق؛ الذي سيكون أحد التلسكوبات الأرضية العملاقة القليلة التي تَعِد بإحداث ثورة في نظرتنا وفهمنا للكون، وسيتمّ تشييده في مرصد «لاس كامباناس» في تشيلي، ومن المقرر أن يبدأ تشغيله هذا العام.
إنّ تلسكوب ماجلان العملاق هو تلسكوب مرآة مجزّأ يتكوّن من 7 من أكبر المرايا المتجانسة الصلبة في العالم؛ 6 منها خارج المحور بمقدار 8.4 أمتار تحيط بقطعة مركزية تقع على المحور، وتشكل سطحاً بصرياً واحداً يبلغ قطره 24.5 متراً، بمساحة تجميع إجمالية تبلغ 368 متراً مربع.
تُصنع مرايا تلسكوب ماجلان العملاق الرئيسية في أحد أهم المصانع المتخصصة في العالم؛ «ستيوارد أوبزيرڤاتوري ميرور لاب» في ولاية أريزونا الأميركية، إذ تعدّ أعجوبة في الهندسة الحديثة وصناعة الزجاج، فكلّ جزء منها منحنٍ بشكل دقيق للغاية ومصقول ضمن الطول الموجي للضوء؛ أي حوالي جزء من المليون جزء من البوصة، وسوف ينعكس الضوء المنبعث من حافة الكون أولاً عن المرايا السبعة الأساسية، ثم ينعكس مرة أخرى عن المرايا الثانوية السبع الأصغر للانتقال إلى الأسفل عبر فتحة المرآة المركزية، لجعل التركيز واحداً على الأدوات المتقدّمة المختلفة التي ستحلل الضوء.
تُعتبر «البصريات التكيفية» إحدى الجوانب الهندسية الأكثر تعقيداً للتلسكوب؛ فالمرايا الثانوية للتلسكوب مرنة، وتحت سطح كل مرآة ثانوية، هناك المئات من المحركات التي ستعمل على ضبطها باستمرار لمواجهة الاضطرابات الجوية، وستعمل هذه المحركات بموجب قيادة أنظمة التحكم المتقدمة، على تحويل النجوم المتلألئة إلى نقاط ضوئية ثابتة أكثر وضوحاً؛ مما يعرضه تلسكوب هابل الفضائي بعشرة مرات.
يوفر موقع تلسكوب ماجلان العملاق ميزة رئيسية من حيث الرؤية عبر الغلاف الجوي للأرض؛ إذ تعد صحراء «أتاكاما» في تشيلي واحدة من أعلى المواقع وأكثرها جفافاً على وجه الأرض، حيث يتمتع المرصد هناك بظروف مثالية لأكثر من 300 ليلة في السنة. كما يبلغ ارتفاع قمة «لاس كامباناس» أكثر من 2550 متراً فوق سطح البحر، وهي شبه قاحلة تماماً بسبب نقص هطول الأمطار، فالجمع بين هذه العوامل كافةً يجعل من القمة مكاناً مثالياً للتلسكوب.
ربما يكون أحد أكثر الأسئلة إثارة ولم يجب عنها علم الفلك حتى الآن؛ هل نحن وحيدون في الكون؟ ستتم معالجة هذا السؤال من خلال أول أداة متقدمة مخطط لها في تلسكوب ماجلان العملاق؛ «كونسورتيوم لارج إيرث فايندر»، التي يتم الإشراف على تصميمها وبنائها في مركز هارڤارد-سيمثونيان للفيزياء الفلكية. إذ تم تحسينها ليكون لديها سرعة تلقّي إشارات فائقة، مما سيسمح باكتشاف وجود أية كوكب خارج المجموعة الشمسية يدور حول نجومٍ شبيهةٍ بالشمس.
ستساعد القدرة غير المسبوقة في جمع الضوء ودقة صورة تلسكوب ماجلان العملاق في العديد من التساؤلات الأخرى في علم الفلك في القرن الحادي والعشرين أيضاً؛ مثل ماهية المادة المظلمة، وماهية الطاقة المظلمة، وهما شيئان غامضان يشكّلان معظم كوننا، وكيفية تشكل النجوم الأولى من الغاز المنتشر للانفجار العظيم، وكيفية تشكل المجرات الأولى، ومصير الكون المحتمل وغيرها.