في أول تعليقٍ رسمي على التقرير المرتقب الذي ستصدره وزارة الدفاع الأميركية «البنتاجون» في وقتٍ لاحق من هذا الشهر؛ حول حقيقة الأجسام الطائرة المجهولة، قال مسؤولو المخابرات الأميركية إنهم لم يعثروا على دليلٍ على أن تلك الأجسام التي تم توثيق مشاهدتها مؤخراً لها أصولٌ من خارج الأرض، ووفقاً لمسؤولين كبار في الإدارة الأميركية على درايةٍ بالتقرير المقبل، فإن التقرير سيؤكد فقط أن تلك الأجسام ليس منتجات تابعةً للجيش الأميركي أو التكنولوجيا الحكومية؛ مما يعني أن نظرية الكائنات الفضائية لا تزال قائمةً حتى الآن.
سبب التحقيق في أمر الأجسام الطائرة
كيف وصلنا إلى هنا؟ في أغسطس/آب عام 2020، وافقت وزارة الدفاع الأميركية رسمياً على إنشاء فرقة العمل المعنية بالظواهر الجوية غير المعروفة «UAPTF» للتحقيق في حوادث مشاهداتها. فرقة العمل هذه هي أول برنامج حكومي مسجّل تابع لأبحاث الأجسام الطائرة المجهولة منذ أن خسرت وحدتين معنيتين بالأمر من بداية الألفية تمويلهما عام 2012، على الرغم من أن بعض المصادر أكدت أن إحدى الوحدتين ظلّت نشطة بسريّةٍ بعد إغلاقها.
شكلت وزارة الدفاع الأميركية فرقة العمل المعنية بالظواهر الجوية غير المعروفة؛ من أجل تحسين فهمها لطبيعة وأصول تلك الظواهر، واكتساب نظرة ثاقبة عليها؛ إذ تتمثل مهمة فريق العمل في اكتشاف وتحليل وتصنيف الظواهر الجوية غير المعروفة التي يمكن أن تشكل تهديداً للأمن القومي العالمي.
في قانون تفويض الاستخبارات الأميركية الصادر في يونيو 2020، قالت اللجنة المختارة للاستخبارات إنها لا تزال قلقةً من عدم وجود عملية موحدة وشاملة داخل الحكومة الفيدرالية لجمع وتحليل المعلومات الاستخبارية حول الظواهر الجوية غير المعروفة، على الرغم من التهديد المحتمل لها، ولذا؛ وُجهت فرقة العمل إلى الإبلاغ عن النتائج التي توصل إليها بشأن تلك الظواهر؛ بما في ذلك الأجسام المحمولة جواً التي لم يتم تحديد ماهيتها، في غضون 180 يوماً.
عندما وقع «دونالد ترامب»؛ الرئيس الأميركي السابق، مشروع قانون الإغاثة من فيروس كورونا وتمويل الحكومة ليصبح قانوناً في ديسمبر/كانون الأول 2020، فقد احتوى على قانون تفويض الاستخبارات للسنة المالية 2021؛ مما يعني أنه يجب على فرقة العمل المعنية بالظواهر الجوية غير المعروفة، تقديم تقرير عن نتائجها إلى الكونغرس بحلول 25 يونيو/حزيران الجاري. ويقدم تقريرٌ صدر مطلع هذا الأسبوع عن صحيفة «نيويورك تايمز» هذا الأسبوع أول أدلة رئيسية حول ما يتضمنه ذلك التقرير وما لا يتضمنه.
ماذا يقول التقرير؟
تقترح صحيفة نيويورك تايمز أن السبب الأكثر احتمالاً للظواهر غير المبررة قد يكون من أعداء أجانب؛ إذ يُزعم أن تقرير البنتاجون يفحص أكثر من 120 حادثاً شهدها طيارو البحرية الأميركية على مدار العقدين الماضيين، بالإضافة إلى مُشاهدات من قبل جيوش أجنبية.
ويعتقد مسؤولو المخابرات أن بعض الظواهر الجوية على الأقل يمكن أن تكون تقنيةً تجريبيةً من قوى منافسة؛ حسبما ذكرت صحيفة التايمز.
قال أحد المسؤولين المطلعين على التقرير لصحيفة التايمز إن المخابرات الأميركية والمسؤولين العسكريين قلقون من أن الصين أو روسيا قد تختبر تكنولوجيا تفوق سرعة الصوت؛ مصممةً للتهرب من تكنولوجيا الدفاع الصاروخي للجيش الأميركي، ويبدو أن هذا يتماشى مع ما كشفه مسؤول مخابرات أميركي سابق مؤخراً.
في مارس/آذار المنصرم، قال «جون راتكليف»؛ الذي شغل منصب مدير مجتمع الاستخبارات الوطنية من مايو/أيار 2020 إلى يناير/كانون الثاني 2021، إن بين يدي البنتاجون الكثير من التقارير التي تتضمن مشاهدة أشياء في الجو "تقوم بما يصعب شرحه" بحسب تعبيره، وقال راتكليف إن كلاً من طياري البحرية الأميركية والقوات الجوية وصور الأقمار الصناعية قد رصدوا ظواهر جوية غير معروفة.
وبحسب ما ورد، فإن الأجسام قامت بحركاتٍ يصعب تكرارها ولا توجد حتى الآن التكنولوجيا اللازمة لها، كما أن بعضها كان يطير بسرعاتٍ تتجاوز حاجز الصوت بدون دويٍّ صوتي، وجميعها أمورٌ يصعب تفسيرها.
عندما تزيد الطائرة من سرعتها، تتراكم عليها موجات الضغط، وتتحد في النهاية في موجةٍ صادمةٍ واحدة. وعندما تتجاوز الطائرة تلك الموجة الصدمية وتنتقل أسرع من سرعة الصوت في الهواء، فإنها تسبب تغيراً مفاجئاً في الضغط؛ مما يؤدي بدوره إلى حدوث طفرة صوتية.
ولا توجد بيانات علمية متاحة للجمهور تشير إلى أن أية طائرة يمكنها كسر حاجز الصوت دون إنتاج دوي صوتي؛ بينما يمكن للمهندسين اتخاذ خطوات لمحاولة تقليل دوي حاجز الصوت؛ لكن الفيزياء تقول إنه من المستحيل القضاء عليه تماماً. لذا؛ اعترف راتكليف أن البنتاجون ببساطة لا يستطيع تبرير بعض المشاهد المبلغ عنها.
هل الأجسام الطائرة المجهولة هي تقنية فضائية فعلاً؟
من المعروف أن كلاً من الصين وروسيا طورتا أسلحةً تفوق سرعتها سرعة الصوت. في الخريف الماضي، على سبيل المثال، ظهر مقطع فيديو صيني يُظهر قاذفة قنابل تابعة للقوات الجوية لجيش التحرير الشعبي الصيني مزودةً بنظام سلاحٍ تفوق سرعته سرعة الصوت، بينما اختبرت روسيا أيضاً صاروخاً جديداً سافر بسرعةٍ تفوق الـ«5 ماخ»؛ أي خمسة أضعاف سرعة الصوت، وقيل إنه ضرب هدفاً في البحر لأول مرة .
وفي الأسبوع الماضي، أعلنت روسيا أنها تبني طائرةً مقاتلة أحادية المحرك تفوق سرعتها سرعة الصوت، وبحسب ما ورد؛ تعمل الصين على ما يسمى بمحرك «sodramjet»؛ والذي وصل على ما يبدو إلى تسعة أضعاف سرعة الصوت في اختبار نفق الرياح، ويقول صانعو المحرك إن المحرك يمكنه تشغيل طائرةٍ يمكنها الوصول إلى أي مكان في العالم في غضون ساعتين فقط.
قال مسؤولون أميركيون لصحيفة التايمز إنه إذا كانت الظواهر الجوية المجهولة في تقرير البنتاجون هي بالفعل طائرات صينية أو روسية، فهذا من شأنه أن يشير إلى أن الأبحاث فيما يتعلق بالتقنيات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت لدى القوّتين الأخيرتين، قد سبقت التطور العسكري الأميركي بأشواط.
اقرأ أيضاً: عالم فلك في هارفارد يجزم بزيارة الفضائيين لكوكبنا
ما يجب معرفته أيضاً عن هذه الأجسام
يعد الإصدار الوشيك لتقرير فرقة العمل المعنية بالظواهر الجوية غير المعروفة، تتويجاً للتطورات الأخيرة حول حقيقة الأجسام الطائرة المجهولة؛ بما في ذلك إصدار البحرية الأميركية في أبريل/نيسان 2020 لثلاثة مقاطع فيديو تُظهر أن المركبات الجوية مجهولة الهوية حقيقية. جاء ذلك الإعلان الرسمي بعد عدة سنواتٍ من تسريب المقاطع سيئة الجودة لأول مرة عبر الإنترنت، وإعلانها بشكلٍ صحيح ظهور الأجسام الطائرة المجهولة.
تُظهر مقاطع الفيديو الثلاثة المعنية مواجهتين منفصلتين بين طائرة تابعة للبحرية وجسمٌ طايرٌ مجهول، تم التقاط إحدى المقاطع في عام 2015 قبالة الساحل الشرقي للولايات المتحدة، بواسطة طائرة مقاتلة من طراز «F/A-18F». أما المقطع الآخر، فتم التقاطه قبالة سواحل كاليفورنيا في عام 2004، من قبل الطيارين الذين كانوا يسافرون من حاملة الطائرات «USS Nimitz». في مقاطع الفيديو، تناقش أطقم الطائرات بصوت عالٍ ما هي الأشياء ومن أين أتت.
في كل حالة، أجرت تلك الأجسام مناورات جوية غير ممكنة باستخدام تقنية الطيران الحالية. في حادثة عام 2004، ظهرت الأجسام فجأةً على ارتفاع 80 ألف قدم، ثم اندفعت نحو البحر، وتوقفت في النهاية على ارتفاع 20 ألف قدم وحلقت. بعد ذلك؛ إما انسحبت من نطاق الرادار أو انطلقت بشكلٍ مستقيم.
من المتوقع أن تصدر فرقة العمل المعنية بالظواهر الجوية غير المعروفة نسخة غير سرية من تقريرها إلى الكونغرس بحلول 25 يونيو/حزيران؛ لكن التقرير سيتضمن أيضاً قسماً سرياً؛ مما يعني أنه من المحتمل أن يستمر في تأجيج التكهنات الشائعة بأن الحكومة الأميركية لديها بيانات سرية حول زياراتٍ خارجية إلى الأرض.
الأجسام الطائرة المجهولة حول العالم
تعدّ حادثة طهران عام 1976 إحدى أشهر حوادث مشاهدات الأجسام الطائرة المجهولة. إذ كانت عبارة عن رصدٍ بوساطة الرادار ومشاهدة بصرية لجسم طائر مجهول فوق العاصمة الإيرانية خلال ساعات الصباح الباكر من يوم 19 سبتمبر/أيلول عام 1976.
أثناء الحادث، أبلغت طائرتان اعتراضيتان تابعتان لسلاح الجو الإيراني عن فقدان الاتصالات والسيطرة على الأجهزة أثناء اقترابها من الجسم الغريب؛ لكن تمت استعادتها عند الانسحاب، كما أبلغت إحدى الطائرات عن عطلٍ مؤقت في أنظمة الأسلحة، بينما كان الطاقم يستعد لإطلاق النار، وتم نقل تقريرٍ أولي رسمي عن الحادث إلى هيئة الأركان المشتركة الأميركية في اليوم نفسه من الحادث.
وفي شرق القارة نفسها من العام نفسه؛ في كوريا الجنوبية تحديداً يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول، كان هناك حوالي عشرةٌ من الأضواء الساطعة التي فصلت بينها فترات منتظمة في السماء؛ حيث أطلق الجيش النيران بالمدافع المضادة للطائرات عليها دون إصابتها؛ لكن أصيب عددٌ من الأشخاص بجروحٍ وأضرار جرّاء الرصاص المتساقط.
وفي تسجيلٍ صوتي لتواصل المرسل مع قائد طائرة شحن في سلوفاكيا عام عام 2014، يسأل الطيار عما إذا كان هناك أي تدريبٍ عسكري على الأرض، فيجيب المرسل أن هناك بعض التمارين؛ لكنها في الجزء الشرقي من سلوفاكيا. يدّعي الطيار أنه قبل ثلاث دقائق كان وطاقمه قد رؤوا صاروخاً يطير أسفلهم مباشرةً، من اليسار إلى اليمين، وقام المرسل بفحص البيانات؛ ولم يكن لديه مزيد من المعلومات.
حدده الطيار على أنه صاروخ بالنظر إلى سرعته، ووجود بعض القوى الدافعة له؛ إلا أن المرسلين تفقدوا حينها القواعد العسكرية السلوفاكية المجاورة لجمهورية التشيك وبولندا، مع عدم وجود نتيجةٍ أو دليل.
وبالطبع؛ هذه الحوادث ليست الوحيدة المسجّلة؛ بل إن هناك العشرات من حوادث مشاهدة أجسام طائرة مجهولة غيرها تمتدّ في كافة أنحاء العالم، وعلى كافة أحقاب التاريخ؛ لكن إلى أن يصدر تفسيرٌ علميٌّ مُثبت لهذه الظواهر، ستبقى محطاً للجدل ورهناً للتكهنات.
اقرأ أيضاً: تعرف على ستيف و 7 أجسام أخرى غامضة تتوهج في سماء الليل