توصّل فريق من علماء الكيمياء مؤخراً إلى حلٍ للغز توهج المذنبات (وليس ذيولها) باللون الأخضر، وهو لغز حيّر الباحثين لعقود. كان السر يكمن في دراسة جزيء نادر للغاية على الأرض.
المذنّبات هي قطع من الجليد والغبار من بقايا عملية تشكّل المجموعة الشمسية تتحرك بسرعة كبيرة، والتي ينتقل بعضها أحياناً من الأطراف الباردة للمجموعة الشمسية ماراً بجانب الأرض. افترض الفيزيائي «غيرهارد هيرزبيرغ»، والذي فاز بجائزة نوبل لاحقاً لأبحاثه حول الجذور الحرة والجزيئات الأخرى، أن العملية التي تجعل المذنّبات تتوهّج باللون الأخضر قد تتعلق بجزيء يتألف من ذرتين من الكربون اسمه «ثنائي الكربون». اختبر الباحثون في دراسة جديدة نُشرت في دورية «وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم» فرضية هيرزبيرغ.
جزيء ثنائي الكربون النشط كيميائيّاً هو المسؤول عن اللون الأخضر للمذنبات
وفقاً لـ «تِم شميت»، عالم كيمياء أشرف على الدراسة الجديدة في جامعة «نيو ساوث ويلز» في مدينة سيدني، أستراليا، إن جزيء ثنائي الكربون نشط كيميائياً للغاية لدرجة أن فريق الباحثين لم يتمكّن من الحصول على كمية منه لدراستها لأنه غير قابل للتخزين. يضيف شميت أن هذا الجزيء يوجد في الفضاء داخل النجوم والسُدُم والمذنبات، وعندما يتعرّض إلى الأوكسجين الموجود في الغلاف الجوي للأرض، يتفاعل ثنائي الكربون معه بسرعة ويحترق.
يقول شميت إن هذه هي المرة الأولى التي يستطيع العلماء فيها أن يدرسوا بالتفصيل عملية تفكك ثنائي الكربون عند تعرضه إلى الأشعة فوق البنفسجية. تعيّن على فريق الباحثين في المختبر أن يحاكوا ظروف الفضاء القريب من الأرض باستخدام غرف مفرّغة من الهواء و3 أنواع مختلفة من أجهزة الليزر للأشعة فوق البنفسجية. نظراً لأن ثنائي الكربون يتفاعل بسرعة كبيرة، اضطر الباحثون إلى تركيبه اصطناعياً خلال التجارب عن طريق توجيه الليزر إلى جزيئات أكبر.
وفقاً لشميت، استنتج الباحثون أن التوهّج الأخضر للمذنّبات ينتج عن جزيئات ثنائي الكربون، والتي يمكن أن تمتص الضوء المرئي وتصدره عند تعرّضها لضوء الشمس في الفضاء. يقول شميت إن هيرزبيرغ كان محقاً بشأن ثنائي الكربون، مع أنه لم يكن محقاً تماماً بشأن الآلية. يضيف شميت قائلاً إنه مع ذلك، كان ذلك في ثلاثينيات القرن الماضي، لذا «يمكننا أن نسامحه».
يتشكّل ثنائي الكربون في المذنّبات عندما يُسخّن ضوء الشمس الجليد، والذي يتألف بعضه على الأرجح من «الأستيلين»، وهو مزيج من الهيدروجين والكربون يُستخدم على الأرض بشكله الغازي كوقود لعملية اللحام. وفقاً لشميت، يمكن أن يتشكّل ثنائي الكربون أيضاً في الفضاء عندما تتفكك بعض الجزيئات العضوية المعقدة الموجودة في المذنّبات.
وفقاً لشميت، تنفصل ذرات الهيدروجين عن جزيئات الأستيلين، ما «يقوّي الرابطة» بين ذرات الكربون المتبقية، ويتسبب بتشكّل جزيئات ثنائية الكربون.
عندما تسخّن الشمس الجزيئات الموجودة في المذنّب، تكتسب هذه الجزيئات الطاقة وتتوهّج، ولكنها تتفكك إلى ذرات كربون إفرادية قبل أن تصل إلى عمق ذيل المذنّب. يفسّر هذا لماذا يتوهّج المذنّب نفسه باللون الأخضر وليس ذيله.
اقرأ أيضاً: قد يكون بلوتو مكوناً من مليارات المذنبات
المذنبات: مختبرات تجوب نظامنا الشمسي
طالما أن المذّنب يتعرّض لما يكفي من ضوء الشمس ليُصدر الغاز، ستشكّل أشعة الشمس جزيئات جديدة متوهّجة من ثنائي الكربون بشكل مستمر. وفقاً لشميت، عمر جزيئات ثنائي الكربون على بعد يساوي المسافة بين الأرض والشمس هو يومين تقريباً.
وفقاً لـ «أنيتا كوكران»، وهي عالمة فلك والمديرة المساعدة لمرصد «مكدونالد» في جامعة تكساس في مدينة أوستن، والتي لم تشارك في الدراسة الجديدة، تمكّن فريق الباحثين من فهم الطريقة التي يتفكك بها ثنائي الكربون في المختبر، وأن يبيّنوا أن العلماء «كانوا محقّين» بشأن وجود هذه الجزيئات المتوهّجة في المذنبات. تقول كوكران: «بيّن الباحثون بشكل صارم الآن أن هذا صحيحاً».
تقول كوكران، والتي أمضت معظم حياتها المهنية في مراقبة المذنّبات، إن هذه الأجسام تلعب دور مختبرات علمية، وذلك لأن العلماء يستطيعون رصد ذيولها الطويلة، والتي تصل أطوالها إلى ملايين الكيلومترات، باستخدام التلسكوبات، واكتشاف تركيبها الكيميائي.
وفقاً لكوكران، اكتشف الفريق عمر جزيئات ثنائي الكربون التي تكون معرّضة لضوء الشمس، وقاسوا الزمن الذي تستغرقه حتى تتفكك. ستساعد هذه المعلومات الجديدة في عمليات نمذجة سلوك المذنّبات. قد يبدو مرور مذنّب حدثاً نادراً بالنسبة للبشر، ولكن رصد علماء الفلك حتى الآن آلاف المذنّبات.
يوجد عدد هائل من المذنّبات في أطراف المجموعة الشمسية على الأرجح، وبسبب هذه الجزيئات المتوهّجة من ثنائي الكربون، أصبح العلماء يعرفون المزيد عن تاريخ المجموعة الشمسية.