اتّضح وفقاً لبحثٍ جديد أجراه باحثون من جامعة كامبردج البريطانية أن المعتقدات الدينية أو الاجتماعية هي ليست المحدد الوحيد للأشخاص ذوي الآراء المتطرفة. إذ أن هذه المعتقدات الأيديولوجية عميقة جداً لدرجة أنه يمكن التعرف عليها في للسمات والقدرات المعرفية التي تميز أنماط التفكير للعقل المتطرف.
بحسب الباحثين، فإن هذا «التوقيع النفسي» لمجموعة القدرات المعرفية المحددة جديد، ويجب أن يلهم المزيد من البحث حول تأثير المعتقدات على عمليات صنع القرار الإدراكي. وعلاوةً على ذلك، من المحتمل أن تكون هذه الأنماط النفسية هي ما يجبر بعض الأفراد على تبني مواقف أيديولوجية قوية أو راديكالية في المقام الأول.
الصعوبات الخفية في المعالجة العقلية المعقدة قد تدفع الناس بشكل لا شعوري نحو المذاهب المتطرفة التي تقدم تفسيرات أوضح وأكثر تحديداً للعالم، مما يجعلهم عرضةً للأشكال السامة من الأيديولوجيات العقائدية والاستبدادية.
أجرى الباحثون في هذه الدراسة تجربةً على 334 مشاركاً قدّموا معلومات حسب تنوعهم الاجتماعي وملأوا سلسلة من الاستبيانات الأيديولوجية حول معتقداتهم الشخصية، بما في ذلك المعتقدات السياسية والاجتماعية والدينية. علماً أنه في دراسة سابقة غير ذات صلة شملت نفس المجموعة من الأشخاص، أجرى المشاركون مجموعة واسعة من اختبارات «ألعاب الدماغ»؛ أي أداء المهام المعرفية والسلوكية على جهاز كمبيوتر، مصممة لاختبار أشياء مثل ذاكرتهم العاملة ومعالجة المعلومات والتعلم والانتباه وأمور أخرى.
عندما طبق الباحثون نتائج الاستبيانات الإيديولوجية على معايير الاختبارات المعرفية، توصلوا إلى اكتشافهم. إذ وجدوا أن الأفراد ذوي المواقف المتطرفة يميلون إلى أداء ضعيف في المهام العقلية المعقدة. بل أنهم كافحوا لإكمال الاختبارات النفسية التي تتطلب خطوات عقلية معقدة.
كما أظهر أولئك الذين لديهم مواقف متطرفة، مثل تأييد العنف ضد مجموعات معينة في المجتمع، ذاكرةً عاملةً أضعف، واستراتيجيات إدراكية أبطأ، وميول اندفاعية مبنية على الإحساس أكثر من المنطق.
ومع ذلك، فإن الاختبارات لم تسلّط الضوء على سمات التفكير المتطرف فقط، بل إن أنواعاً أخرى من المعتقدات الأيديولوجية كشفت أيضاً عن شكل بصماتها النفسية. إذ وجد الباحثون أن المشاركين الذين أظهروا تفكيراً عقائدياً كانوا أبطأ في تجميع الأدلة في مهام اتخاذ القرار السريعة، لكنهم كانوا أيضاً أكثر اندفاعاً وعرضةً للوقوع في المعضلات الأخلاقية.
وأظهر الأفراد الذين كانوا محافظين سياسياً انخفاضاً في معالجة المعلومات الاستراتيجية، وزيادة في الحذر عند الاستجابة في نماذج صنع القرار، كما أظهروا نفوراً من المخاطرة الاجتماعية. وفي المقابل، كان المشاركون ذوو المعتقدات الليبرالية -التحررية- أكثر ميلاً إلى تبني استراتيجيات إدراكية أسرع وأقل دقة، وأظهروا قدراً أقل من الحذر في المهام المعرفية.
يُظهر البحث أن أدمغتنا تحمل أدلة شبه دقيقة للأيديولوجيات التي نختار العيش وفقاً لها والمعتقدات التي نتمسك بها بشدة. فإذا كانت عقولنا تميل إلى الاستجابة للمثيرات بحذر، فقد تنجذب أيضاً إلى الأيديولوجيات الحذرة والمحافظة. وإذا كنا نكافح من أجل معالجة وتخطيط تسلسل الإجراءات المعقدة، فقد ننجذب إلى أيديولوجيات أكثر تطرفاً تبسّط العالم ودورنا فيه.
يمكن للمنهجية هنا أن تضع الأساس لاختبارات نفسية مستقبلية قد تكون قادرة على تحديد الأفراد المعرضين لخطر التطرّف واعتماد المعتقدات المتطرفة، وكذلك اقتراح نوع التفكير الذي يحمي الآخرين من ذلك.