مهندسون ينجحون في تصنيع مينا أسنان اصطناعي أقسى من المينا الطبيعي

5 دقائق
مهندسون ينجحون في تصنيع مينا أسنان اصطناعي أقسى من المينا الطبيعي
حقوق الصورة: كيف باتيون/أنسبلاش.

كل يوم، أنت تشحذ أسنانك، وهي تتحمّل ذلك. أثناء سحق الأطعمة الصلبة، أو صر الأضراس عندما تكون متوتراً، يمكنك أن تشكر درعاً نانوياً على حماية أسنانك: إنه طبقة مينا الأسنان. بسماكة بضعة ميلليمترات فقط، تسمح لك هذه الطبقة الخارجية المعقدة الموجودة على سطح الأسنان بالهرس والتقطيع والمضغ دون الشعور بألم مستمر في الأنسجة الحساسة تحتها.   

مينا الأسنان هو أقسى الأنسجة الحيوية المعروفة في جسم الإنسان (كما أنه يبدو جميلاً تحت المجهر). لقد بحث علماء الأسنان منذ فترة طويلة عن طرق لتركيب هذه البنى الرقيقة، ولكن القوية، بهدف توفير حماية طويلة الأمد للحفاظ على صحة الأسنان. الآن، اقترب فريق من المهندسين من تحقيق ذلك.   

ابتكر علماء المواد والمهندسون الكيميائيون من جامعة بيهانغ وجامعة بكين وجامعة ميشيغان مينا أسنان اصطناعي أقوى حتى من المينا الطبيعي. وصف الباحثون إنجازهم في دراسة نُشرت في 3 فبراير/شباط 2022 في دورية «العلوم». تم تصميم مينا الأسنان المُحاكي حيوياً على غرار تركيب المينا الطبيعي، ولكن تم تعديله في المختبر ليصبح أكثر قدرة على تحمل التآكل والتلف. بينما تمكن مهندسون آخرون من تركيب أجزاء معينة من هذه الطبقة الخارجية الصلبة، فقد سعى الباحثون في هذه المقاربة الجديدة لجعل المكونات الصلبة والمرنة تشبه بشكل أكبر تركيب المينا الطبيعي وبنيته.     

كتب «هيوي زاو»، المؤلف الرئيسي للورقة الجديدة، والمهندس الكيميائي في جامعة بيهانغ في بكين، في رسالة بريد إلكتروني: «يمتلك مينا الأسنان مرونة لزوجية فائقة تجعله قادراً على تحمل الاهتزازات والأضرار التشوهية الناتجة عن الاستخدام طويل الأمد»، وأضاف: «تُعتبر هذه الخصائص تقليدياً بمثابة مقايضات. وهذا أمر غير معتاد في المواد [من صنع الإنسان]، منحنا الدافع لدراسة هذه الخصائص».  

اقرأ أيضاً: يسبب تلوث الدم: خرّاج الأسنان وعلاجه

المينا في مواجهة بيئة شديدة العدوانية

يوفر المينا الحماية من العديد من العوامل، إذ أنه يتعرض باستمرار للأحماض والقلويات من الطعام والشراب، ويضطر للتكيف مع البكتيريا الجديدة والتغيرات في ميكروبيوم الفم. ناهيك عن أنه يمكن كشط المينا بسبب الإفراط في تنظيف الأسنان بالفرشاة، والصرّ المتكرر. يقول «نيكولاس كوتوف»، مهندس كيميائي في جامعة ميشيغان، وأحد مؤلفي الورقة البحثية الجديدة: «البيئة شديدة العدوانية».    

يتسبب الوقت والبلى والتآكل في إحداث ثقوب في الطبقات الخارجية للأسنان، ما يؤدي إلى تسوس الأسنان ومشاكل أخرى. على عكس العظام المكسورة، فإن البطانة الدفاعية للمينا لا تُرمم نفسها، كما توضح «جانيت موراديان-أولداك»، عالمة الكيمياء الحيوية والأستاذة في كلية طب الأسنان في جامعة جنوب كاليفورنيا، لوس أنجلوس، والتي لم تشارك في البحث الجديد.  

وفقاً لموراديان-أولداك، في الواقع، يخلو المينا من الخلايا الحية. إذ تقول: «بحلول الوقت الذي تخرج فيه الأسنان من اللثة، تكون الخلايا التي تصنع المينا، والتي تسمى أرومات المينا، قد ماتت». تختبر موراديان-أولداك حالياً طرقاً لإعادة إنماء المينا باستخدام الهلاميات المائية الببتيدية، لكنها تعترف بأن ذلك يمثل تحدياً كبيراً للباحثين.  

يأتي جزء من قوة المينا، وسبب صعوبة تركيبه، من بنيته المعقدة والدقيقة. هذا الدرع الممعدن مصنوع من أنابيب صغيرة مترابطة تعرف باسم «العصي النانوية»، والتي تكون مليئة بشبكة من «هيدروكسيباتيت الكالسيوم»، وهو نوع من معدن فوسفات الكالسيوم. تقول موراديان-أولداك: «البلورات هي التي تجعل مينا الأسنان فريداً جداً».   

مهندسون ينجحون في تصنيع مينا أسنان اصطناعي أقسى من المينا الطبيعي
(على اليسار) صورة المجهر الإلكتروني الماسح لمينا الأسنان. (على اليمين) صورة المجهر الإلكتروني النافذ لمينا الأسنان. حقوق الصورة: لين غو، كلية الكيمياء، جامعة بيهانغ، الصين.

وفقاً لموراديان-أولداك، تتجمّع هذه البلورات النانوية معاً على شكل منشور، وتكون كلها مرتبطة ببعضها. تقول موراديان-أولداك: «إنها مثل السباغيتي الجافة قبل أن تُطهى». لكن بنى العصي النانوية البلورية الصلبة يمكن أن تنكسر دون وجود بطانة داعمة. عندما تضغط قوى المضغ على هذه العصي، تمتص طبقة غير متبلورة مكونة من المغنيزيوم والبروتينات ومركبات أخرى القوى والضغط حتى لا تنكسر العصي.     

تقول موراديان-أولداك: «تكون كل من هذه العصي النانوية الصغيرة مغطاة بمادة غير متبلورة»، وتضيف: «المواد المرنة هي لينة، والمواد الصلبة هشة، ولكن ما يفعله المينا حقاً هو الجمع بين الاثنين». يقول كوتوف إن المرونة الطفيفة للمواد غير المتبلورة هي عنصر أساسي في التنظيم البنيوي الذي يعطي مينا الأسنان قوته الميكانيكية.  

يقول كوتوف: «ما هو مهم في البنى الحيوية هو أنها لا تمتلك خاصية واحدة فقط، فهناك العديد من الخصائص التي يجب محاكاتها في نفس الوقت، والمينا هي واحدة من تلك العجائب الحيوية». 

اقرأ أيضاً: بنسبة 50%: منتجات تبييض الأسنان تقتل خلايا اللب

كيف تم تركيب المينا الاصطناعي؟

وفقاً لزاو، لتركيب مينا الأسنان الاصطناعي، صنع المهندسون عصي الهيدروكسيباتيت النانوية البلورية المرتّبة بدقة، وطلوها بثاني أوكسيد الزركونيوم، وهو نسخة أقوى من مادة المغنيزيوم غير المتبلورة. يقول كوتوف إن هذا الضبط والتعديل للبطانة جعل المينا الاصطناعي «مكافئاً أو أفضل» من المينا الطبيعي. يقول كوتوف: «كانت الدراسات السابقة قادرة على محاكاة المينا بعصي نانوية متبلورة بالكامل، والتي يتصف أداؤها بالجودة إلى حد معقول ... ولكن ليس بنفس الجودة التي حصل عليها [فريقنا] عندما أضاف طبقة المواد غير المتبلورة. تُظهر هذه الدراسة بطريقة جميلة وبشكل مقنع للغاية أنه يمكن تصنيع نسخ أكبر من هذه المواد عالية الأداء».   

خطوة إلى الأمام لها عيوبها

مهندسون ينجحون في تصنيع مينا أسنان اصطناعي أقسى من المينا الطبيعي
(على اليسار) صورة المجهر الإلكتروني الماسح لمينا الأسنان الاصطناعي. (على اليمين) صورة المجهر الإلكتروني النافذ للمينا الاصطناعي. حقوق الصورة: لين غو، كلية الكيمياء، جامعة بيهانغ، الصين.

يعتقد كل من زاو وكوتوف أن مينا الأسنان الاصطناعي يمكن أن يساعد الناس على تجديد أسنانهم البالية. لكن كوتوف يرى أيضاً أن النهج الجديد يتجاوز التصحيحات والإصلاحات البسيطة، ويمكن أن يُستخدم لتصميم أسنان «ذكية» تشفي نفسها ذاتياً أو تستشعر الالتهابات والتغيرات في ميكروبيوم الفم والأسيتون في النفس، وهو علامة على مرض السكري

مع ذلك، تُعرب موراديان-أولداك عن تحفظات بشأن استخدام المينا الاصطناعي العملي في طب الأسنان في أي وقت قريب. ابتكر المهندسون هذا المينا عن طريق تسخين المواد إلى 300 درجة مئوية، ووضعوها تحت درجات حرارة منخفضة للغاية، واستخدموا كحول البوليفينيل للتحكم في بعض أنماط التبلور. ثقول موراديان-أولداك: «تذكّر، في الطبيعة، ليس لدينا درجات حرارة قصوى، ودرجة حموضة شديدة، وضغط شديد كما فعل هؤلاء المهندسون».   

تضيف موراديان-أولداك أنه على الرغم من احتواء المينا الاصطناعي على جوانب مهمة لم يتم تصنيعها من قبل، إلا أنه لا يتطابق تماماً مع البنية ثلاثية الأبعاد للمينا البشرية الطبيعية، وهو أمر مهم لأطباء الأسنان عند إلصاقهم المواد أو تثبيتها على الأسنان أو العظام في الفك. 

تقول موراديان-أولداك: «لقد صنع الباحثون مينا أقوى بكثير، لكنه لا يزال يفتقر إلى بعض السمات البنيوية للمينا الطبيعي». مع ذلك، فهي تشير إلى أن هناك عبر مفيدة في المقاربة والتقنيات التي استخدمها الفريق. تضيف موراديان-أولداك: «لقد تأثرت كثيراً بالطريقة التي يستطيع بها المهندسون محاكاة المبادئ العلمية الأساسية للتركيب والبنى على مستوى شديد الدقة».  

اقرأ أيضاً: ربما تفعلها وحدك: كل ما تود معرفته حول تبييض الأسنان 

تطبيقات أبعد من طب الأسنان

يقول كوتوف إن فهم بنية المينا وهندستها على المقياس النانوي يمكن أن يؤدي إلى تصميم مواد بناء لتخصصات تتجاوز طب الأسنان. كما يصرح هو وزاو بأن صلابة المينا الاصطناعي الجديد وتحمله العالي للاهتزازات يمكن أن يكون مفيداً للغاية في تشييد المباني المقاومة للزلازل. تتخيل موراديان-أولداك أنه يمكن استخدام هذه المادة لإنشاء خوذات للجنود أيضاً.   

وفقاً لكوتوف، من خلال النظر إلى «عجائب حيوية» مثل مينا الأسنان، فإن المهندسين لديهم فرصة لتحسين تصميم الطبيعة للمواد والاختراعات التي يحتاج البشر كميات أكبر منها. 

يوضح كوتوف قائلاً: «بالطبع، يمكن للطبيعة تحقيق ذلك من خلال التطور، لكن الأمر يستغرق الوقت»، ويضيف: «بعض المواد المتوفرة لدينا غير متوفرة للخلايا. يمكننا الآن إعادة تركيب هذه المواد للحصول على خصائص أفضل من خلال استبدال بعض مكوناتها». 

المحتوى محمي